فتوحات أفريقيا

> المرحلة الثانية: الاستقرار والفتح المؤقت "50-71هـ/ 670-689م"

أولا: عقبة بن نافع في ولايته الأولى وتأسيس مدينة القيروان "50-55هـ/ 670-674م" .

لم تتح الفرصة لمعاوية بن حديج أن يعود إلى "إفريقية" لاستكمال الفتح، إذ عزله الخليفة معاوية بن أبي سفيان عن قيادة الجند "عام 48هـ/ 668م" وعين بدلا منه القائد المجاهد عقبة بن نافع الفهري "عام 50هـ/ 668م".

ويتفق المؤرخون على أن بداية ولاية عقبة بن نافع الفهري تمثل مرحلة جديدة من مراحل الجهاد الإسلامي في منطقة المغرب، وكان اختياره موفقا إلى حد بعيد، ونابعا من قناعة تامة بأنه هو القائد الجديد رجل المستقبل في مرحلة انتهت بها حرب الاستكشاف والسرايا العادية لتبدأ مرحلة ذوي الكفاءات العسكرية من الفرسان الموهوبين؛ مرحلة الفتح الثابت المستقر. ولقد توفر في عقبة من الكفاءات الحربية والخلال الدينية ما يجعله جديرا بحمل هذا العبء الثقيل، حيث مكنه طول عهده بإفريقية، وكثرة اشتغاله بحروبها من تنمية مواهبة الحربية، وتكوين فكرة واضحة عن هذه البلاد التي جال في ربوعها، والتعرف على الكير من أخلاق وعادات أهلها، والتفطن إلى أمثل السبل لفتحها وإخضاعها، وكان رجلا قوي الإيمان، ورعا تقيا، تميل نفسه إلى الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام والدعوة إليه، لا إلى مجرد الفتوح والانتصارات وما وراء ذلك من مكاسب.

وقد تأكد لعقبة بن نافع أن فتح "إفريقية" وبقية المغرب لا يثبت إلا بأمرين.

أولهما: إنشاء مركز للمسلمين تعسكر فيه جيوشهم، ويأمنون فيه على أموالهم ونسائهم وذراريهم، ومنه يخرجون للغزو، بدلا من العودة في كل مرة إلى "فسطاط" مصر.

وثانيهما: غزو البربر أنفسهم، والتوغل في قلب بلادهم، وإدراكهم في منازلهم في الهضاب والجبال والصحراء، بدلا من الاكتفاء بغزو مدائن الساحل ثم العود إلى "الفسطاط"؛ لأن المسلمين لا يكادون ينصرفون عن هذه البلاد حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه، لاتصال هذه المناطق عن طريق البحر بالبيزنطيين، تتلقى منهم الإمدادات، وكانوا -كما وصفهم عقبة نفسه- "إذا دخل عليهم أميرا أطاعوا، وأظهر بعضهم الإسلام، فإذا عاد الأمير عنهم نكثوا، وارتد من أسلم".

تلك كانت الخطة التي وضعها عقبة نافع، وأراد أن ينفذها على مرحلتين، لكنه إذا كان قد نجح في أن ينفذ المرحلة الأولى ببناء مدينة القيروان فإنه كان ما كاد يشرع في تنفيذ المرحلة الثانية حتى رأت الخلافة أن تعهد بقيادة الجيوش الإسلامية في "إفريقية" إلى قائد آخر هو "أبو المهاجر دينار". وسيأتي الحديث عن ذلك بعد قليل.

وجه معاوية بن أبي سفيان إلى عقبة -وهو في مستقرة ببرقة وزويلة- عشرة آلاف فارس -من بينهم خمسة وعشرون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضم عقبة إليهم من أسلم من البربر. وقد كان لطول الفترة التي قضاها هذا القائد في مناطق برقة وصحراء زويلة وطرابلس، وتتابع حملاته على هذه النواحي "من 22هـ- إلى 49هـ" أثر كبير في دخول بعض أهلها في الإسلام. وكان في ضمة لهم إلى الجيش دليل على أن هؤلاء أحسوا بحلاوة الإسلام، وعرفوا ضرورة الجهاد.

وفي مسيرة إلى إفريقية اتخذ عقبة طريقه في داخل البلاد، مباعدا عن الساحل وقد اتخذ هذه الخطة في كل أعماله، سواء في هذه الغزوة أو فيما بعدها. وربما كان دافعه إلى ذلك هو أن الطريق الداخلي المقفر لا تكون فيه إلا مقاومة ضئيلة من القبائل البربرية وسكان الواحات. أما الإقليم الساحلي فهو مليء بالحصون والمسالح. وبعد أن أتم عقبة إخضاع أقاليم الواحات في صحروات جنوب "طرابلس" مثل -"ودان" و"فزان" و"غدامس"- توجه إلى بلاد الجريد "جنوب البلاد التونسية"، وأخضع كل واحاتها، وافتتح "قفصة" و"قسطيلة". ثم أفضى إلى "قمونية" قلب إفريقية البيزنطية، "وهو الموضع الذي عسكر معاوية بن حديج فيه من قبل"، فوقع اختياره عليه، ليقيم فيه المدينة التي عقد العزم على بنائها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى