في مثل هذا اليوم من العام 1994م، لم تكن عدن تحتفل بوحدة شعبين، بل كانت تئنّ تحت وطأة اجتياح دموي حوّل مشروع "الوحدة اليمنية" من حلم إلى كابوس، ومن شراكة إلى غلبة، ومن عهدٍ مكتوب إلى استباحة مكتملة الأركان.

ففي 27 أبريل من ذلك العام، اعتلى علي عبد الله صالح منصة ميدان السبعين في صنعاء، وأطلق ما أسماه بـ"ساعة الحسم"، متجاوزًا كل المواثيق والاتفاقيات الموقّعة بين شريكي الوحدة، وعلى رأسها "وثيقة العهد والاتفاق" التي شهدت عليها العواصم العربية والدولية. وما تلا ذلك كان حربًا شاملة على الجنوب – أرضًا وشعبًا وثقافة – انتهت في 7 يوليو باجتياح عدن، وإسقاط دولة الجنوب بقوة السلاح، في انقلاب صارخ على مبدأ الشراكة والندية.
  • من منظور سياسي
شكّلت حرب 1994 نكسة تاريخية لمفهوم الدولة المدنية والمشروع الوطني، حيث استُبدلت مفاهيم التوافق والتعددية بعقيدة الإخضاع والضم القسري. ومنذ ذلك التاريخ، ساد منطق الغلبة في إدارة الشأن العام، وتحوّلت مؤسسات الدولة إلى أدوات لتكريس الهيمنة بدلاً من تحقيق الشراكة. إن من يصرّ على اعتبار 7 يوليو "عيدًا وطنيًا" إنما يتمادى في استفزاز شعب الجنوب، ويؤكد استمرارية المنظور الذي يرى في الجنوب أرضًا مفتوحة لا شريكًا ندّيًا.
  • من منظور قانوني
قانونيًا، فإن الوحدة التي تبدأ بإرادتين سياديتين وتنتهي بالاجتياح العسكري هي وحدة باطلة منعدمة الأثر، طبقًا لمبادئ القانون الدولي العام، وعلى رأسها مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، ووجوب احترام الاتفاقات الدولية. لقد تحوّلت "الوحدة" منذ 7 يوليو إلى حالة ضمّ قسري واحتلال داخلي، ترتّبت عليه مسؤوليات قانونية وأخلاقية على الطرف المنتصر، وحق مشروع للطرف المعتدى عليه – الجنوب – في السعي نحو فكّ الارتباط واستعادة دولته المستقلة.

كما أن ما تبع الحرب من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ونهب مؤسسات الجنوب، ومصادرة قراره السياسي والاقتصادي، يعزز توصيف ما جرى كـ"فعل احتلال" بكل أبعاده القانونية والإنسانية.
  • من منظور ثقافي
لم تكن الحرب عسكرية فقط، بل حملت في طيّاتها مشروعًا ممنهجًا لطمس الهوية الجنوبية. جرى استهداف الإرث الثقافي والتاريخي لعدن والجنوب، وغيّرت المناهج التعليمية، وهمّشت اللهجات المحلية، وأُهملت المواقع الأثرية، وقُمعت الفنون، وأُقصي المثقف الجنوبي من المشهد العام. وبدلاً من الاحتفاء بتنوّع الجنوب وغناه الحضاري، جرى فرض سردية واحدة تمجّد مشروع الهيمنة وتتنكّر لكل ما هو جنوبي.
  • في المحصلة النهائية
إننا لا نكتفي برفض 7 يوليو كعيد وطني زائف، بل نعتبره شاهدًا سياسيًا وقانونيًا وثقافيًا على أن الجنوب لم يكن يومًا طرفًا في وحدة حقيقية قائمة على الندية، بل ضحية لاحتلال داخلي ممنهج. لقد سقطت الوحدة بموجب القوة، وتحوّلت من شراكة إلى غنيمة سياسية واقتصادية وثقافية.

ومن هنا، فإن أي حديث جاد عن مصالحة وطنية أو إعادة ترتيب العلاقات بين الجنوب والشمال يجب أن يبدأ أولًا من إسقاط هذا اليوم من السجلات الرسمية والروزنامة الوطنية، والاعتراف العلني بأنه يمثّل لحظة عدوان سياسي وعسكري لا مناسبة للاحتفاء، تمهيدًا لمسارٍ سياسي وقانوني يضمن استعادة الجنوب لحقه في السيادة، وهويته، وتاريخه، وقراره الحر.

فلا سلام دون إنصاف، ولا شراكة دون اعتراف، ولا مستقبل مشترك دون تصحيح للماضي واحترام لتضحيات الشعوب.