​عندما يأتي المساء في عدن، لا يهبط كظل هادئ على المدينة، بل كستار ثقيل من الخيبات المتكررة.

ففي هذه المدينة الساحلية، التي كانت يومًا بوابة العالم وجوهرة الجنوب، يتحوّل الليل إلى مرآة عاكسة للمعاناة، تفضح قسوة النهار ومآسي العيش.
المساء هنا ليس وقتًا للراحة، بل بداية لجولة جديدة من المكابدة.

ينقطع التيار الكهربائي، فينقطع معه الأمان والسكينة.
ترتفع حرارة البيوت، وتتعرق الجدران، ويبدأ الأطفال في بكاء متصل، لا بسبب الجوع فحسب، بل لأنهم لا يعرفون كيف ينامون في الظلام والحر.

الأسواق تزدحم، لا بوفرة البضائع، بل بوجوه منهكة تبحث عن الأرخص، عن المتاح، عن "ما يسد الرمق".
في الجنوب، لا يتحدث المواطن عن غلاء المعيشة كمجرد رقم اقتصادي، بل كعقوبة جماعية تُفرض على من لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون هنا.

تضيق صدور الناس، ويعلو صمتهم على الكلام، لأن الشكوى أصبحت عبئًا إضافيًا لا يفضي إلى شيء.
الموظف بلا راتب منتظم.

العامل بلا أجر يكفي لخمسة أيام.
المريض بلا دواء، والمعلم بلا طلاب، والمواطن بلا أمل واضح في نهاية هذا النفق الطويل.

مع كل مساء، تتوالى البيانات الرسمية، وتتصاعد التحذيرات من مؤسسات الكهرباء، الماء، الصحة، وكلها تشترك في رسالة واحدة:
"نحن على وشك الانهيار، لكننا لا زلنا نصمد قليلاً."
والمواطن بدوره، ينهار بصمت، ويصمد أيضًا قليلاً.
فليس أمامه إلا أن يتحمل، أن يعتاد، أن يتأقلم مع كل شيء... حتى مع اللاشيء.
عدن، التي علّمت المدن معنى المدنية، تقف اليوم على حافة الفوضى المعيشية، ويقف معها الجنوب كله، حائرًا بين صبرٍ جميل، وغضبٍ مكتوم.
عندما يأتي المساء في عدن، لا ينام الناس، بل يسهرون على همومهم... ويُصلّون كي يأتي صباح لا يشبه هذا الليل.
لكننا نُدرك، أن الفجر لن يأتي وحده، ما لم تُفتح أبواب الإرادة، وتستيقظ ضمائر القرار، وتعلو مصلحة الإنسان على مصلحة الكرسي.