​الصين والشرق الأوسط.. استراتيجية التوازن في زمن التحديات

> أحمد السيد:

> تعد منطقة الشرق الأوسط منطقة استراتيجية ذات أهمية اقتصادية وسياسية كبيرة للعديد من القوى العالمية الكبرى. وفي هذا السياق، فقد وسعت الصين في السنوات الأخيرة بشكل كبير بصمتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة كما تعهد الزعيم الصيني “شي جين بينج”، بالمساهمة في تعزيز السلام والهدوء في الشرق الأوسط كجزء من مبادرته للأمن العالمي.

وفي ظل تصاعد التوترات الأخيرة في المنطقة بين العديد من الأطراف الفاعلة على الساحة، خاصة مع تفجير التوترات الإيرانية الإسرائيلية؛ تحاول القوى الدولية الكُبرى التدخل لإدارة الأزمة ودعوة جميع الأطراف إلى التهدئة ضبط النفس. وهنا طُرحت تساؤلات حول الدور المُحتمل للصين في التعاطي مع أزمات المنطقة؛ وذلك باعتبارها إحدى القوى الدولية المهمة في النظام الدولي، خاصة وأن بكين قد أبدت سابقًا رغبتها في لعب دور إيجابي في المنطقة من خلال تعزيز مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية وفق رؤيتها الأمنية الخاصة.
  • النهج الصيني في مواجهة أزمات الشرق الأوسط
بشكل عام، تتميز استراتيجية بكين السياسية في الشرق الأوسط بتوازن دقيق يهدف إلى حماية مصالحها الاقتصادية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وقد أعطت الصين الأولوية للمشاركة الاقتصادية سعيًا إلى تأمين الوصول إلى موارد الطاقة وتوسيع علاقاتها التجارية مع العديد من دول المنطقة. ومع ذلك، تدرك بكين أيضًا الحاجة إلى التعامل مع الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة وتجنب الانجرار إلى الصراعات الإقليمية.

وتتلخص الأهداف الرئيسة للصين في منطقة الشرق الأوسط في وضع نفسها كلاعب محايد وبنَّاء، قادر على التوسط بين الأطراف المتصارعة وتعزيز الحوار. ويتوافق هذا النهج مع هدف السياسة الخارجية الأوسع للصين المتمثل في تعزيز نفوذها العالمي وإبراز صورتها كقوة عالمية مسؤولة.

في سياق آخر؛ فإن انخراط الصين في الشرق الأوسط مدفوع برغبتها في موازنة نفوذ القوى الكبرى الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وتسعى بكين إلى توسيع بصمتها الدبلوماسية في المنطقة، وتقديم حوافز اقتصادية ومشاريع تطوير البنية التحتية كوسيلة لتعزيز قوتها الناعمة ونفوذها الدبلوماسي.

وكان للصين دور كبير في حل خِلاف شائك بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية واستعادة العلاقات بينهما، ففي العام المضي 2023، تمكنت بكين من التوسط في جهود الوساطة بين الرياض وطهران وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما من خلال التوصل إلى اتفاق اعتبره البعض بمثابة  “نصر للحوار والسلام”، وبدا بمثابة إشارة للعب الصين دور سياسي على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

وبشكل عام، تتميز استراتيجية بكين السياسية في الشرق الأوسط بالبراجماتية والتركيز على المصالح الاقتصادية، في الوقت ذاته تسعى أيضًا إلى الحفاظ على توازن دقيق لتجنب التورط في الصراعات المعقدة في المنطقة.
  • كيف ترى بكين التطورات الأخيرة؟
أثار التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل تساؤلات حول دور الصين الدبلوماسي وأولوياتها في منطقة الشرق الأوسط. فمع تصاعد حِدة التوترات خاصة بعد الرد الإيراني على إسرائيل في 13 أبريل 2024 بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 أبريل؛ أعربت بكين عن “استنكارها العميق” إزاء تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.

وللقلق الصيني ما يُبرره؛ فمن ناحية ترتبط الصين بعلاقات قوية مع كافة الأطراف وخاصة إيران التي ترى الصين شريكًا استراتيجيًا مهمًا. وتهتم كذاك بالحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع طهران. وترتبط البلدان باتفاقيات تعاون في مجال الطاقة. ووفقًا للرؤية الصينية فإن استقرار المنطقة ينعكس بشكل إيجابي على الصين التي تمتلك نفوذًا اقتصاديًا كبيرًا في الشرق الأوسط، وتعد من أكبر الشركاء التجاريين لدول المنطقة.

وتتخوف بكين من احتمال نشوب صراع أوسع نطاقًا في المنطقة. في السياق ذاته، دعت جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس لمنع المزيد من التصعيد، ووصفت التوترات الأخيرة بأنها “امتداد للصراع في غزة” الذي أكدت على أهمية انتهائه في أقرب وقت ممكن. كما دعت الصين المجتمع الدولي، وخاصة الدول ذات النفوذ، إلى لعب دور بناء في السلام والاستقرار في المنطقة.

وفي الوقت الذي أدانت فيه الصين الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية، فإنها لم تدن الرد الإيراني. ويبدو أن الصين كانت على علم بالخطوة الإيرانية، واعتبرته دفاعًا عن النفس. على الجانب الآخر؛ التقى مبعوث الصين للشرق الأوسط مع السفير الإسرائيلي وكرر الدعوات إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة كمقدمة لتهدئة كافة التوترات في المنطقة.
  • النهج الصيني في إدارة الأزمة
تتعاطى الصين مع  أزمات منطقة الشرق الأوسط انطلاقًا من عدد من المُحددات الرئيسة منها:

الحفاظ على الاستقرار:
تنظر الصين إلى الاستقرار في الشرق الأوسط بوصفه أمرًا بالغ الأهمية لمصالحها الاقتصادية، وخاصة أمن الطاقة، وأن أي تصعيد للصراع في المنطقة يمكن أن يعطل إمدادات النفط ويؤثر على اقتصادها.

موازنة العلاقات:
تحتفظ الصين بعلاقات مع كل من إيران وإسرائيل وتسعى إلى موازنة علاقاتها مع هاتين الدولتين. وبينما تتمتع الصين بعلاقات اقتصادية وثيقة مع إيران، بما في ذلك كونها مستوردًا رئيسًا للنفط الإيراني، فإن لديها أيضًا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وعلاقة اقتصادية متنامية.

المشاركة الدبلوماسية:
دعت الصين إلى الحوار والحل السلمي للصراعات في الشرق الأوسط. وحث جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس وتجنب الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد التوترات بشكل أكبر.

عدم التدخل:
إن مبدأ عدم التدخل الذي تتبناه الصين في سياستها الخارجية هو الذي يوجه نهجها في التعامل مع الصراعات في الشرق الأوسط، وتتجنب الصين بشكل عام الانحياز إلى أي طرف في النزاعات الإقليمية وتؤكد على احترام السيادة والسلامة الإقليمية.
وبشكل عام، كان رد فعل الصين على الصراع بين إيران وإسرائيل حذرًا وركز على الجهود الدبلوماسية للحد من التوترات وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
  • هل توسع الصين نفوذها؟
تلقي التطورات الأخيرة الضوء مرة أخرى على مدى القدرة الفعلية للصين على ممارسة تأثير سياسي على إيران. بالرغم من أن الصين تتمتع برصيد سياسي كبير نظرًا لكونها أكبر شريك تجاري ومصدر دعم اقتصادي لإيران في ظل العقوبات، فإن تحويل هذا النفوذ الاقتصادي إلى ضغط سياسي فعال قد يكلف بكين سياسيًا.
فالصين تأبى استخدام أدواتها الاقتصادية كسلاح للضغط؛ خشية أن يلحق ذلك أذى باستراتيجيتها طويلة المدى لبناء علاقات متينة مع الدول النامية. كما أن ذلك قد يهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. لذا تفضل الصين تطبيق نهج الوساطة غير المباشرة لتهدئة التوترات. كما أن تحويل اهتماماتها التجارية ورفع مستوى التوتر مع إيران قد يضعف موقفها كوسيط محايد. وبالتالي فإن نفوذ الصين “محدود” بسبب اعتباراتها الاستراتيجية طويلة المدى.
وعلى الرغم من أن الصين تشعر بقلق حقيقي إزاء الخطر الذي يفرضه صراع أوسع نطاقًا على استثماراتها وتجارتها في المنطقة وخاصة صفقات الطاقة، فإنها تعتقد أن السبب الجذري يكمن في “الصراع في غزة”. لذلك، فهي ترى أن الحل الحقيقي ليس في كبح الصين لإيران، بل في كبح الولايات المتحدة لإسرائيل والتوصل لتسوية تفاوضية تتضمن حل الدولتين.
وتهدف الصين إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، كما تُبدي أولوية كبيرة لتهدئة التوترات لحماية الاستقرار الإقليمي المهم لمصالحها الاقتصادية.
في الأخير، ترى الصين الاستقرار في الشرق الأوسط أمرًا مهمًا لمصالحها الاستراتيجية، وبالتالي يتوقع أن تلعب دورًا  محسوبًا ومحدودًا في تهدئة التوترات الحالية  في منطقة الشرق الأوسط، معتمدة في ذلك على الانخراط والقيام بدور وساطة معتدل من خلال قنواتها الدبلوماسية مع إيران وإسرائيل لتخفيف حدة التوتر وتشجيع الطرفين على ضبط النفس. وأيضًا الضغط على الطرفين عبر  المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن لتفادي عدم التصعيد، والدعوة لتسوية القضية الفلسطينية سلميًا. ويتوقع أيضًا أن تستخدم الصين نفوذها الاقتصادي المتزايد في المنطقة لتشجيع التسوية السياسية. ولكن الدور الصيني سيظل محدودًا بسبب عدم رغبتها بالتدخل المباشر في الصراعات الإقليمية.

"المرصد المصري"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى