المسلمون في مالطا

> لبث المسلمون في "مالطا" قرابة قرنين من الزمان، ونجد تأثير الثقافة العربية حاضرًا وبقوة في أغلب مظاهر الحضارة المالطية، ويتحدث كثير من سكان "مالطا" حتى وقتنا الحالي لغة عربية متمثلة في لهجة من اللهجات العامية المغربية أو التونسية السائدة في شمال إفريقيا، وانتشرت العربية في تعريف كثير من الأماكن وأدوات التعامل اليومي بين المالطيين، كما أن أسماء كثير من الأماكن في "مالطا" و"جوزو" ترمز إلى عدد من الأسماء الشخصية العربية.

لم يعد في "مالطا" الكثير من الآثار التي بقيت ذات صبغة إسلامية، فقد حرص النصارى الذين تعاقبوا على حكم الجزيرة على طمس أو تبديل ملامح أي أثر إسلامي، وكشفت الحفريات في مدينة (مدينة) من سنة 1881 م حتى سنة 1920 عن وجود مقبرة إسلامية بها.

أحدثت عمليات تصفيات الوجود الإسلامي في الجزيرة تغييرات في البنية السكانية للجزيرة، وأجبر أبناء المسلمين على الطرد، ومصادرة أملاكهم وأراضيهم، وفي الوقت الحالي لا يتعدَّى عدد المسلمين بالجزيرة ستة آلاف مسلم، ولديهم مسجد رئيسي وحيد لإقامة الصلاة بني على نفقة ليبيا وتكفلت برعايته وصيانته.

لبث المسلمون في "مالطا" قرابة قرنين من الزمان، ورغم أن الإسلام قد دخلها في وقت مبكر منذ منتصف القرن الثالث الهجري، وغادرها المسلمون على يد "النورمان" أواخر القرن الخامس الهجري، فإن تأثير الثقافة العربية حاضر وبقوة في أغلب مظاهر الحضارة المالطية، بشكل مثير للتعجب والدهشة، خاصةً مع بُعد العهد بين الفترة الإسلامية التي سادت الجزيرة ووقتنا الحالي، إلى جانب تأثر الجزيرة بثقافات وحضارات مختلفة طوال تاريخها، فقد مرَّ عليها الفينيقيون والإغريق والرومان والعرب والنورمان وفرسان القديس يوحنا والفرنسيون والإنجليز، وكانت - إن جاز لنا التعبير- سوقًا مفتوحةً لكل عابر بأرض الجزيرة، وهناك علامات استفهام كبيرة عن أحوال "مالطا" تحت الحكم الإسلامي، ومعظم ما لدى المؤرخين من معلومات إنما هو مجرد استنتاج لا يقوم عليه شاهد مادي، حيث لا تتوفر سجلات مكتوبة كافية، ولكن في استطاعة المؤرخين تأكيد أن الجزر المالطية قد تأثرت تاثرًا حقيقيًّا عميقًا بثقافة العرب واقتصادهم في القرنين اللذين حكمها فيهما المسلمون.

ورغم أن أغلب المعالم الاسلامية قد اندثرت بشكل كامل من قبل خلفاء النورمان، وتم تبديل معالمها، فتحتفظ وثائق القرن الخامس عشر بإشاراتٍ عديدة إلى أن منازل المدن في القرون الوسطى كانت تتميز بمجالسها (مجلس Miglis أو غرفة الجلوس).

أما أبرز الآثار التي بقيت ذات صبغة إسلامية، فلا يوجد الكثير منها، فقد حرص النصارى الذين تعاقبوا على حكم الجزيرة على طمس أو تبديل ملامح أي أثر إسلامي، خاصةً في عهد "فرسان القديس يوحنا"، وفترات التعصب الديني، ومن ضمن تلك الآثار: "حصن سانت أنجلو" الذي ربما طوره العرب وأضافوا إليه كثيرًا من التحصينات، أما الحفريات الأثرية فتشير إلى أن مسجدًا كان مبنيًّا في "تاسينيج" قبل عام 870 م، وأن هناك أبنية عربية قد بُنيت على أنقاض فيلَّا رومانية في "سان بول ملتي"، وقد كشفت الحفريات في مدينة (مدينة) من سنة 1881 م حتى سنة 1920 عن وجود مقبرة إسلامية بها قبور عديدة بُني بعضها مباشرة على السقوف الرومانية، كانت هذه القبور مبنية بحجارة مربعة صغيرة، ويُشير التفاوت بين قبور الأغنياء وقبور الفقراء إلى تقسيم اجتماعي، وكانت هناك بعض الصناديق الخشبية قد شدَّ بعضها إلى بعض بقطع من الحديد، وعلاوة على بعض النقوش وجد خاتم واحد من الفضة مكتوب عليه (ربي الله واحد)، كذلك تم اكتشاف عدد من المقابر الإسلامية في (رباط) ضاحية (مدينة) وأماكن أخرى - وفي جزيرة (جوزو) اكتُشِف قبر "ميمونة بنت الحارث الهلالية" وقد كتب عليه عبارات باللغة العربية تذكر إيمانها وإسلامها وصلاحها ورجاء في رحمة الله ورضوانه بخط جميل.. ونجد في متحف (مدينة) والفيلا الرومانية خارج أسوارها بعض شواهد مكسورة لقبور إسلامية.

عملات إسلامية قليلة باقية:

تم العثور على عدد قليل من القطع النقدية العربية عام 1698 م، خلال إعادة بناء الكنيسة التي كانت تعرضت للتدمير بسبب الزلزال الذي حدث في "مالطا" عام 1692 م، حيث تم صهر أغلبها، وتم بيعها كسبائك ذهبية؛ لغرض تغطية مصاريف إعادة بناء الكنيسة المذكورة.

ولهذا السبب فلم يبقَ سوى بضع قطع نقدية عربية تم حفظها، ولكن لسوء الحظ فقد تم إهداؤها لبعض كرادلة الكنيسة وغيرهم من الشخصيات خارج الجزيرة؛ مما أدى إلى صعوبة تقصي أثرها، وبالرغم من ذلك فلا زالت بعض المتاحف المالطية تعرض مجموعة قليلة من القطع النقدية الذهبية العربية، التي تم سكها خلال حكم العرب للجزيرة، حيث كتبت عليها عبارات باللغة العربية والشهادتين، ويرجع تاريخ سك بعض تلك النقود إلى الحكم النورماني في الجزيرة؛ حيث نقشت عليها عبارات باللغة العربية واللاتينية معًا أواخر القرن الخامس الهجري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى