الفتوحات الإسلامية.. حصار القسطنطينية في عصر بني أمية

> كانت "القسطنطينية" الرأس المدبر والمحرك الذي أدار شئون الدفاع البحري عن الدولة البيزنطية وجزرها في حوض البحر المتوسط الشرقي، ولا سيما السواحل الواقعة حول بحر "إيجة" الغني بجزره الممتدة إلى مياه "القسطنطينية" المحلية. وقد أدرك المسلمون أنه لا استقرار لفتوحاتهم إلا بإدخال هذه العاصمة في قائمة الفتوحات، كما تم لهم من قبل الاستيلاء على "المدائن" عاصمة الفرس2.

وبعد تمهيد طويل بواسطة حملات برية على آسيا الصغرى وصل بعضها إلى "القسطنطينية" -ومحاولات أخرى بحرية خرجت من القواعد الإسلامية البحرية على سواحل الشام ومصر- أحس المسلمون أنهم وصلوا إلى درجة جيدة من الخبرة بالطريق إلى "القسطنطينية" برا وبحرا، وأنهم يستطيعون غزوها والاستيلاء عليها والقضاء على دولة الروم. ولقد قدر للمسلمين القضاء على الدولة البيزنطية في عصر بني أمية لتغير وجه التاريخ تماما، ولكن فشل محاولاتهم الأولى في العصر الأموي أتاح لهذه الدولة حياة امتدت قرابة تسعة قرون. وعندما دخل الأتراك العثمانيون "القسطنطينية" "سنة 857هـ" كانت دولة الروم قد أتمت رسالتها التاريخية التي كان لها أبعد الأثر على مسيرة الإسلام في شرق أوروبا، بل في تاريخ أوروبا كلها.

وسنوجز فيما يلي الكلام على أكبر محاولات المسلمين لفتح "القسطنطينية" وهي:

المحاولة الأولى: حملة سفيان بن عوف "سنة 49هـ/ 669م":

أرسلها معاوية بن أبي سفيان برا، فاخترقت آسيا الصغرى وافتتحت حصونا كثيرة في الأناضول حتى وصلت إلى سواحل "بحر مرمرة"، ثم بعث معاوية ابنه "يزيد" مددا لسفيان بن عوف وجعله أميرا شرفيا على الحملة، ومعه نفر من أبناء الصحابة، مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنهم. وقد اشتبك المسلمون مع الروم في القتال، واستشهد الكثير من الصحابة، منهم أبو أيوب الأنصاري الذي دفن بالقرب من مدينة "بروسة". وقد حال الشتاء القارس وصعوبة الإمدادات البشرية والتموينية -لبعد المسافة وضعف وسائل النقل في ذلك الوقت- ثم نقص الأطعمة والأغذيةن وتفشي الأمراض بين الجند، ومناعة "القسطنطينية" -حال ذلك كله دون فتح المدينة. ولقد حاول المسلمون عبثا اختراق أسوارها بعد حصارها، إلا أنهم فشلوا في ذلكن فعادوا دون خسائر كبيرة "عام 50هـ"1.

وقد تنبأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الغزوة، ووعد أهلها المغفرة، فقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري عن أم حرام بنت ملحان: "أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا، وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم".

وكان الدرس الهام الذي خرج به معاوية من هذه الحملة هو ضرورة تدعيم القوات البرية التي تغزو "القسطنطينية" بقوات بحرية ضخمة، حيث تحيط المياه بالمدينة من ثلاث جهات، وعكف على تجهيز هذا الأسطول مدة اربع سنوات استطاع خلالها تدريبه عمليا باسترداد جزيرة "رودس" "عام 52هـ/ 672م" -وكان الروم قد استردوها أثناء فترة خلافة عثمان -رضي الله عنهم- ثم جزيرة "كزيكوس" "وهي جزيرة أرواد" "عام 54هـ/ 674م"، والتي سيجعل منها المسلمون مقرا لإدارة الحصار الثاني للقسطنطينية، والذي بدأ "عام 54هـ"2.

المحاولة الثانية: حصار السبع سنوات "54-60هـ/ 674-679م":

وفي الطريق إلى هذا الحصار استولى المسلمون على "أزمير"، واحتلوا ساحل "ليكيا"، وخرج الأسطول الإسلامي من جزيرة "أرواد" بقيادة "جنادة بن أبي أمية الأزدي"، وأحكم المسلمون حصار "القسطنطينية" برا وبحرا، من "إبريل" إلى "سبتمبر"، ثم ارتدوا عنها مع قدوم الشتاء إلى جزيرة "أرواد" "كزيكوس"، ثم عادوا إلى الحصار في الصيف التالي، ليرتدوا في الشتاء مرة أخرى، واستمر الأمر على هذا الحال، يحاصرون صيفا، ويرتدون شتاء، حتى "عام 60هـ/ 679م" عندما قرر معاوية بصفة نهائية الانسحاب، وعقد معاهدة صلح مع إمبراطور الروم: قسطنطين الرابع، مدتها ثلاثون عاما.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى