أختم أم أتدبر؟

> بَحْثُ العلماء في هذه المسألة يدور على الأفضلِ، والأقربِ لمراد اللهِ الذي أنزل القرآن، ومرادِ مَنْ نزل عليه القرآن ﷺ دون تأثيم لمن اختار كثرة الختمات دون تدبر، وذلك رغبةً في كثرة المقروء.

نصوص القرآن، والسنة، وكلام أئمة الإسلام متظاهرة في أن الغاية من نزول هذا القرآن هو صلاح القلوب، فإن القرآن أول ما نزل على قلب محمد ﷺ: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين [البقرة: 97] فإذا ضم هذا إلى قوله ﷺ: ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب تبيّن هذا بوضوح.

ولهذا لما قال رجلٌ لابن مسعود: إني لأقرأ المفصل في ركعة! فقال عبد الله: “هذًّا كهذ الشعر؟! إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع".

جماهير العلماء من السلف، والخلف على أن القراءة بتدبر، وتعقّل أفضل؛ لما في ذلك من تحقيق مراد الله -وهو الفهم، والتدبر، والتفكر، والعقلُ عنه- الذي تكرر الحثّ عليه في مئات الآيات الكريمة.

يقول الإمام الآجري: (360هـ): “والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه، وتدبره أحب إليّ من قراءة الكثير من القرآن بغير تدبر، ولا تفكر فيه، وظاهرُ القرآن يدل على ذلك، والسنة، وقول أئمة المسلمين. ثم ساق بسنده قول أبي جَمْرَةَ الضُبَعي، قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث، قال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأتدبرها، وأرتلها أحب إلي أن أقرأ كما تقول.

وأسند عن مجاهد أنه سئل عن رجل قرأ البقرة، وآل عمران، ورجل قرأ البقرة، قراءتهما واحدة، وركوعهما، وسجودهما، وجلوسهما، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106].

فهل يتغير هذا الحكم في رمضان عن غيره؟

قال بذلك بعض أهل العلم؛ اغتنامًا لشرف الزمان.

وقال آخرون: بل رمضان في ذلك كغيره، لا يُنقصُ فيه عن ثلاث، إذْ الأصلُ هو تحقيق مراد الله بالتدبر -كما سبق- ويرجّح هذا عمومات الأدلّة التي لم تستثن زمانًا دون زمان، ومن ذلك وصيته ﷺ لعبد الله بن عمرو: اقرأ القرآن في كل شهر قال: إني أطيق أكثر، فما زال، حتى قال: في ثلاث، وفي لفظ: فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى