عدن.. طائر الفينيق

> كيف يحترق بناره.. بجماله.. وكيف ينهض من رماده.. أجمل وأبهى.

لاشك لم ينل أي طائر شهرة أكثر منه، على الرغم من استحالة رؤيته. إنه طائر الفينيق الأسطوري الذي احتضنته الإنسانية وخلدته، وأفسحت له مكانًا حميميًا في وجدانها وذاكرتها وكتبها ومروياتها على مر العصور.

وتتعاقب الأيام والشهور والسنوات وتظل هذه الأسطورة الخالدة لسان حال الإنسان، أينما كان ومصدر إلهامه الذي يحثه على النهوض ويدفع به إلى الأمام، إلى المستحيل. وعدم اليأس والاستسلام.

وهكذا أصبح طائر الفينيق الذي يخرج من رماد الحريق، صورة تستمد منها البشرية دروسًا في التحدي والإصرار واقتحام الصعب والتجدد والاندفاع، ورمزًا تتعلق به، وتميمة ترد عنها السوء وتمنحها قوة أسطورية لا حدود لها.

وهنا في مدينة عدن دخل طائر الفينيق إلى الذاكرة الجمعية، ونسجت معه هذه المودة النادرة وشعاع البشائر الساطعة.. بل وكأنه يخرج من فوهه بركانها الخامد ويطير ويحلق في فضاءات أوسع وأرحب.

ترى هل السبب فيما قد قيل إن موطنه الأصلي شبه الجزيرة العربية، وتحديدًا في أقصى جنوبها في عدن. وأنه يمتاز بالجمال والقوة، وأنه يعمر 500سنة. وفي مصادر أخرى يعمر ألفًا وسبعمائة سنة. وعند طيرانه يسمع لأجنحته دويًا كدوي الرعد القاصف.

والشاهد أنه إذا كان قدر عدن الكثير من الحرائق، التي تراكم الرماد، فإن إرادة أهلها، ممكن القول هي التي جعلت مدينتهم موصولة إلى حد ما بأسطورة طائر الفينيق، من خلال مقاربة تجعل هذا الإنسان الأبي الكريم عازمًا على النهوض عادة، مندفعًا إلى الأمام دومًا، مدرك المستحيل مرة، وإلى الأبد.

باختصار غير مخلٍ، لأنه كان عبر عقود طوال رمزًا للحضارة والمدنية في طبعتها المنقحة والمصححة، فعدن بلد التجانس والتناغم والتعايش، والحضن الدافئ لكل أبناء الوطن وثغرهم الجميل الباسم، والمنفتحة مبكرًا على العالم والمنافح والملاقح لثقافة الآخر، من دون إحساس بالدونية أو النقص.

لقد صدّرت عدن للعالم الكثير وفي مجالات شتى.

عرف العالم عدن المتألمة اليوم مثالًا للحداثة في خمسينات وستينات وحتى أوائل سبعينات القرن العشرين، من غير أن يقتضي ذلك تخليها عن أصالتها وتراثها العروبي، فمثلت عن حق هاف لندن وجنة عدن، وحفرت بآدابها وفنونها، بمسارحها وصحافتها وإعلامها ونشاطها التجاري والملاحي أمكنة في قلوب العرب وغير العرب.

نعم عدن هي مدينة عصيَّةٌ على الموت، منذورة للحياة. على أنّ النكبات التي أخنت عليها تتراوح بين الطبيعي والبشري؛ بعضها من صنع الطبيعة، وبعضها ممّا جنته يد الإنسان كالحروب ودورات الدم.. وصراع الرفاق والتقصير والإهمال. بل ولا يكاد يمرّ عقد من الزمن أو بعض منه، حتى تحلّ على المدينة نكبةٌ واحدةٌ أو أكثر.

ومع هذا، تنهض عدن من رمادها، وتحلّق من جديدٍ كطائر الفينيق.لا النكبات كفّت عن التعرّض لها، ولا عدن تعبت من النهوض والتحليق، فاكتسبت مناعة المتنبّي في مقارعة الدهر وتكسّرت نصاله على النصال:

رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاءٍ من نبالِ

فصرتُ إذا أصابتني سهامٌ تكسّرت النصال على النصالِ

نعم إنها مناعة مستمدة قوتها وحصانتها أولًا من إنسانها نفسه.. ومن ثم من جبلها الأشم "شمسان" ومن قلعتها العصية "صيرة" .

وختامًا يبقى أن نشير أن أسطورة طائر الفينيق لها ارتباط بشيء من تاريخ مدينة عدن الضارب بجذوره في عمق التاريخ.

حيث ورد اسم عدن في عشرات المصادر لفترة ما قبل وبعد الميلاد، تبين أن عدن وميناءها أقدم موطن بشري.

أما معنى اسم عدن فقد أشار مفسرو التوراة أن كلمة عدن تعني (بهجة ونعيم)، أي تشبيه لبهجة ونعيم الجنة.. وأشارت المعاجم اللغوية (عدن تعني مكان الإقامة.. وتعني البلد الذي سكن) وهي توضيحات أن عدن كانت موقع أول جنة خلقها الله لآدم، وأقام فيها وأنها أول منطقة سكنت في الكون.

ونوضح أن تسمية عدن تطلق على الأماكن الصعبة المنال والآمنة للسكن والعيش.. وهذه يعني أن اسمها مشتق من صفات الجنة، لأن الجنة من الصعب أن يسكنها كل الناس، وإذا أراد الله لهم سكنتها فهي سكن آمن وعيش رغيد.

وقد أصدرت قبل سنوات منظمة

اليونسكو التابعة للأمم المتحدة تصنيفًا عن أقدم مدن العالم، وذكرت عدن في المرتبة الرابعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى