> إدموند فيتون براون:
بصفتي السفير البريطاني من 2015 إلى 2017، شهدت عن كثب وشاركت في التفاوض بشأن الاستجابة الدولية لاستيلاء الحوثي على أجزاء كبيرة من اليمن الذي بدأ بشكل جاد في 2014. وبعد ذلك، استمريت في مراقبة اليمن من منظور مكافحة الإرهاب مع الأمم المتحدة بعد 2017.
القصة التي لم تُروَ بشكل كافٍ هي كيف كانت استجابة المجتمع الدولي صحيحة في 2014؛ لكنها بعد ذلك فقدت طريقها تدريجيًا على مدى السنوات الأربع التالية، وانتهت بالاتفاق المشين في 'ستوكهولم' في ديسمبر 2018.
وجّهت لجنة الأمن التابعة للأمم المتحدة في قرارها رقم 2140، الصادر في نوفمبر 2014، اللوم بدقة عمّا كان يحدث في اليمن بما "يهدد السلام والاستقرار"، وفرضت عقوبات وزعت على الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واثنين من قادة حركة الحوثي، التي كانت آنذاك متحالفة مع صالح.
وكان الرئيس هادي قد شغل سابقًا منصب نائب صالح، ولكنه تولى الرئاسة نتيجة للاحتجاجات التي عُرفت بما يسمى "الربيع العربي"، وكان يدعم بشكل حثيث الحوار الوطني الذي يهدف إلى التقدّم السياسي من خلال التشاور مع مكوِّنات اليمن المتنوِّعة، بمن فيها الحوثيون.
وكان المجتمع الدولي، باستثناء قلة قليلة مارقة مثل إيران، يدرك أن هادي كان شرعيًا ومحبًا للسلام، وأن صالح قد دخل بتحالف نفعي مع الحوثيين؛ لأن كلا منهما كان يطمح إلى السلطة المطلقة، ولم يرغب أي منهما في نجاح عملية "الحوار الوطني".
بعد أربعة أشهر أخرى، ومع استمرار الحوثيين في مطاردة هادي، الذي هرب من صنعاء إلى عدن، استجابت المملكة العربية السعودية لطلب الحكومة المعترف بها دوليًا للدفاع عن النفس، التي استندت إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. إذ دخلوا الحرب الأهلية اليمنية إلى جانب الحكومة المعترف بها دوليًا، بدوافع قانونية واضحة.
كان الحوثيون وصالح كلاهما يسعيان بشكل غير قانوني للاستيلاء على السلطة في اليمن، وكانوا أخلاقيًا غير مقبولين، حيث يمثلون فقط نسبة صغيرة من السكان. فعندما توليت منصب السفير، لم يكن هناك شك في مَن هم الجانبان الجيدان، ومَن هم الجانبان السيئان في هذا الصراع. وقد كنا إلى جانب هادي والسعوديين.
اتفاقية "ستوكهولم" منحت الحوثيين موطئ القدم الذي كانوا يحتاجونه لبدء حملتهم بالابتزاز الدولي.
فماذا حدث؟ تحرك المجتمع الدولي أساسًا تحت تأثير عدد من التحيّزات والمفاهيم الخاطئة، بما في ذلك ما يتعلق بالقدسية الأخلاقية للنشاط الإنساني.
ما لم تكن سعوديًا أو عُمانيًا، يمكن أن تبدو اليمن بعيدة جدًا، وهي قضية هامشية للغرب مقارنة بمناطق النزاع التي تتطلب اهتمامًا سياسيًا وإستراتيجيًا أكبر؛ مثل العراق وسوريا، وحتى ليبيا.
في هذه الظروف، وخاصة قبل أن يقاوم دونالد ترامب هذا التفكير، كانت الدول الغربية تميل إلى رؤية الأزمات مثل تلك الأزمة التي في اليمن مِن خلال عدسة إنسانية حصرية تقريبًا.
وبحلول فترة محادثات السلام في الكويت عام 2016، بعد أكثر من عام بقليل من الحرب، كان الإجماع الدولي يتركز حول وجوب تلبية جميع مطالب الحوثيين لوقف الحرب. وقرر الحوثيين أن يناظروا حتى يفوزوا بشكل كامل، وتخلوا عن محادثات الكويت.
ما يبدو أنه مفقود في خطط أعداء الحوثيين المتنوّعين هو الانخراط الفعّال مع الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، والتصميم وتخصيص الموارد اللازمة لإحياء حملتهم العسكرية ضد الحوثيين.
إن أقوى ضمانة لإنهاء تهديد الحوثيين لحرية الملاحة في المياه الدولية هو طردهم تمامًا من الساحل الغربي للبحر الأحمر.
بمعنى آخر، القيام بتمزيق اتفاقية "ستوكهولم"، التي انتهكوها منذ اليوم الأول، واستعادة الحديدة والساحل الواقع بينهم وبين حدود السعودية، كما كان يجب أن يحدث في عام 2019.
ما هو غير واضح هو ما إذا كان السعوديون لديهم الرغبة في ذلك؛ نظرًا لرغبتهم في الخروج من الحرب الأهلية اليمنية.
وحدها الولايات المتحدة، وتحديدًا الرئيس ترامب، من يمكنه طمأنتهم بضرورة ذلك، وتأكيد ثقتهم بالدعم الأمريكي لهم ضد الحوثيين. ووحدها الولايات المتحدة من يمكنها تشكيل التحالف الدولي الضروري لدعم هذا العدول في السياسة الدولية تجاه الحوثيين.
لذا من الضروري أن تنظر الولايات المتحدة إلى خيارات سياستها قبل أن تحدث جولة جديدة من التصعيد، سواء كان ذلك بين إسرائيل والحوثيين فقط، أو بما يتضمن إيران بشكل مباشر.
وللوصول إلى استنتاجات، فنظرًا لأن إيران هي الشريك الرئيسي في محور المقاومة وتشكل تهديدًا استراتيجيًا للسلام العالمي من خلال برنامجها النووي، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحديد ما هي أهداف سياستها تجاه إيران، ومن ثم تنسيق سياستها تجاه اليمن مع تلك الأهداف.
إذا لم يكن تغيير النظام الإيراني (وهو ممكن، نظرًا لضعف الجمهورية الإسلامية الحالي)، فعلى الأقل التخلي عن أو تدمير كافة برامج إيران العدوانية، وهي: تخصيب اليورانيوم، وتطوير الصواريخ الباليستية، والحرب غير المتكافئة باستخدام الحوثيين وحزب الله والمليشيات العراقية الوكيلة، وبقية مكوِّنات المحور.
إذْ سيتطلب ذلك عزيمة وربما قوة. فإذا ما كُنا متجهين إلى ذلك - ولم نخطئ، فلن تتغيّر طبيعة الجمهورية الإسلامية والحوثيين، بل سيتغيّر سلوكهم فقط إذا تم إجبارهم على ذلك - وعلينا أن نكون مستعدين لمواجهة كلٍ من إيران والحوثيين، حيث من المحتمل أن يتخلّى الحوثيون عن أجندتهم العدوانية فقط إذا ما واجهوا هزيمة في الحرب الأهلية اليمنية.
* السفير البريطاني في اليمن من 2015 إلى 2017.
المصدر "بلقيس"
القصة التي لم تُروَ بشكل كافٍ هي كيف كانت استجابة المجتمع الدولي صحيحة في 2014؛ لكنها بعد ذلك فقدت طريقها تدريجيًا على مدى السنوات الأربع التالية، وانتهت بالاتفاق المشين في 'ستوكهولم' في ديسمبر 2018.
وجّهت لجنة الأمن التابعة للأمم المتحدة في قرارها رقم 2140، الصادر في نوفمبر 2014، اللوم بدقة عمّا كان يحدث في اليمن بما "يهدد السلام والاستقرار"، وفرضت عقوبات وزعت على الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واثنين من قادة حركة الحوثي، التي كانت آنذاك متحالفة مع صالح.
وكان الرئيس هادي قد شغل سابقًا منصب نائب صالح، ولكنه تولى الرئاسة نتيجة للاحتجاجات التي عُرفت بما يسمى "الربيع العربي"، وكان يدعم بشكل حثيث الحوار الوطني الذي يهدف إلى التقدّم السياسي من خلال التشاور مع مكوِّنات اليمن المتنوِّعة، بمن فيها الحوثيون.
وكان المجتمع الدولي، باستثناء قلة قليلة مارقة مثل إيران، يدرك أن هادي كان شرعيًا ومحبًا للسلام، وأن صالح قد دخل بتحالف نفعي مع الحوثيين؛ لأن كلا منهما كان يطمح إلى السلطة المطلقة، ولم يرغب أي منهما في نجاح عملية "الحوار الوطني".
بعد أربعة أشهر أخرى، ومع استمرار الحوثيين في مطاردة هادي، الذي هرب من صنعاء إلى عدن، استجابت المملكة العربية السعودية لطلب الحكومة المعترف بها دوليًا للدفاع عن النفس، التي استندت إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. إذ دخلوا الحرب الأهلية اليمنية إلى جانب الحكومة المعترف بها دوليًا، بدوافع قانونية واضحة.
كان الحوثيون وصالح كلاهما يسعيان بشكل غير قانوني للاستيلاء على السلطة في اليمن، وكانوا أخلاقيًا غير مقبولين، حيث يمثلون فقط نسبة صغيرة من السكان. فعندما توليت منصب السفير، لم يكن هناك شك في مَن هم الجانبان الجيدان، ومَن هم الجانبان السيئان في هذا الصراع. وقد كنا إلى جانب هادي والسعوديين.
اتفاقية "ستوكهولم" منحت الحوثيين موطئ القدم الذي كانوا يحتاجونه لبدء حملتهم بالابتزاز الدولي.
فماذا حدث؟ تحرك المجتمع الدولي أساسًا تحت تأثير عدد من التحيّزات والمفاهيم الخاطئة، بما في ذلك ما يتعلق بالقدسية الأخلاقية للنشاط الإنساني.
ما لم تكن سعوديًا أو عُمانيًا، يمكن أن تبدو اليمن بعيدة جدًا، وهي قضية هامشية للغرب مقارنة بمناطق النزاع التي تتطلب اهتمامًا سياسيًا وإستراتيجيًا أكبر؛ مثل العراق وسوريا، وحتى ليبيا.
في هذه الظروف، وخاصة قبل أن يقاوم دونالد ترامب هذا التفكير، كانت الدول الغربية تميل إلى رؤية الأزمات مثل تلك الأزمة التي في اليمن مِن خلال عدسة إنسانية حصرية تقريبًا.
وبحلول فترة محادثات السلام في الكويت عام 2016، بعد أكثر من عام بقليل من الحرب، كان الإجماع الدولي يتركز حول وجوب تلبية جميع مطالب الحوثيين لوقف الحرب. وقرر الحوثيين أن يناظروا حتى يفوزوا بشكل كامل، وتخلوا عن محادثات الكويت.
ما يبدو أنه مفقود في خطط أعداء الحوثيين المتنوّعين هو الانخراط الفعّال مع الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، والتصميم وتخصيص الموارد اللازمة لإحياء حملتهم العسكرية ضد الحوثيين.
إن أقوى ضمانة لإنهاء تهديد الحوثيين لحرية الملاحة في المياه الدولية هو طردهم تمامًا من الساحل الغربي للبحر الأحمر.
بمعنى آخر، القيام بتمزيق اتفاقية "ستوكهولم"، التي انتهكوها منذ اليوم الأول، واستعادة الحديدة والساحل الواقع بينهم وبين حدود السعودية، كما كان يجب أن يحدث في عام 2019.
ما هو غير واضح هو ما إذا كان السعوديون لديهم الرغبة في ذلك؛ نظرًا لرغبتهم في الخروج من الحرب الأهلية اليمنية.
وحدها الولايات المتحدة، وتحديدًا الرئيس ترامب، من يمكنه طمأنتهم بضرورة ذلك، وتأكيد ثقتهم بالدعم الأمريكي لهم ضد الحوثيين. ووحدها الولايات المتحدة من يمكنها تشكيل التحالف الدولي الضروري لدعم هذا العدول في السياسة الدولية تجاه الحوثيين.
لذا من الضروري أن تنظر الولايات المتحدة إلى خيارات سياستها قبل أن تحدث جولة جديدة من التصعيد، سواء كان ذلك بين إسرائيل والحوثيين فقط، أو بما يتضمن إيران بشكل مباشر.
وللوصول إلى استنتاجات، فنظرًا لأن إيران هي الشريك الرئيسي في محور المقاومة وتشكل تهديدًا استراتيجيًا للسلام العالمي من خلال برنامجها النووي، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحديد ما هي أهداف سياستها تجاه إيران، ومن ثم تنسيق سياستها تجاه اليمن مع تلك الأهداف.
إذا لم يكن تغيير النظام الإيراني (وهو ممكن، نظرًا لضعف الجمهورية الإسلامية الحالي)، فعلى الأقل التخلي عن أو تدمير كافة برامج إيران العدوانية، وهي: تخصيب اليورانيوم، وتطوير الصواريخ الباليستية، والحرب غير المتكافئة باستخدام الحوثيين وحزب الله والمليشيات العراقية الوكيلة، وبقية مكوِّنات المحور.
إذْ سيتطلب ذلك عزيمة وربما قوة. فإذا ما كُنا متجهين إلى ذلك - ولم نخطئ، فلن تتغيّر طبيعة الجمهورية الإسلامية والحوثيين، بل سيتغيّر سلوكهم فقط إذا تم إجبارهم على ذلك - وعلينا أن نكون مستعدين لمواجهة كلٍ من إيران والحوثيين، حيث من المحتمل أن يتخلّى الحوثيون عن أجندتهم العدوانية فقط إذا ما واجهوا هزيمة في الحرب الأهلية اليمنية.
* السفير البريطاني في اليمن من 2015 إلى 2017.
المصدر "بلقيس"