> واشنطن «الأيام» العرب:

رجح خبراء أن تشعر الحكومات في الفترة المقبلة بضغوط أكبر على المالية العامة والتضخم والنمو الاقتصادي وأسعار الفائدة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددا.

وفي حال نفذ الرئيس الأميركي جزءا فقط من تعهداته المتعلقة بالرسوم الجمركية الأعلى إلى تحرير التجارة، والمزيد من حفر النفط والمزيد من المطالب على شركاء بلده في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فإن صدى ذلك سيتردد في كامل أركان الاقتصاد العالمي.

وقال إريك نيلسن، كبير مستشاري الاقتصاد في مجموعة يونيكريديت، لرويترز إن "تعهدات ترامب المالية مزعجة للغاية بالنسبة للاقتصاد الأميركي والأسواق المالية العالمية".
وشرح مبررات موقفه بأنها تعد بتوسيع العجز المفرط بالفعل بشكل كبير في نفس الوقت الذي تهدد فيه بتقويض المؤسسات الرئيسية.

وأضاف: "يجب أن نستنتج أن ترامب يشكل تهديدا خطيرا وحتى الآن لم يتم تقديره بشكل كاف لسوق الخزانة الأميركية، وبالتالي للاستقرار المالي العالمي".

وتشكل الرسوم الجمركية على الواردات، بما في ذلك التعريفة الشاملة بنسبة 10 في المئة على المشتريات من جميع الدول و60 في المئة على التجارة من الصين، ركيزة أساسية لسياسات ترامب ومن المرجح أن يكون لها أكبر تأثير عالمي.

وتعيق هذه السياسات التجارة العالمية، وتخفض نمو المصدرين، وتثقل كاهل المالية العامة لجميع الأطراف المعنية.
ومن المرجح أن تؤدي إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، مما يجبر الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) على العمل بسياسة نقدية أكثر صرامة.

وقال روجير كوادفليج، من بنك أي.بي.أن أمرو، "ستكون أغلب الأضرار في ظل التعريفات الجمركية الشاملة على الواردات، وإذا لم يكن التنفيذ النهائي شاملا، فإن الضربة التي ستلحق بالاقتصاد العالمي ستكون أضعف بشكل كبير".

وأضاف: "من المرجح أن تضرب الحزمة الكاملة التي اقترحها ترامب، بما في ذلك الحزمة الشاملة، الاقتصاد العالمي بشدة".

واعتبر صندوق النقد الدولي بالفعل النمو العالمي بأنه بطيء، حيث تنتج معظم الدول توسعا "ضعيفا". ومن المرجح أن تشكل ضربة أخرى للتجارة العالمية خطرا سلبيا على توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.2 % للعام المقبل.

وتقوم الشركات في الغالب بنقل تكاليف الاستيراد إلى المستهلك، لذلك قد تكون الرسوم الجمركية تضخمية للمشترين الأميركيين، مما يجبر الاحتياطي الفيدرالي على إبقاء الفائدة مرتفعة لفترة أطول أو حتى عكس المسار وزيادة تكاليف الاقتراض مرة أخرى.
وسيكون هذا أكثر احتمالا إذا التزم ترامب بوعوده المتعلقة بالإنفاق والضرائب، ما قد يزيد من الدين الأميركي بمقدار 7.75 تريليون دولار حتى عام 2035، وفقا للجنة غير الحزبية للميزانية الفيدرالية.

وقال أنيس بن سعيداني، من بنك بي. أن. بي باريبا، إن "ارتفاع التضخم من شأنه أن يثقل كاهل الطلب المحلي، وخاصة لأنه من شأنه أن يستدعي استجابة سياسية نقدية تقييدية، مع تأثير سلبي على النمو".

وبالنسبة للأسواق الناشئة التي تعتمد على التمويل بالدولار، فإن مثل هذا المزيج من السياسات قد يجعل الاقتراض أكثر كلفة، ما يشكل ضربة مزدوجة فوق الصادرات المفقودة.
ونفس هذه القوى التي قد تدفع التضخم الأميركي إلى الارتفاع تثقل كاهل الأسعار في أماكن أخرى، وخاصة إذا فرض ترامب رسوما جمركية ضخمة على الصين كما وعد.

وباعتبارها أكبر دولة مصدرة في العالم، فإن بكين يائسة لإحياء النمو، لذلك قد تسعى إلى أسواق جديدة للسلع، التي يتم استنزافها من الولايات المتحدة وتتخلص من المنتجات في أماكن أخرى، وخاصة أوروبا.

ومن المرجح أن تتفاعل البنوك المركزية بسرعة مع تدهور معنويات الأعمال، وخاصة بالنسبة للاقتصادات المفتوحة المعتمدة على التجارة، بسرعة.
وقال غريغ فوزيسي، محلل في بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان، "حتى قبل الاستطلاعات، قد يميل البنك المركزي الأوروبي إلى تسريع تخفيضات الفائدة إلى معدل محايد بنسبة 2 %".

وأوضح أن سياسات التعريفات الجمركية الأميركية بمجرد أن تصبح أكثر وضوحا، سيكون من المعقول خفض الأسعار إلى ما دون الحياد.
ومن المرجح أيضا أن ترد الحكومات على أي رسوم جمركية أميركية على الواردات، مما يعيق التجارة بشكل أكبر ويقطع بشكل أعمق النمو العالمي.

إن ارتفاع الفائدة وانخفاض تكاليف الاقتراض في أماكن أخرى قد يعززان الدولار كما يتضح من انخفاض قيمتي اليورو والين بنسبة 1.5 %، ما يتسبب في المزيد من الألم للأسواق الناشئة إذ إن أكثر من 60 % من الديون الدولية مقومة بالعملة الأميركية.

وبما أن العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج العربي ستكون أكثر توازنا، قد تكون المكسيك الأكثر تضررا نظرا لخطاب ترامب حول إغلاق الحدود، والذي يأتي في ظل توقعات محلية متدهورة بالفعل.

وقال جون هاريسون، من شركة تي.أس.أل لومبارد، إن "المكسيك هي الأكثر عرضة للخطر"، حيث انخفض البيزو بنسبة 3 في المئة مقابل الدولار.

وبيّن أن الخطر يكمن في كون التوترات التجارية وتهديدات الترحيل قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل المحلية مثل نشاط الشركات وفشل الحكومة في الحد من العنف.

وفي إيران كانت ارتدادات فوز ترامب على العملة الإيرانية قوية، حيث انزلقت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، ليبلغ سعر الدولار 703 آلاف ريال الأربعاء، مما يشير إلى تحديات جديدة تنتظر طهران مع بقائها عالقة في الحروب المستعرة في الشرق الأوسط.

ومن بين الفائزين المحتملين، قد تتمتع البرازيل بتجارة أكبر مع الصين التي استبدلت جميع وارداتها من فول الصويا الأميركي بأخرى برازيلية عندما اشتعلت التوترات التجارية خلال رئاسة ترامب الأولى، لكن أوروبا قد تعاني أيضا من ضربة إضافية تتمثل في زيادة تكاليف الدفاع إذا قلل ترامب من دعمه لحلف شمال الأطلسي.

ولكن الدين العام في أوروبا يقترب بالفعل من 90 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن التمويلات متذبذبة، وستكافح الحكومات لتحفيز الاقتصاد الذي يعاني من الحواجز التجارية في حين تمول الإنفاق العسكري في الوقت ذاته.
ومن المرجح أن تستمر جهود ترامب لتحرير القيود التنظيمية على مدى فترة أطول، ولكن المقترحات المتفق عليها دوليا، والتي تهدف إلى جعل البنوك أكثر مرونة، والمعروفة باسم "بازل 3"، قد تكون الضحية الأولى.