فتوحات أفريقيا

> ثالثا: ولاية عقبة بن نافع الثانية ومحاولة فتح المغرب الأقصى "62-64هـ/ 681-684م"

عاد عقبة إلى "القيروان"، وكان أول ما فعله هو القبض على أبي المهاجر دينار، وتوثيقه في الحديد، وأخذ ما لديه من أموال "مائة ألف دينار" للإنفاق منها على إعداد الحملة الجديدة، ثم إنه أمر بتخريب معسكره "تكروان"، وجدد ما كان قد خرب من عمارة "القيروان"، ورد الناس إليها، فعمرت وعظم شأنها، ثم بدأ منها حملة كبرى تختلف عن كل الحملات السابقة. إذ أنه ساح في كل صحروات المغربين -الأوسط والأقصى- حتى وصل إلى سواحل "السوس الأقصى" على البحر المحيط. وقبل الخروج من القيروان قرر عقبة أن يترك فيها حامية عسكرية قدرت بستة آلاف رجل، للدفاع عن المدينة، وحماية ما بها من الذراري والأموال، واختار "زهير بن قيس البلوي" قائدا عليها، ثم بدأ حملته الكبرى بهمة عالية، وعزيمة لا تفتر، حبا في الجهاد، وتوقا إلى الاستشهاد، وأملا في الانتهاء من فتوحات المغرب التي طال أمدها.

اتجه عقبة نحو مدينة "باغاية" عند أقدم جبل الأوراس، ولقي جمعا كبير من الروم، فهزمهم، ثم زحف إلى "بلاد الزاب" الفسيحة "في المغرب الأوسط" فاكتسحها بعد عدة معارك انتهت كلها بهزيمة الروم، فلما وصل إلى "تاهرت" وجد نفسه أمام تحالف كبير من الروم والبربر لم يعهد المسلمون له مثيلا من قبل، فالتقى بهم في معركة حامية، فأباد فرسانهم وفرق جمعهم، وقطع آثارهم، واستمر في طريقه غير عابئ بالمقاومة مهما اشتدت، حتى وصل إلى ولاية "طنجة" في المغرب الأقصى. وكان يحكمها أمير من الروم يسمى "يليان4، فأرسل إلى عقبة مهاديا ومستعطفا له، وسأله المسالمة والنزول على حكمه، فقبل منه عقبة واجتمع به وأقره على بلاده. ويبدو أن عقبة كان يتطلع إلى فتح الأندلس، فاستفهم من "يليان" عن حالها، فأمده بالمعلومات عن حكامها "القوط"، ولفت نظره إلى عدم التفكير في فتحها، "وعظم عليه أمرها" وقال له: "قد تركت الروم وراء ظهرك، وما أمامك إلا البربر، لم يدخلوا في دين النصرانية ولا غيرها، ومعظهم المصامدة".

وعلى إثر هذه المشورة انحذر عقبة إلى جنوب المغرب الأقصى، حيث مواطن "صنهاجة" الملثمين وهو يومئذ وثنيون لم يدينوا بالنصرانية، فبدأ "بالسوس الأدنى"، ووصل إلى "وليلى" على مقربة من الموضع الذي ستقام فيه مدينة "فاس"، واستمر في مغامرته الكبرى حتى وطئت جيوشه أرس السوس الأقصى، وانتهى إلى جنوب المدينة الحالية المعروفة باسم "أغادير"، وتقع على مصب وادي السوس الذي يصب في المحيط. وهناك وقع المشهد التاريخي الشهير الذي حدثتنا عنه كتب التاريخ، وهو مشهد عقبة يدخل بفرسه في مياه المحيط الأطلسي حتى وصل الماء إلى تلابيبه، ويشهد الله على أنه وصل براية الإسلام إلى آخر المعمورة، ويقول: "يا رب لولا أن البحر منعني لمضيت في البلاد إلى مسلك ذي القرنين، مدافعا عن دينك، مقاتلا من كفر بك".

بهذا يكون عقبة بن نافع قد أتم فتح بلاد المغرب، ونجح في التغلب على كل الجموع التي تصدت له، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الفتح بصورة كاملة تقريبا.

* استشهاد عقبة في طريقة العودة إلى القيروان:

وفي غمرة هذا النصر المبين يهرب "كسيلة بن لمرم" القائد البربري الذي أسلم على يد "أبي المهاجر دينار"، وأسلمت معه قبيلته "اوربة" وكان عقبة قد اصطحبه -وأبا المهاجر- في غزوته تلك، وأشرك معه جموعا من البربر المسلمين، وتذكر الروايات أن عقبة عامل "كسيلة" بما لا يليق به كقائد، وبما يتناسب معه كحديث عهد بالإسلام.

بدأ عقبة رحلة العودة إلى القيروان، فاتخذ طريقه نحو "طنجة" لكي يعود إلى "المغرب الأوسط" وعندما وصل إلى "بلاد الزاب" في "بلاد الجزائر" - وعند بلدة "طبنة" "وعلى مسيرة ثمانية أيام من القيروان"- بعث بمعظم جنده إلى القيروان على عجل ولم يبق معه إلا جزءا صغيرا من الجيش يقدر بخمسة آلاف؛ لينهي به لما قد أجله في أول الحملة من ترك عدد من الحاميات الرومية معتصمة بقلاعها. ولعل السبب الذي جعل عقبة يرسل معظم الجيش إلى القيران يعود إلى أن أخبارا مقلقة قد وصلته "على ما يرى بعض الدراسين" أو أنه اطمأن إلى ما أنجزه في المغرب الأقصى كما يرى آخرون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى