جادلهم بالتي هي أحسن

> ملاطفة من يرجى إسلامه لتأليف قلبه أمر مرغوب فيه، هذا بالنسبة للكفار.. فما بالك بمن يرجى توبته وهو مسلم يشهد شهادة الحق؟ أليس أحق بالملاطفة من الذي يراد إسلامه وهو كافر؟

إن الملاطفة في الدعوة نوع من الرقة في المعاملة تفتح قلب المدعو، وهذا أصل من أصول الدعوة، وهو خط عام في خطاب القرآن الكريم، وسمة عامة في دعوة جميع المرسلين، يبدو أكثر وضوحا في دعوة إبراهيم لأبيه ونداءاته المتكررة له بوصف الأبوة تلطفا وطلبا لاستمالته بهذه الرابطة الوثيقة [يا أبت .. يا أبت .. يا أبت]، وكذا تتضح جدا في قصة موسى مع فرعون مدعي الربوبية عندما أرسل الله له موسى وهارون فقال لهما: ((فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى))، فالقول اللين أدعى للقبول وأقرب للإجابة.

والنهج الإسلامي في الدعوة لم يخرج عن هذا الخط العام بل أكده القرآن وطبقه النبي عليه الصلاة والسلام ((ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)).

والمتأمل لحديث القرآن يجد أنه لا يذكر الغلظة إلا في مواطن المعركة وميادين القتال، ومواجهة الأعداء، إذ لا مجال هنا للكلام الرقيق، فلا صوت يعلو فوق صوت السيف،

ولكن حتى في هذا الميدان كان سبق الإسلام إلى الرفق، بضوابط الجهاد في هذا الدين العظيم، فلا قتال قبل دعوة، والمقصد "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"، فليس الجهاد للقتل والسبي والغنيمة، وإنما رحمة في كل أبوابه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يوصيهم: (انطلقوا على بركة الله لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا ولا امرأة، ولا تغلوا ولا تغدروا، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).

فإذا كان هذا في ميادين الوغى فكيف تكون الرحمة والرفق في ميادين الدعوة والكلام؟

إن العنف في الدعوة لا يأتي بخير، فلا شيء يشين الدعوة أكثر من العنف لأن الدعوة إلى الله تحاول أن تدخل إلى أعماق الإنسان لتجعل منه شخصا ربانيا في مفاهيمه ومشاعره وتصوراته وسلوكه، وتبدل كيانه كله، وتنشء منه خلقا آخر، فكرا وشعورا وإرادة، كما أنها تهز كيان الجماعة هزا لتغير عقائدها المتوارثة وتقاليدها الراسخة وأخلاقها المعكوفة، وأنظمتها السائدة المخالفة لقانون الله وعقائد الإيمان ومفاهيم الحق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى