إلى كل عين تقرأ هذه الكلمات، وإلى كل قلب لا يزال ينبض بالغيرة على هذه المدينة المنكوبة، إلى كل من تصله أنفاسنا المثقلة بالوجع..

نكتب إليكم اليوم وقلوبنا تتقطع ألماً وغضباً، وألسنتنا تلهبها حرارة الظلم والقهر الذي لم يعد يُطاق.

نكتب من عدن، مدينة الحب والسلام التي تحولت على أيديكم إلى جحيم لا يرحم، نكتب ونحن لا نرى النور في بيوتنا لساعات طوال، لكننا لن نظل طريقنا، وكأنكم تتعمدون حرماننا من أبسط مقومات الحياة في هذا القيظ اللاهب، ساعتان من كهرباء هزيلة مقابل أكثر من اثنتي عشرة ساعة من الظلام الدامس، إنجاز عظيم بالنسبة لكم أليس كذلك؟ مقارنة بالأيام، التي قبلها كنا نتجاوز الـ 20 ساعة إطفاء، ما أوقحكم وما أقبحكم من مسؤولين.

أي "إنجاز" هذا الذي تتبجحون به؟ وأي عار يلاحقكم وأنتم ترون شعباً بأكمله يئن تحت وطأة الحر وانعدام الخدمات؟

أيام تمر وليالٍ تجرجر أذيالها، والماء شحيح، والأسعار تحلق في سماء لا تطالها أيدينا، والعملة تنهار وكأنها تتسابق نحو الهاوية، التعليم متوقف، ومظاهر الحياة تتلاشى أمام أعيننا وكأننا نشاهد فيلماً عبثياً عن مدينة تحتضر، لقد ضاقت بنا الأرض بما رحبت، وبلغ السيل الزُبَى، ولم يعد للصبر مكان، لكن قبل أن نتوجه بحديثنا إلى أولئك المتسلّطين على رقابنا، أولئك الذين يقتاتون على جراحنا ويتاجرون بآلامنا، لنا وقفة غضب أشد وطأة مع فئة أخرى، مع أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم دور المتفرّج الصامت، مع "أشباه الرجال" في عاصمتنا الحبيبة عدن.

فبالأمس القريب خرجت حرائر تلك المدينة الصابرة، في مظاهرة هزت أركان صمتكم المخزي، خرجن بأصوات مجروحة، لكنها كانت أقوى وأعلى من كل أصواتكم الزائفة، رفضن أحزابكم وتكتلاتكم العبثية، وصرخن في وجوهكم المستهترة:



كفى استخفافاً بنا.. كفى بيعاً للوطن.. كفى قتلًا للمواطن

طالبن بحقوقهن التي ليست مجرد منّة منكم، بل هي حق سَيُنتزع من بين براثنكم انتزاعاً عما قريب إن شاء الله.

قمن بما لم يقم به الكثيرون، وبلغ بهن اليأس حد أن هتفت إحداهن بكلمات صفعت وجوه الغائبين الحاضرين:



ترجلن النساء يوم تأنّث الرجال

أرأيتم إلى أي حضيض وصلنا؟ نساء يتقدمن الصفوف ويصرخن مطالبين بحقوق أساسية، بينما "رجال" هذه المدينة غارقون في صمتهم أو مشغولون بمصالحهم الضيقة أي عار أكبر من هذا؟ أي خزي يلاحقكم وأنتم تسمعون صرخاتهن ولا تحركون ساكناً؟.

انتهت التظاهرة الشجاعة، وعادت النسوة إلى بيوتهن المثقلة بالهموم، ولا يزال الحال على ما هو عليه، ولم نسمع همساً أو تعليقاً من أولئك الأقزام الذين يتصدرون المشهد السياسي، وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأن صرخات الأمهات والأخوات والزوجات ليست سوى ضجيج عابر.



أين ذهبت الثقة؟ وأين يكمن "الإنقاذ" المزعوم؟

إلى أولئك الذين منحناهم ثقتنا يوماً ما، والذين تصدروا المشهد باسمنا:

أما آن لكم أن تتوقفوا عن هذا العبث؟ أما آن لكم أن تعترفوا بفشلكم الذريع بدلاً من المكابرة والعناد الذي سيدمر كل شيء؟ صمتكم المطبق وغبائكم المستمر سيدفعان بمدينتنا وعاصمتنا وبقضيتنا إلى الهاوية.

وإلى التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة:

بعد عشر سنوات من تدخلكم الذي زعمتم أنه لاستعادة الشرعية، ما الذي جنيناه؟

لقد بقي الحوثيون في مواقعهم، بل ازدادوا قوة، بينما الجنوب الذي تحرر بجهود أبنائه يعيش أسوأ أيامه.

فأي "إنقاذ" هذا الذي بشّرتم به؟ وأي تحالف هذا الذي لم يجلب لنا إلا الخراب والدمار؟

إذ تم إسكات القلب النابض لعدن وضواحيها عن الحركة "مصافي عدن"، وتمت مأسسة الفساد، وأجهضت أغلب مؤسساتنا الوطنية، وعُطّلت أجهزتنا القضائية والرقابية والمحاسبية، وأصبحت خدمة الكهرباء والمياه ضرباً من الخيال، و تحولت عدن إلى مدينة أشباح يسكنها الخوف واليأس، وإلى متى؟

وهل يعقل أن تعجز دول بحجم السعودية والإمارات بحكم قيادتهما لهذا التحالف المزعوم عن توفير بدائل للطاقة، ولو بشراء مولدات وتغذيتها بوقود من خير أرضنا؟ وأين تذهب خيراتنا من النفط والغاز التي يوردونها لحساباتهم؟

إن هذا العبث ليس إنقاذاً ولا تحالفاً أبداً، بل هو مؤامرة قذرة تستهدف الجنوب أرضاً وإنساناً، تستهدف موقعنا الاستراتيجي وثرواتنا البكر.

فإلى الرجال الأحرار في هذا الوطن؟ وإلى من تبقى من القادة الأبطال الشرفاء، إلى الشعب الصابر المتمسك بأرضه والمحروم من حقوقه بعد أن سمعتم صرخة حرائركم المدوية، من قلب عدن المحترقة.. متى ستقولون كلمة الحق في وجه هذا الظلم؟.