> "الأيام" القدس العربي:

​يشكّك مراقبون في إسرائيل في احتمالات تغلب الولايات المتحدة وإسرائيل على الحوثيين ووقف صواريخهم المتزايدة كماً ونوعاً في الأسابيع الأخيرة (370 صاروخاً ومسيرّة منذ بدء الحرب، و36 صاروخاً باليستياً منذ عدوان «الشجاعة والسيف» في 17 مارس) نصرة لغزة.

ويتسبب مثل هذا الصاروخ الذي اخترق طبقات القبّة الدفاعية، بخسائر اقتصادية كونه يزعزع الاستقرار ويبعد المستثمرين، وبخسائر سياحية ومالية مباشرة نتيجة إلغاء عشرات شركات الطيران رحلاتها الجوية لمطار اللد (مطار بن غوريون شرق تل أبيب). وعبّر رسم كاريكاتير صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الإثنين، عن ذلك، يظهر فيه جندي حوثي يجر عربة محّملة بصاروخ داخل مطار اللد ومن خلفه لافتة بالعبرية جاء فيها «أهلا وسهلا بكم في إسرائيل».

بيد أن سقوط صاروخ باليستي جانب مطار اللد في موسم سياحة وسفر وسط انفجار هزّ المنطقة وتسبّب في حالة رعب قد أدى إلى حالة إرباك وحرج كونه قادماً من اليمن البعيد، الذي طالما استخفت به إسرائيل واعتبرته بلداً متخلفّا، وكونه ضربة حقيقية لا لهيبة الحكومة فحسب بل هيبة وصورة ومكانة الدولة، ومسّ بوعي الإسرائيليين. هذا الواقع سبق ودفع الرئيس الأمريكي السابق بايدن للتعبير عن يأسه من محاولات إسكات الحوثيين بسبب عنادهم مثلما دفع رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو للإسراع في إطلاق تهديد ووعيد بالرّد بعدما كانت إسرائيل استجابت حتى الآن لطلب واشنطن منذ عودة ترامب بإبقاء ملف اليمن والحوثيين بيدها.

رد إسرائيلي

ورغم التشكيك الواسع بجدوى مهاجمة أهداف في اليمن، فإن الصاروخ الذي أصاب مكاناً حساساً ومشحوناً بدلالة رمزية من الطراز الأول، لن تكتفي إسرائيل بتهديدات ضد الحوثيين وضد إيران كما جاء على لسان نتنياهو الذي قال بصوته وصورته، بالعبرية وبالإنكليزية: «كما في الماضي، هكذا في المستقبل، سنرد بقوة على الحوثيين وأسيادهم في إيران، بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة. لن تكون ضربة قاضية، لكنها ستكون ضربة قوية». وقال وزير تطوير الجليل زئيف إلكين، في هذا المضمار للإذاعة الرسمية، إن إسرائيل سترد رداً عظيماً على الحوثيين، وإن احتاج ذلك صبراً، وهذا إلى جانب، وتتمة للقصف الأمريكي.

ويبدو أن إسرائيل فعلاً سترّد وتقصف في اليمن رغم بعده 2000 كيلومتر، وهذه المرة سيبرز المكوّن الاستعراضي في الضربات من أجل استرداد الوعي والهيبة، وهذا يعني ضربة تنطوي على مشهدية تخلّف دماراً وناراً ودخاناً وأضراراً لمراكز عصب اقتصادية وعسكرية في المدن اليمنية، وبالطبع محاولة اغتيال قيادات حوثية على غرار الاغتيالات في لبنان وفلسطين وسوريا في حال توفّرت فرصة استخباراتية عملياتية بالتعاون مع الولايات المتحدة وغيرها.

وأكثر نتنياهو في مرات سابقة أنه سيسعى لتوجيه ضربة موجعة لليمن في محاولة لموازنة مفاعيل الصاروخ الذي أصاب هيبته وهيبة حكومته المتضررة أصلاً نتيجة إخفاقات وفضائح فساد واستبداد، آخرها فضيحة اشتعال النار في غابات القدس بشكل خطير، رغم تحذيرات جهات معنية مسبقاً، ما اضطرها لطلب النجدة من دول أوروبية. النار في جبال القدس لم تقتل إسرائيلياً واحداً كصاروخ اليمن الأخير في مطار اللد، لكن ذلك لا يقلل من خطورة الحادثتين؛ لأن الحظ فقط هو الذي حال دون وقوع كارثة، وهذا يعني فشلاً ذريعاً؛ فخطورة الحادثة لا تقاس بنتائجها فحسب، بل بنتائج كانت ستنجم عنها.
  • أجواء سلبية
في مقابل التهديدات الإسرائيلية والهجمات الأمريكية التي تجددّت الليلة على اليمن، سبب صاروخ الحوثيين الخطير إشاعة مشاعر سلبية وسط تشكيك في إسرائيل في فرص التغلّب عليهم. ويرى المعلق السياسي في «يديعوت أحرونوت» نداف أيال، أن صاروخ الأحد، يذكّر إسرائيل بعدة حقائق موجعة: الحرب لا تدور في غزة فقط بل في المنطقة، الحقيقة الثانية تقول إنه لا نجاحات كاملة ولا دفاع كامل. والثالثة ترتبط بإلغاء الرحلات الجوية، ومفادها أن لا مصلحة لإسرائيل في حرب لا تنتهي. ويعتقد نداف أن مشكلة الحوثيين ممكن حلها بثلاث طرق: احتلال اليمن (غير وارد الآن)، أو إنهاء الحرب في غزة، أو ضغط عسكري أمريكي واسع، وهذا يستغرق وقتاً.

وكاتب محرر الشؤون الشرق أوسطية في صحيفة «هآرتس»، تسفي بار إيل، أظهر أن طهران وصنعاء لا تكترثان بتهديدات ترامب ونتنياهو. وتحت عنوان «الحوثيون يستجمعون نقاطاً»، يشير المحلل العسكري في الصحيفة، عاموس هارئيل، أن الدفاع الجوي ليس كاملاً مقابل تصعيد الحوثيين الذين نجحوا أكثر من حزب الله و«حماس»، اللذين حاولا تحقيق أهداف مشابهة. ويعتبر هارئيل أن الحالة الراهنة هذه تبعث على أفكار سوداوية حول مدى تأثير وردع الخطوات ضد الحوثيين، ويشكك في احتمالات وجود خطوة تؤدي إلى تغيير من هذه الناحية، وهم يستجمعون نقاطاً وما زالوا يرفعون راية المقاومة.

ويعتبر السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، مايكل أورن، في مقال تنشره «يديعوت أحرونوت» أن قضية الحوثيين دليل على ضرورة أن تعتمد إسرائيل على ذاتها فقط في موضوع إيران، ملمحاً بذلك تلميحاً غليظاً إلى عدم التعويل على الولايات المتحدة في موضوع التهديد الإيراني، خاصة المشروع النووي.

بالتزامن، قرّر الكابنيت الإسرائيلي في الليلة الفائتة بالإجماع القيام بحملة عسكرية واسعة على غزة تستمر شهوراً لتدمير «حماس»، وهذا يعني فتح احتمال استمرار الصواريخ من اليمن وسط تساؤلات إسرائيلية عن جدوى حرب بلا أفق وبلا خطة مع استمرار صواريخ من اليمن. ومحذّراً من الأثمان والتبعات، يؤكد القائد الأسبق لغرفة العمليات في الجيش الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، في تصريحات إعلامية، أنه هو الآخر لا يستبعد أن ينقلب ترامب على نتنياهو عشية زيارته المرتقبة للمنطقة ويلزمه بوقف الحرب وعقد صفقة مع «حماس».