عندما نتأمل المسار الذي انتهجته الحكومات المتعاقبة منذ عقود نجد أن هذه الحكومات تسير غالبًا في اتجاه معاكس لتطلعات الشعب وأهدافه المشروعة. تسير كمن يخوض بحرًا متلاطم الأمواج، دون بوصلة تحدد الوجهة الصحيحة، مكتفية بالارتجال وردود الأفعال، ما أدى إلى تكرار ذات الأخطاء التي أفقدت المؤسسات مصداقيتها وعطلت مسيرة التنمية.
  • غياب الأولويات
في الجنوب يعاني المواطن من إهمال واضح لقضاياه الأساسية، حيث تستنزف الموارد في مشروعات وهمية أو ممارسات فاسدة، بدلًا من أن تُستثمر في تحسين البنية التحتية، التعليم، الصحة، والأمن الغذائي. كثيرًا ما تُدار الملفات الوطنية من منظور ضيق يخدم مصالح فئة معينة على حساب الكل، والنتيجة إقصاء متعمد للمطالب الشعبية التي من المفترض أن تكون الأساس في برامج أي حكومة.
  • نهج إقصائي متكرر
لم تأتِ هذه الحكومات لتصحيح أخطاء سابقيها، بل لتكريس السياسات نفسها، وإضافة مزيد من التعقيد للأوضاع. المواطن في الجنوب الذي يعاني منذ عقود من سياسات التهميش والاستهداف لا يزال يبحث عن حكومة تنصت لصوته وتلبي تطلعاته، لكنه يجد نفسه في مواجهة سلطة تعزف عن ذلك، متجاهلة الأعباء التي ترهق كاهله يومًا بعد يوم.
  • الرؤية المفقودة
إن الدول التي تنهض عادة ما تضع خططًا استراتيجية واضحة المعالم تشمل التنمية المستدامة، تحقيق العدالة الاجتماعية، وتثبيت الأمن، لكننا أمام حكومات تتعامل مع الملفات بسياسة اللحظة، متجاهلة الحاجة إلى الرؤية بعيدة المدى. لا تزال البلاد غارقة في دوامة أزمات الكهرباء، المياه، وانهيار العملة، دون حلول جذرية أو حتى مؤشرات إيجابية.
  • الطريق نحو التصحيح
الحل يكمن في التغيير الحقيقي الذي يبدأ من الاعتراف بالمسؤولية التاريخية للحكومات، وبأن الجنوب ليس مجرد رقم في المعادلة، بل هو أساسها. المطلوب اليوم هو تشكيل حكومة تستمد شرعيتها من الشعب مباشرة، تعمل بشفافية، وتكرس جهودها لمعالجة القضايا من جذورها.

في ظل هذا الوضع تتعاظم أهمية دور الشعب في فرض مطالبه عبر أدوات سلمية، وإيصال رسالة واضحة بأن استمرار الحكومات في الاتجاه المعاكس لن يُنتج سوى مزيد من الأزمات. الجنوب لن يقبل إلا بحكومة تحترم حقوقه وتعمل لأجله، لا حكومة تُعادِيه وتتنكر لقضاياه.

الأمل ما زال قائمًا، لكن لا يمكن تحقيقه ما لم يكن هناك وعي شعبي حقيقي وإرادة سياسية نزيهة.