فتوحات أفريقيا

> المرحلة الأولى: مرحلة الاستكشاف والاستطلاع "22-50هـ/ 643-670م" :

وقد امتدت هذه المرحلة من سنة "22هـ/ 642م" إلى منتصف القرن الأول الهجري. وقادة هذه المرحلة هم: عمرو بن العاص "ت44هـ/ 664م"، وعبد الله ابن سعيد بن أبي سرح "ت 37هـ/ 657م". ومعاوية بن حديج الكندي "ت52هـ/ 627م"، وعقبة بن نافع الفهري "الحملة الأولى" -رضي الله عنهم أجمعين.

أولا: عمرو بن العاص وأولى المحاولات "فتح برقة -وادن- فزان -طرابلس" .

ما كاد عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ينهي فتح الإسكندرية ويستقر فيها حتى بدأ يفكر في تأمين حدود مصر الغربية، فواصل السير إلى أن وصل "برقة"، وذلك في أواخر "سنة 21هـ/ 642م"، فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها جزية في كل عام "دينار على كل حالم".

وقد كانت "برقة" تابعة لمصر من أيام الاحتلال الروماني والبيزنطي، ولذا أقدم عمرو بن العاص على فتحها؛ لأنه يعتبرها مصرية. وبهذا يمكن إخراج فتح "برقة" من فتوح "إفريقية"، واعتبار فتحها إتماا لفتح مصر، ووقوفا عند حدها الغربي.

ولم يكن هدف عمرو بن العاص قاصرا على تأمين حدود مصر الغربية والقضاء على قوة البيزنطيين في ذلك الجانب فحسب، وإنما كانت تحثه دوافع الجهاد الإسلامي من أجل مواصلة نشر الإسلام. فبعد أن انتهى من فتح "برقة" بدأ في الاستعداد لفتح "طرابلس"، ولكن كان لا بد أن يؤمن خط العودة، خشية أن يؤتى من قبل السكان المقيمين في الواحات الداخلية، ومن هناك أدرك ضرورة تقسيم جيشه إلى فرقتين: إحداهما بقيادة تتجه إلى "طرابلس"، والثانية بقيادة عقبة بن نافع الفهري -وكان يومئذ قائدا صغيرا في جيش عمرو- لتتجه إلى المناطق الداخلية.

أما عقبة فلم يجد مقاوم تذكر حتى وصل إلى "زويلة"، وفتحها بالصلح على ثلاث عشرة ألف دينار، وأقام في هذه النواحي الصحراوية المنعزلة نحو عشرين سنة يدعو إلى الإسلام، ويضرب لأهلها المثل الجميل للمسلمين الصادق المتفاني في دينه، واستطاع أن يكسب إلى جانبه قلوب الكثير من أهلها، ومعظمهم من قبائل "نفوسة" و"لواتة" و"نفزاوة"، وهم من البربر "البتر".

وأما عمرو بن العاص فقد واصل المسير بحذاء الساحل، قاصدا "طرابلس" -وكانت هي الأخرى تابعة لمصر من الناحية الإدارية- فوصل إليها "سنة 22هـ/ 643م"، "وحاصرها شهرا لا يقدر منهم على شيء"، كما يقول ابن عبد الحكم وقد كان لطرابلس أسوارها التي تحيط بها إلا من جهة البحر، وكان حصار عمرو لها من ناحية البر فقط، ولم يؤثر هذا في المدينة أثرا ذا بال لخلو جهة البحر من الحصار ولم يتمكن المسلمون من فتحها إلا بعد أن نجحت إحدى سرايا الاستطلاع من التسلل إلى داخلها من الجهة المطلة على البحر، وتم تحقيق مفاجأة عسكرية جيدة ضد البيزنطيين الذين لم يجدوا فرصة لتنظيم المقاومة، بل هرب من استطاع منهم إلى سفنهم، تاركين وراءهم مغانم كثيرة.

وبمجرد استيلاء عمرو بن العاص على طرابلس سير قوة كبيرة من فرسانه، وأمرهم بالإسراع نحو مدينة "سبرت" "Sabrata"، وهي آخر مدن الإقليم الساحلية الهامة في اتجاه الحدود التونسية. ويصف ابن عبد الحكم فتح هذه المدينة بقوله: "وكان من بـ "سبرت" متحصنين ... فلما بلغهم محاصرة عمرو مدينة طرابلس، وأنه لم يصنع فيهم شيئا، ولا طاقة له بهم أمنوا، فلما ظفر عمرو بن العاص بمدينة طرابلس جرد خيلا كثيفة من ليلته، وأمرهم بسرعة السير، فصبحت خيله مدينة "سبرت"، وقد غفلوا وقد فتحوا أبوابهم لتسرح ماشيتهم، فدخلوها "أي المسلمون"، فلم ينج منهم أحد "أي من أهلها"، واحتوى عمرو على ما فيها".

وفي أثناء حصار عمرو بن العاص لمدينة طرابلس أرسل قائده "بسر بن أرطأة" إلى ميدنة "ودان" في قلب إقليم "فزان"، وتقع جنوب طرابلس على بعد "800 كم" في الصحراء، فافتتحها "سنة 23هـ/ 643م".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى