> "الأيام" العرب اللندنية:

​أعاد الانفجار الذي هزّ مؤخرا منطقة مأهولة بالسكان في العاصمة اليمنية صنعاء إلى الأذهان حوادث مماثلة كانت قد تعرضت لها بشكل متكرّر كل من العاصمتين العراقية بغداد واللبنانية بيروت اللتين يجمع بينهما قاسم مشترك يتمثّل في كونهما موطنا لنشاط ميليشيات موالية لإيران تعتمد مثل الحوثيين في حماية أسلحتها وأعتدتها من القصف الجوي على إخفائها داخل الأحياء السكنية الأمر الذي يجعل المدنيين عرضة لخطر محدق يطال أرواحهم وممتلكاتهم.

وخلّف انفجار حدث قبل أيام في مستودع أسلحة تابع لجماعة الحوثي في منطقة صرِف بمديرية بني حشيش بشمال شرق صنعاء مالا يقل عن أربعين قتيلا والعشرات من الجرحى إضافة إلى خسائر مادية جسيمة في الممتلكات الخاصة والعامة بما في ذلك مساكن ومتاجر المواطنين ووسائل تنقلهم وعملهم من سيارات وغيرها، وفقا لأرقام تقريبية نشرتها مصادر غير رسمية لم تستطع الوقوف على الحجم الحقيقي للخسائر بسبب حالة التعتيم الشديد التي فرضتها الجماعة على الحادثة.

وأظهرت صور ولقطات فيديو تمّ تسريبها بشكل تلقائي وفوري عن طريق هواتف بعض السكان قبل أن تبدأ سلطات الأمر الواقع في صنعاء بمحاصرة الحدث وملاحقة مسربي أخباره مدى عنف الانفجار الذي تمّ بشكل متسلسل واستغرق فترة من الزمن الأمر الذي أعطى فكرة عامّة عن حجم الأسلحة والأعتدة المخبّأة بين المدنيين ونوعيتها حيث تشمل أنواعا من الصواريخ التي انطلقت بشكل عشوائي وانتشرت شظاياها في محيط متّسع.

وأظهرت إحدى اللقطات انطلاق صاروخ وقيامه بحركات دائرية في الفضاء قبل أن يسقط على مبنى كبير قيل إنه يحوي مصنعا، وأظهرت أخرى اشتعال ألسنة اللهب في بعض المنازل السكنية، بينما تحدث شهود عن مقتل عائلة بأكملها بسبب انهيار أحد تلك المنازل واحتراقه.

ودخلت جماعة الحوثي الموالية لإيران في صراع ضدّ إسرائيل وقوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الأمر الذي جعل مواقعها في اليمن وترسانتها الحربية عرضة لقصف إسرائيلي متقطّع وكذلك لقصف أميركي تواصل منذ منتصف مارس الماضي قبل أن يقرر وقفه مؤخّرا الرئيس دونالد ترامب بعد أن أوقع خسائر في اليمن طالت المدنيين وخصوصا في محافظة صعدة التي شهدت مقتل العشرات من المهاجرين الأفارقة بضربة صاروخية أميركية لمركز احتجازهم في المحافظة المذكورة.

وحتّم ذلك الصراع وطبيعته على الحوثيين اللجوء بشكل متزايد إلى الاحتماء بالمدنيين وإخفاء ترسانتهم العسكرية داخل أحيائهم السكنية نظرا إلى كون خوض الحرب ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل يختلف جذريا عن الحروب التي خاضتها الجماعة ضدّ خصومها في الداخل اليمني والتي تعتمد في جزء كبير منها على المواجهات البرية والكر والفرّ على الأرض.

أما في مواجهة الآلتين الحربيتين الأميركية والإسرائيلية فإنّ جماعة الحوثي وجدت مواقعها وآلتها العسكرية عرضة لقصف عن بعد يتمّ غالبا عن طريق الطيران الحربي المتطور الذي لا يمتلك الحوثيون دفاعات فعّالة ضدّه ما يجعل من التخفي والتمويه أفضل وسيلة لتقليل الخسائر الناجمة عنه.

وتعليقا على الحادثة قال معمر الإرياني وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إنّ جماعة الحوثي مصرّة “على عسكرة المدن وتحويل الأحياء المأهولة والمنشآت المدنية إلى مخازن للأسلحة ومنصات لإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، في سلوك مماثل لما تمارسه ميليشيا حزب الله في لبنان، والذي يشكل تهديدا دائما لحياة المدنيين ومقدرات الدولة.”

ودعا “المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين إلى رفض تحويل أحيائهم إلى مستودعات للسلاح، مطالبا كل من يعلم بوجود مخزن أسلحة في محيطه بالتحرك مع جيرانه لإخراجه فورا، منعا لتكرار مآس كتلك التي شهدتها منطقة صرف، مؤكدا أن ما حدث لا يمكن اعتباره مجرد انفجار عرضي، بل جريمة حرب مكتملة الأركان ارتكبتها ميليشيا الحوثي بحق المدنيين.”

وإثر انفجار منطقة صرف دخل الحوثيون في مواجهة ملحقة بالحادثة لكن على أرضية الإعلام ووسائل التواصل هذه المرّة حيث بادرت باتّخاذ إجراءات صارمة لمحاصرة أخبار الانفجار وخسائره ومنع تفاعل الجمهور معه مخافة أن يفضي ذلك إلى تفجير موجة غضب شعبي ضد المجموعة وسلوكاتها.

وأصدرت الجماعة، الثلاثاء، “تعميما رسميا” يمنع أيّ فريق تلفزيوني أو إعلامي من التصوير وإجراء مقابلات ميدانية داخل صنعاء، ما لم يحصل على تصريح رسمي مسبق من وزارة الإعلام الخاضعة لسيطرتها.

وجاء في التعميم الصادر عن “المجلس الأعلى للأمانة” أن هذا القرار يستند إلى توجيهات صادرة عن وزير الإعلام في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا، وكذلك إلى مذكرات من رئيس مجلس الوزراء ووزير الإدارة المحلية والرقابة.

وحذّر التعميم الموجه إلى مدراء المكاتب التنفيذية ومدراء عموم المديريات في العاصمة، من السماح بأيّ تصوير ميداني أو إجراء مقابلات دون تنسيق رسمي، معتبرا أن أيّ تجاوز للتوجيهات يعد مخالفة صريحة. كما طالب بتنفيذ التعليمات حرفيا وعدم التعامل مع أيّ جهة إعلامية دون الرجوع إلى الوزارة المختصة.

وربطت مصادر محلية هذا الإجراء بحادثة الانفجار الذي نبه قيادات الحوثي إلى وجود حالة من “الانفلات الإعلامي والإخباري،” بينما قال أحد المعارضين لسلطة الجماعة متحدثا لوسائل إعلامية محلية دون الكشف عن هويته إنّ سلطات الحوثي استغلت الحادثة لتشديد قبضتها على الإعلام بهدف التعتيم على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية الصعبة في المناطق الخاضعة لسيطرتها وإخماد أيّ شرارة للاحتجاج الشعبي عليها.

وجاء انفجار صنعاء بمثابة نموذج “مصغّر” عما شهدته العاصمة اللبنانية بيروت من مجازر وكوارث أكبر حجما جرّاء تخفي حزب الله وترسانته داخل أحياء الضاحية الجنوبية التي استهدفتها إسرائيل عدّة مرات بقصف بلغ مستويات غير مسبوقة من القوّة النارية والقدرة التدميرية التي لم تميّز بين عناصر الحزب وقياداته والسكان المدنيين.

وكان انفجار مرفأ بيروت صيف سنة 2020 النموذج الأكثر دموية وما تزال أغلب المصادر تعتبره ضمن مسؤوليات حزب الله على اعتبار شحنة الأمونيا المخزنة في المرفأ والتي أحدثت انفجارا يعادل في قوته انفجار قنبلة نووية كانت تابعة للحزب.

ولم تكن العاصمة بغداد ومدن عراقية أخرى أفضل حالا من بيروت وصنعاء حيث شهد العراق خلال السنوات الأخيرة انفجار العشرات من مخازن سلاح وعتاد الميليشيات داخل المناطق السكنية ما أوقع خسائر بشرية ومادية كبيرة وكان أعنفها على الإطلاق وأكثرها دموية انفجار حدث قبل نحو سبع سنوات في مخزن سلاح واقع بحي سكني في مدينة الصدر شرقي العاصمة وتابع لميليشيا سرايا السلام بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، موقعا أكثر من مئة وعشرين ضحية من المدنيين بين قتلى وجرحى.