قراءة في الهجوم الحوثي على القوة البحرينية في الحدود الجنوبية السعودية
أعلنت قوة دفاع البحرين في بيان لها نشر صباح يوم الاثنين الموافق 25/ سبتمبر/2023 عن استشهاد ضابط وفرد وجرح عدد من أفرادها المرابطين على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية المشاركين ضمن قوات التحالف العربي.
بيان قوة دفاع البحرين استعرض تفاصيل ما وصفه بالعمل العدائي الغادر الذي جرى" عند قيام الحوثيين بإرسال طائرات مسيرة هجومية على مواقع قوة الواجب البحرينية المرابطة بالحد الجنوبي على أرض المملكة العربية السعودية الشقيقة"، البيان لم يغفل الإشارة إلى أن هذا الهجوم يأتي في وقت تشهد فيه العمليات العسكرية توقفًا بين أطراف الحرب في اليمن.
شكل هذا التطور مفاجئة صادمة أحبطت الكثير من المتفائلين بالتطورات التي شهدتها عملية السلام في اليمن، خاصة أن البلاد تشهد هدنة هشة منذ قرابة العام، رافقتها عملية تبادل أسرى بأعداد كبيرة كان في مقدمتهم وزير الدفاع السابق محمود الصبيحي وناصر منصور هادي شقيق الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي اللذين سبق وأن طالب مجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى إطلاق سراحهم منذ بداية الحرب قبل تسعة أعوام، فضلًا عن التطور الكبير الذي شهدته المباحثات بين طرفي الصراع والذي تكلل بتبادل الزيارات بين صنعاء والرياض.
التفسير الحوثي للهجوم !
الجماعة الحوثية من جانبها اعترفت ضمنيًا بمسؤوليتها عن الحادث معتبرة الهجوم ضمن "خروقات الهدنة"، جاء ذلك في تصريح أدلى به محمد عبد السلام المتحدث باسم الجماعة ورئيس وفدها المفاوض الذي زار الرياض لوكالة "رويترز" يوم الثلاثاء، حيث وصف انتهاكات الهدنة بـ"الأمر المؤسف". متهمًا قوات التحالف بمواصلة خروقاتها للهدنة، مشيرًا إلى مقتل 12 من مقاتلي الجماعة خلال شهر واحد على الحدود السعودية.
لم يغفل عبدالسلام في تصريحه التشديد على" أهمية الدخول في مرحلة السلام الجاد وصولًا إلى تثبيت الوضع العسكري بالكامل بحيث تتوقف الخروقات من جميع الأطراف وتتحقق متطلبات السلام الشامل والعادل"..
ردود الأفعال..
ردود الأفعال المنددة والمتضامنة مع البحرين جاءت متتابعة حيث تقدمتها الخارجية الإماراتية التي وصفت الهجوم بأنه "يمثل استخفافًا بجميع القوانين والأعراف الدولية، مما يتطلب ردًّا رادعًا"، داعيةً المجتمع الدولي إلى "توحيد الجهود واتخاذ موقف حاسم لوقف هذه العمليات، والعودة إلى عملية سياسية تؤدي إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة".
من جانبها سارعت الحكومة اليمنية إلى إدانة الحادثة حيث أفادت وكالة الأنباء اليمنية " سبأ " الحكومية، بأن "وزير الخارجية أحمد بن مبارك أجرى اتصالًا هاتفيًا بنظيره البحريني عبداللطيف بن راشد الزياني، عبّر فيه عن إدانته الشديدة للهجوم الإرهابي الغادر من قبل الحوثيين (أنصار الله) بطائرات مسيرة على القوة البحرينية المرتبطة ضمن قوات التحالف في الحد الجنوبي بالمملكة العربية السعودية".
موقف التحالف العربي جاء على لسان المتحدث باسم قواته العميد تركي المالكي، الذي قال في بيان إن قيادة التحالف "تدين الهجوم الغادر من بعض العناصر التابعة للحوثيين، باعتباره عمل عدائي غادر في سياق الأعمال العدائية خلال الشهر الماضي باستهداف إحدى محطات توزيع الطاقة الكهربائية وأحد مراكز الشرطة بالمنطقة الحدودية". وأضاف: "مثل هذه الأعمال العدائية والاستفزازية المتكررة لا تنسجم مع الجهود الإيجابية التي يتم بذلها سعيًا لإنهاء الأزمة والوصول لحل سياسي شامل". مؤكدًا رفض قيادة القوات المشتركة لتلك الاستفزازات المتكررة واحتفاظها بحق الرد في المكان والزمان المناسبين.
بدورها تأخرت المملكة العربية السعودية في الإدانة حيث جاء بيان وزارة خارجيتها مع الساعات الأولى لفجر اليوم التالي من الهجوم، حيث "أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة واستنكار المملكة للهجوم الغادر الذي تعرضت له قوة دفاع مملكة البحرين الشقيقة المرابطة على الحدود الجنوبية للمملكة، والذي أسفر عنه استشهاد عدد من جنودها البواسل وإصابة آخرين." ، مؤكدةً وقوفها وتضامنها التام مع مملكة البحرين الشقيقة، داعيةً إلى "وقف استمرار تدفق الأسلحة لمليشيا الحوثي الإرهابية ومنع تصديرها للداخل اليمني، وضمان عدم انتهاكها لقرارات الأمم المتحدة".
الهدنة الأممية.. وما بعدها
في يوم الخميس الموافق 14/ أبريل /2022 وفي إحاطته الافتراضية لأعضاء مجلس الأمن الدولي وبحضور مارتن جريفيتس وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيتس، بشر المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج العالم بهدنة إنسانية في اليمن لمدة ثلاثة أشهر قائلًا "إن هناك ضوءً في نهاية النفق بعد حوالي ثلاثة أشهر من المفاوضات، اتفقت الأطراف على مبادرة الأمم المتحدة لهدنة في عموم البلاد لمدة شهرين وقابلة للتجديد – وهي أول هدنة (يتم التوصل إليها) منذ ستة أعوام."
تجددت هذه الهدنة واستمرت إلى يومنا هذا، تخللتها العديد من الأحداث التي تستحق الاهتمام، فخلال هذه المدة الزمنية تحقق تقدم ملموس في ملفات مهمة منها التقدم المحرز في ملف الأسرى حيث تم تبادل ما يقارب ال900 أسير بين الحكومة اليمنية والحوثيين في أبريل المنصرم بصفقة أشرفت على تنفيذها منظمة لصليب الأحمر الدولية، وكان في مقدمة المفرج عنهم وزير الدفاع السابق محمود الصبيحي وناصر منصور هادي شقيق الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي اللذين سبق وأن طالب مجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى إطلاق سراحهما منذ بداية الحرب قبل تسعة أعوام، فضلًا عن الإفراج عن كلٍّ من شقيق ونجل طارق محمد صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي وأربعة صحفيين محكوم عليهم بالإعدام في سجون الحوثي.
تلى ذلك ذهاب وفد قبلي من مدينة أبين الجنوبية إلى صنعاء للمطالبة بالإفراج عن ابن مدينتهم اللواء فيصل رجب الذي أسره الحوثيين في بداية الحرب مع وزير الدفاع وشقيق هادي، ما دفع الحوثيين إلى الاستجابة لمطلب الوفد والإفراج عنه، الأمر الذي تم تفسيره حينها أنها خطوة تريد من خلالها الحركة لكسب شعبية الأوساط القبلية في مدينة أبين التي يشتكي البعض فيها من التهميش خاصة بعد تنازل الرئيس هادي عن السلطة وهو المنتمي لنفس المدينة.
السفير في صنعاء.. وسيط أم طرف؟
لم تمر أيام على إنهاء صفقة التبادل حتى تفاجأ المراقبون للشأن اليمني بأول زيارة معلنة لوفد سعودي رفيع المستوى إلى صنعاء يترأسه السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، حيث سبقتها تبادل لقاءات بين الطرفين ( السعودي – الحوثي ) برعاية الوسيط العماني في مسقط، وسبقها تسريبات عن زيارة سرية للسفير إلى صنعاء لم يوكدها أيًا من الطرفين. انتهت الزيارة بعد سلسلة لقاءات عقدها الوفد كان أبرزها مع رئيس الجمهورية في صنعاء مهدي المشاط ومجموعة كبيرة من قيادات الصف الأول الحوثية، وأعلن أن اللقاءات ستستكمل بين الطرفين مستقبلًا، حيث كان واضحًا أن الطرفين قد اصطدموا بنقاط متعددة منها رغبة الحوثيين بتوصيف المملكة كطرف في الحرب بينما تقدم السعودية نفسها كوسيط.
الحوثي في عاصمة الوسيط
وفي يوم الخميس الموافق 14/سبتمبر/2023 أعلن في الرياض عن وصول وفد حوثي برئاسة المتحدث الرسمي للحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي منذ سنوات محمد عبدالسلام يرافقه مجموعة من أبرز القيادات العسكرية والسياسية للحركة. لم يعلن عن تفاصيل اللقاءات التي عقدها الحوثيون في الرياض حيث أحيطت زيارتهم بقدر عالٍ من التكتم على عكس ما حدث أثناء زيارة الوفد السعودي صنعاء.
في ختام الزيارة أعلن وزير الدفاع السعودي صاحب السمو الأمير خالد من سلمان على حسابه في منصة إكس عن لقائه ما أسماه بوفد صنعاء قائلًا " التقيت وفد صنعاء الذي زار الرياض لاستكمال الجهود الرامية لدعم مسار السلام في اليمن. أكدت خلال لقائي بالوفد وقوف المملكة مع اليمن وشعبه الشقيق، وحرصها على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار؛ للتوصُّل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة".
وقال إن المملكة "تتطلَّع أن تحقق النقاشات الجادة أهدافها، وأن تجتمع الأطراف اليمنية على الكلمة ووحدة الصف لينتقل اليمن إلى نهضة شاملة وتنمية مستدامة للشعب اليمني الشقيق، في ظل استقرار سياسي وأمن دائم، يتكامل مع النهضة التنموية للمنظومة الخليجية".
والملاحظ في فترة زيارة وفد الحوثي إلى الرياض وما تلاها غياب إثارة قضية الوسيط التي أثارها الحوثيون أثناء زيارة السفير لصنعاء، حيث ظهر دور المملكة كوسيط بين طرفين هم الحوثي والشرعية اليمنية، على عكس ما كان يرفضه الحوثي وتردده قياداته في صنعاء.
نقاط التفاوض
أحيطت العملية التفاوضية ما بين الحوثي والسعودية بقدر كبير من التكتم من قبل الجانب السعودي، بينما أحيطت بكم كبير من التسريبات بل واستعراض العضلات من قبل الحوثيين، وبحسب الأطراف المقربة من الحوثيين والتي تشهر عدائها للسعودية علنًا وتحمل مسميات في الحكومة الشرعية (وفق تناقضات قد لا تجدها إلا بالملف اليمني)، حيث كتب مستشار وزير الإعلام اليمني الذي يدير قناة تبث من تركيا وتعادي التحالف مختار الرحبي على صفحته في منصة إكس في 18/ سبتمبر أن أهم الملفات التي تتم مناقشتها في الرياض بين جماعة الحوثي والسعودية كالتالي:
1 - فتح كل مطارات اليمن والموانئ والطرقات بين المحافظات .
2 - السماح لشركات الطيران بالوصول إلى المطارات الدولية في اليمن.
3 - توحيد العملة اليمنية بين كل المحافظات.
4 - تسليم رواتب الموظفين وفق كشوفات 2014م.
5 - إسقاط الأسماء المطلوبة للتحالف العربي والسماح لكل القيادات من جميع الأطراف بالسفر.
6 - تشكيل لجان مشتركة لبناء الثقة وبناء جسور للتواصل بين الشرعية وجماعة الحوثي.
7 - ضمانات دولية وإقليمية لإعادة بناء اليمن جراء الحرب ومساعدة اليمن اقتصاديًا ومنع تدهور العملة الوطنية.
8 - التمهيد لمشاورات مباشرة بين الحوثيين والشرعية.
انتهاء الزيارة.. رد حوثي
بعد إجراء المحادثات بين السعوديين ووفد الحوثي أعلن الطرفان عن نهاية الزيارة وإجراء مزيد من المشاورات قريبًا دون تحديد التوقيت الفعلي لذلك وهو ذاته ما حدث إثر مغادرة الوفد السعودي صنعاء. لكن سرعان ما فاجأ الحوثيون المراقبين والسعودية ذاتها بعد يومين من انتهاء الزيارة بعرض عسكري في صنعاء.
حيث شهدت العاصمة اليمنية صنعاء يوم الخميس الموافق 21/سبتمبر، عرضًا عسكريًا مهيبًا في ميدان السبعين بمناسبة ما يسميه الحوثيون العيد الثامن لثورة الـ21" من سبتمبر" وهو ذكرى دخولهم صنعاء وسيطرتهم عليها عام 2014، حيث يعتبر هذا العرض الأضخم منذ ذلك الحين.
شارك في العرض العسكري مختلف الوحدات المسلحة التابعة للحوثيين؛ فضلًا عن مشاركة طائرات حربية تابعة للجيش اليمني السابق للمرة الأولى منذ بداية عاصفة الحزم وفرض الحظر الجوي على اليمن، حيث قام الحوثيون بإصلاح طائرات عسكرية قديمة قاموا بإخفائها طيلة السنوات الماضية. كما ضم العرض مجموعات من الصواريخ الباليستية وصواريخ إيرانية قال الحوثيون إنها إنتاجات حربية يمنية، فضلًا عن مشاركة كثيفة لأنواع مختلفة من الطائرات المسيرة.
دلالات العرض العسكري
يظن البعض أن الحوثي من خلال عرضه لقوته العسكرية يريد أن يوصل رسالة للإقليم عبر استعراض قوته، وباعتقادنا أن الحوثي من خلال حرصه على الظهور بمظهر القوي والمنتصر يريد أن يوصل الرسالة إلى الداخل اليمني أكثر منه إلى الخارج وتحديدًا لم هم في نطاق سيطرته بشكل خاص وإلى من هم في باقي الجغرافيا اليمنية التي لا يسيطر عليها بشكل عام.
يعاني الحوثي من احتقان شعبي كبير بسبب الأوضاع المعيشية للناس القابعين تحت رحمته، فلا مرتبات منذ سنوات ولا أمل بواقع معيشي أفضل، ما زاد من حالة الاحتقان عليه هو امتدادها إلى فئة أنصاره الأشد تأييدًا له خاصة أنهم قد فقدوا الكثير من ذويهم وأقاربهم في سبيل المجهود الحربي ضد العدوان الذي رسمه لهم طيلة السنوات الماضية، هذا العدوان نفسه الذي استضاف الحوثي وفده في صنعاء وذهب فريقه ليفاوضه في الرياض.
ظهر وفد الحوثي بصورة انتشرت كالنار بالهشيم مع سمو الأمير خالد بن سلمان وهم مبتسمون يجلسون بأدب، وتغيرت صيغة التعالي بالتعامل مع المملكة وبدا التعامل معها كوسيط حقيقي ولم تعد طرفًا، كل هذا يجري بوسط تهييج الشارع المحتقن أصلًا من الوضع المعيشي، مما جعل الحركة الحوثية بحاجه إلى ما يرفع الروح المعنوية لأنصارها مما يجعلهم يواجهون الاحتقان الشعبي ضدهم بشكل أقوى.
هم كذلك يرسلون رسالة للمناطق التي لا يسيطرون عليها مفادها يقول إننا أقوياء وفي طريقنا للسيطرة عليكم ولو بعد حين، ها نحن بعد سنوات طويلة نعود بسلاح الجو الذي منع عنا، ولا شيء بعدها سيُمنع عنا، في محاولة للظهور بمظهر المنتصر.
سيناريوهات استهداف القوة البحرينية
لم يمر على انتهاء جولة التفاوض الحوثي السعودي في الرياض عشرة أيام حتى فاجأ الحوثي السعودية والعالم من خلفها باستهدافه قوة من دفاع البحرين مرابطة على الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، عبر الهجوم عليهم بواسطة طائرات مسيرة استهدفت مواقعهم في العمق السعودي، مخلفًا شهداء وجرحى في وقت لا تشهد فيه الحدود الجنوبية أية مواجهات وهنالك تهدئة شاملة بإشراف أممي.
هذا الهجوم الحوثي يمكن قراءته بعدة سيناريوهات نستعرضها وفقًا للتالي:
السناريو الأول: محاولة ضغط حوثية على السعودية حيث إنهم ربما يريدون التسريع بعملية صرف المرتبات لتهدئة الشارع، كون السعوديين قد اشترطوا على الحركة الحوثية مجموعة اشتراطات تتعلق بآلية الصرف ونزاهتها لضمان وصول المرتبات لمستحقيها وعدم إهدارها على المجهود الحربي الذي تهدر فيه المليارات من الضرائب والجمارك وقيمة بيع البترول والغاز وغيرها، حيث يعاني الحوثي من ضغط شعبي قوي بسبب الحالة المعيشية الصعبة التي يعاني منها مواطنوه، الأمر الذي دعا قيادات المؤتمر الشعبي العام المشاركة في الحكم بصنعاء إلى الهجوم والتراشق العلني مع قيادات الحوثي حول مرتبات الموظفين المنقطعة منذ سنوات والتي يطالب الحوثي السعودية بصرفها من موارد النفط المصدر بالجنوب اليمني، ذلك النفط الذي يمنع الحوثي تصديره عن طريق استهداف ميناء التصدير بالطائرات المسيرة، في محاولة منه للضغط اقتصاديًا على الحكومة اليمنية في عدن للقبول بتقاسم عائداته.
السيناريو الثاني: مع مرور الوقت تكونت داخل الحركة الحوثية مجموعات قوى مختلفة شكلت أجنحة مختلفة تتصارع فيما بينها، حيث أن هنالك من يعارض فكرة التفاوض مع السعودية باعتبارها عدوانًا أو أن انتهاء الحرب يعني لهم نهاية مصالحهم، كذلك هنالك فصيل يدعوا لإعلان مملكة هاشمية وآخر يريد الإبقاء على الجمهورية الإسلامية، لذلك من المرجح أن أحد هذه الفصائل قد قام بهذا الاستهداف في محاولة منه لخلط الأوراق وإنهاء الطريق أمام مساعي السلام أو حتى إنهاء الحرب لأن إنهائها يعني السماح للشروع الآخر بالمرور.
السيناريو الثالث: استهداف القوة البحرينية تحديدًا لخلق فتنة داخل التحالف تضغط فيه البحرين للرد فتعود ضربات الطيران السعودية على صنعاء والظهور بمظهر المعتدى عليه لكسب تعاطف دولي عند نسف مساعي السلام.
ما بين التفسير الحوثي والموقف السعودي لم تقدم الحركة الحوثية أي تفسير منطقي للهجوم وأهدافه، حيث إنها اكتفت بتصريح المتحدث الرسمي محمد عبد السلام لوكالة رويترز ولم تصدر أي بيان حول العملية، وهذا ما يرجح احتمالية وجود صراع أجنحة داخل الحركة، جعلها تلتزم الصمت اتجاه تصرف أحد الأجنحة المعارضة للمفاوضات.
تفسير عبدالسلام للانتهاك كان غير موفقًا، وقد أبطله البيان البحريني قبل أن يصرح به، فالبيان البحريني كان قويًا وحدد بوضوح أن العمليات العسكرية تشهد توقفًا منذ فترة بين الأطراف ما يدلل على أن الهجوم جاء غدرًا. محاولة عبدالسلام توصيف ما حدث بالانتهاكات المؤسفة أغفل أن ما تحدث عنه من مقتل 12 يمنيًا عبر القوات السعودية على الحدود لا يتساوى مع الهجوم المنفذ من قبل طائرات مسيرة دخلت الأراضي السعودية واستهدفت القوة البحرينية في مواقع تمركزها في العمق السعودي بينما قد يكون من تحدث عنهم عبارة عن مهربين ينشطون في المناطق الحدودية بين البلدين.
الموقف السعودي على الرغم من تأخره نوعًا ما إلا أن التأخير تبرره سياسة ضبط النفس العالية التي تمارسها المملكة العربية السعودية اتجاه الملف اليمني منذ زمن بعيد، وتحديدًا بتعاملها مع حركة الحوثيين تحديدًا، كونها تدرك جيدًا أنها كنظام سياسي شرعي راسخ منذ زمن بعيد لا يمكن أن تتساوى مع مجموعة مليشياواتية تمارس المراهقة السياسية بتفويض خارجي يهدف إلى إحداث البلبلة في المنطقة بشكل عام.
الملاحظ في البيان المقتضب والقوي للخارجية السعودية هو عودة توصيفها للحركة الحوثية بالمليشية الإرهابية، الأمر الذي توقف ذكره منذ فترة دخول المملكة بمفاوضات مباشرة مع الحركة، وفي هذا تغيير واضح تريد فيه المملكة ترسل رسائل إلى الخارج الأممي الذي يمارس ضغوطات عليها كونها مضت في طريق المفاوضات والتهدئة إلا أنها لم تجد ند يستحق التعامل بجدية، وهو ما عززته الدعوى السعودية للمجتمع الدولي في ذات البيان إلى وقف تدفق السلاح للحركة الإرهابية والداخل اليمني بشكل عام، هذه الجزئية تحديدًا قد تكون مقدمة لطلب سعودي مستقبلي موجه للمجتمع الدولي لنزع السلاح عن كل الأطراف اليمنية.
تساؤلات مشروعة
يأتي الهجوم الحوثي في العمق السعودي ببيئة جغرافية معقدة نوعًا ما، ما يعيد للأذهان تساؤلات رافقت الهجمات الحوثية طيلة السنوات الماضية، فكيف تم تحديد موقع القوة البحرينية المتمركزة على الحد الجنوبي، هل الطائرات المسيرة الحوثية ذات الصناعة الإيرانية تتدفق إلى العمق السعودي بهذه السهولة التي تمكنها من الرصد الدقيق؟ أم أن هنالك من يقدم الإحداثيات من الداخل السعودي للحركة الحوثية؟
انتهاكات الهدنة الأممية لم تتوقف طيلة الحدود الفاصلة بين جنوب اليمن وشماله في جبهات الضالع ويافع ولحج، بينما تشهد هدوءً تامًا في الحديدة ومأرب، وكذلك تعز باستثناء هجومين استهدفا محافظ المحافظة قبل أشهر، ما يفتح الباب أمام تساؤل آخر وهو هل فعلًا يعتبر هذا الانتهاك هو الانتهاك الحوثي الوحيد على الحد الجنوبي السعودي أم هنالك انتهاكات أخرى تتكتم عليها السلطات السعودية سعيًا منها للتهدئة؟ خاصة وأن البيان الذي أعلن عن الحادثة كان بحرينيًا خالصًا ولم يصدر من التحالف العربي.
ختامًا..
علينا أن نفهم التكتيك الذي تتبعه الحركة الحوثية منذ بداية ظهورها، فهي دائمًا ما تفتعل الأزمات والمعارك لتتقدم وتسيطر عسكريًا، فتأتي المبادرات من العقلاء للصلح لتستجيب الحركة بدعوى حقن الدماء وإصلاح ذات البين وإفشاء السلام، لتقوم بعدها بتثبيت وضعها على الأرض وما تلبث أن تعيد نفس السيناريو بمواقع أخرى للتوسع. لسنا ببعيدين عن ذلك التكتيك الحوثي، هم يريدون الهدنة فقط كي يلملمون شتاتهم ويرتبون أوراقهم ويعودون مرة أخرى في دورة جديدة من الصراعات التي لا تنتهي. وهذا ما تؤكده الهجمة الحوثية على قوة الدفاع البحرينية.
ما هو الحل؟ الإبقاء على حالة الصراع أم تثبيت الهدنة ووقف القتال؟ فلا أحد يريد لهذه الحرب ولا للمعاناة اليمنية أن تستمر، لكننا أمام تعنت حوثي صلف لم تكسره سوى تجربة واضحة في الجنوب اليمني حيث تم القضاء عليه في أول أربعة أشهر من الحرب.
ونحن متأملون وراجون السلام، علينا ألا نستبشر بأن الحوثي سيجنح للسلام اليوم أو في الغد وهو ما تثبته الهجمات الأخيرة. الحوثي كأي مليشيا لا تفهم إلا لغة القوة، حتى وإن رضخت مجموعة منهم للسلام لن ترضخ المجموعة الأخرى.
بيان قوة دفاع البحرين استعرض تفاصيل ما وصفه بالعمل العدائي الغادر الذي جرى" عند قيام الحوثيين بإرسال طائرات مسيرة هجومية على مواقع قوة الواجب البحرينية المرابطة بالحد الجنوبي على أرض المملكة العربية السعودية الشقيقة"، البيان لم يغفل الإشارة إلى أن هذا الهجوم يأتي في وقت تشهد فيه العمليات العسكرية توقفًا بين أطراف الحرب في اليمن.
قراءة في الهجوم الحوثي على القوة البحرينية في الحدود الجنوبية السعودية
التفسير الحوثي للهجوم !
الجماعة الحوثية من جانبها اعترفت ضمنيًا بمسؤوليتها عن الحادث معتبرة الهجوم ضمن "خروقات الهدنة"، جاء ذلك في تصريح أدلى به محمد عبد السلام المتحدث باسم الجماعة ورئيس وفدها المفاوض الذي زار الرياض لوكالة "رويترز" يوم الثلاثاء، حيث وصف انتهاكات الهدنة بـ"الأمر المؤسف". متهمًا قوات التحالف بمواصلة خروقاتها للهدنة، مشيرًا إلى مقتل 12 من مقاتلي الجماعة خلال شهر واحد على الحدود السعودية.
لم يغفل عبدالسلام في تصريحه التشديد على" أهمية الدخول في مرحلة السلام الجاد وصولًا إلى تثبيت الوضع العسكري بالكامل بحيث تتوقف الخروقات من جميع الأطراف وتتحقق متطلبات السلام الشامل والعادل"..
ردود الأفعال..
ردود الأفعال المنددة والمتضامنة مع البحرين جاءت متتابعة حيث تقدمتها الخارجية الإماراتية التي وصفت الهجوم بأنه "يمثل استخفافًا بجميع القوانين والأعراف الدولية، مما يتطلب ردًّا رادعًا"، داعيةً المجتمع الدولي إلى "توحيد الجهود واتخاذ موقف حاسم لوقف هذه العمليات، والعودة إلى عملية سياسية تؤدي إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة".
من جانبها سارعت الحكومة اليمنية إلى إدانة الحادثة حيث أفادت وكالة الأنباء اليمنية " سبأ " الحكومية، بأن "وزير الخارجية أحمد بن مبارك أجرى اتصالًا هاتفيًا بنظيره البحريني عبداللطيف بن راشد الزياني، عبّر فيه عن إدانته الشديدة للهجوم الإرهابي الغادر من قبل الحوثيين (أنصار الله) بطائرات مسيرة على القوة البحرينية المرتبطة ضمن قوات التحالف في الحد الجنوبي بالمملكة العربية السعودية".
موقف التحالف العربي جاء على لسان المتحدث باسم قواته العميد تركي المالكي، الذي قال في بيان إن قيادة التحالف "تدين الهجوم الغادر من بعض العناصر التابعة للحوثيين، باعتباره عمل عدائي غادر في سياق الأعمال العدائية خلال الشهر الماضي باستهداف إحدى محطات توزيع الطاقة الكهربائية وأحد مراكز الشرطة بالمنطقة الحدودية". وأضاف: "مثل هذه الأعمال العدائية والاستفزازية المتكررة لا تنسجم مع الجهود الإيجابية التي يتم بذلها سعيًا لإنهاء الأزمة والوصول لحل سياسي شامل". مؤكدًا رفض قيادة القوات المشتركة لتلك الاستفزازات المتكررة واحتفاظها بحق الرد في المكان والزمان المناسبين.
بدورها تأخرت المملكة العربية السعودية في الإدانة حيث جاء بيان وزارة خارجيتها مع الساعات الأولى لفجر اليوم التالي من الهجوم، حيث "أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة واستنكار المملكة للهجوم الغادر الذي تعرضت له قوة دفاع مملكة البحرين الشقيقة المرابطة على الحدود الجنوبية للمملكة، والذي أسفر عنه استشهاد عدد من جنودها البواسل وإصابة آخرين." ، مؤكدةً وقوفها وتضامنها التام مع مملكة البحرين الشقيقة، داعيةً إلى "وقف استمرار تدفق الأسلحة لمليشيا الحوثي الإرهابية ومنع تصديرها للداخل اليمني، وضمان عدم انتهاكها لقرارات الأمم المتحدة".
الهدنة الأممية.. وما بعدها
في يوم الخميس الموافق 14/ أبريل /2022 وفي إحاطته الافتراضية لأعضاء مجلس الأمن الدولي وبحضور مارتن جريفيتس وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيتس، بشر المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج العالم بهدنة إنسانية في اليمن لمدة ثلاثة أشهر قائلًا "إن هناك ضوءً في نهاية النفق بعد حوالي ثلاثة أشهر من المفاوضات، اتفقت الأطراف على مبادرة الأمم المتحدة لهدنة في عموم البلاد لمدة شهرين وقابلة للتجديد – وهي أول هدنة (يتم التوصل إليها) منذ ستة أعوام."
تجددت هذه الهدنة واستمرت إلى يومنا هذا، تخللتها العديد من الأحداث التي تستحق الاهتمام، فخلال هذه المدة الزمنية تحقق تقدم ملموس في ملفات مهمة منها التقدم المحرز في ملف الأسرى حيث تم تبادل ما يقارب ال900 أسير بين الحكومة اليمنية والحوثيين في أبريل المنصرم بصفقة أشرفت على تنفيذها منظمة لصليب الأحمر الدولية، وكان في مقدمة المفرج عنهم وزير الدفاع السابق محمود الصبيحي وناصر منصور هادي شقيق الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي اللذين سبق وأن طالب مجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى إطلاق سراحهما منذ بداية الحرب قبل تسعة أعوام، فضلًا عن الإفراج عن كلٍّ من شقيق ونجل طارق محمد صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي وأربعة صحفيين محكوم عليهم بالإعدام في سجون الحوثي.
تلى ذلك ذهاب وفد قبلي من مدينة أبين الجنوبية إلى صنعاء للمطالبة بالإفراج عن ابن مدينتهم اللواء فيصل رجب الذي أسره الحوثيين في بداية الحرب مع وزير الدفاع وشقيق هادي، ما دفع الحوثيين إلى الاستجابة لمطلب الوفد والإفراج عنه، الأمر الذي تم تفسيره حينها أنها خطوة تريد من خلالها الحركة لكسب شعبية الأوساط القبلية في مدينة أبين التي يشتكي البعض فيها من التهميش خاصة بعد تنازل الرئيس هادي عن السلطة وهو المنتمي لنفس المدينة.
السفير في صنعاء.. وسيط أم طرف؟
لم تمر أيام على إنهاء صفقة التبادل حتى تفاجأ المراقبون للشأن اليمني بأول زيارة معلنة لوفد سعودي رفيع المستوى إلى صنعاء يترأسه السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، حيث سبقتها تبادل لقاءات بين الطرفين ( السعودي – الحوثي ) برعاية الوسيط العماني في مسقط، وسبقها تسريبات عن زيارة سرية للسفير إلى صنعاء لم يوكدها أيًا من الطرفين. انتهت الزيارة بعد سلسلة لقاءات عقدها الوفد كان أبرزها مع رئيس الجمهورية في صنعاء مهدي المشاط ومجموعة كبيرة من قيادات الصف الأول الحوثية، وأعلن أن اللقاءات ستستكمل بين الطرفين مستقبلًا، حيث كان واضحًا أن الطرفين قد اصطدموا بنقاط متعددة منها رغبة الحوثيين بتوصيف المملكة كطرف في الحرب بينما تقدم السعودية نفسها كوسيط.
الحوثي في عاصمة الوسيط
وفي يوم الخميس الموافق 14/سبتمبر/2023 أعلن في الرياض عن وصول وفد حوثي برئاسة المتحدث الرسمي للحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي منذ سنوات محمد عبدالسلام يرافقه مجموعة من أبرز القيادات العسكرية والسياسية للحركة. لم يعلن عن تفاصيل اللقاءات التي عقدها الحوثيون في الرياض حيث أحيطت زيارتهم بقدر عالٍ من التكتم على عكس ما حدث أثناء زيارة الوفد السعودي صنعاء.
في ختام الزيارة أعلن وزير الدفاع السعودي صاحب السمو الأمير خالد من سلمان على حسابه في منصة إكس عن لقائه ما أسماه بوفد صنعاء قائلًا " التقيت وفد صنعاء الذي زار الرياض لاستكمال الجهود الرامية لدعم مسار السلام في اليمن. أكدت خلال لقائي بالوفد وقوف المملكة مع اليمن وشعبه الشقيق، وحرصها على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار؛ للتوصُّل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة".
وقال إن المملكة "تتطلَّع أن تحقق النقاشات الجادة أهدافها، وأن تجتمع الأطراف اليمنية على الكلمة ووحدة الصف لينتقل اليمن إلى نهضة شاملة وتنمية مستدامة للشعب اليمني الشقيق، في ظل استقرار سياسي وأمن دائم، يتكامل مع النهضة التنموية للمنظومة الخليجية".
والملاحظ في فترة زيارة وفد الحوثي إلى الرياض وما تلاها غياب إثارة قضية الوسيط التي أثارها الحوثيون أثناء زيارة السفير لصنعاء، حيث ظهر دور المملكة كوسيط بين طرفين هم الحوثي والشرعية اليمنية، على عكس ما كان يرفضه الحوثي وتردده قياداته في صنعاء.
نقاط التفاوض
أحيطت العملية التفاوضية ما بين الحوثي والسعودية بقدر كبير من التكتم من قبل الجانب السعودي، بينما أحيطت بكم كبير من التسريبات بل واستعراض العضلات من قبل الحوثيين، وبحسب الأطراف المقربة من الحوثيين والتي تشهر عدائها للسعودية علنًا وتحمل مسميات في الحكومة الشرعية (وفق تناقضات قد لا تجدها إلا بالملف اليمني)، حيث كتب مستشار وزير الإعلام اليمني الذي يدير قناة تبث من تركيا وتعادي التحالف مختار الرحبي على صفحته في منصة إكس في 18/ سبتمبر أن أهم الملفات التي تتم مناقشتها في الرياض بين جماعة الحوثي والسعودية كالتالي:
1 - فتح كل مطارات اليمن والموانئ والطرقات بين المحافظات .
2 - السماح لشركات الطيران بالوصول إلى المطارات الدولية في اليمن.
3 - توحيد العملة اليمنية بين كل المحافظات.
4 - تسليم رواتب الموظفين وفق كشوفات 2014م.
5 - إسقاط الأسماء المطلوبة للتحالف العربي والسماح لكل القيادات من جميع الأطراف بالسفر.
6 - تشكيل لجان مشتركة لبناء الثقة وبناء جسور للتواصل بين الشرعية وجماعة الحوثي.
7 - ضمانات دولية وإقليمية لإعادة بناء اليمن جراء الحرب ومساعدة اليمن اقتصاديًا ومنع تدهور العملة الوطنية.
8 - التمهيد لمشاورات مباشرة بين الحوثيين والشرعية.
انتهاء الزيارة.. رد حوثي
بعد إجراء المحادثات بين السعوديين ووفد الحوثي أعلن الطرفان عن نهاية الزيارة وإجراء مزيد من المشاورات قريبًا دون تحديد التوقيت الفعلي لذلك وهو ذاته ما حدث إثر مغادرة الوفد السعودي صنعاء. لكن سرعان ما فاجأ الحوثيون المراقبين والسعودية ذاتها بعد يومين من انتهاء الزيارة بعرض عسكري في صنعاء.
حيث شهدت العاصمة اليمنية صنعاء يوم الخميس الموافق 21/سبتمبر، عرضًا عسكريًا مهيبًا في ميدان السبعين بمناسبة ما يسميه الحوثيون العيد الثامن لثورة الـ21" من سبتمبر" وهو ذكرى دخولهم صنعاء وسيطرتهم عليها عام 2014، حيث يعتبر هذا العرض الأضخم منذ ذلك الحين.
شارك في العرض العسكري مختلف الوحدات المسلحة التابعة للحوثيين؛ فضلًا عن مشاركة طائرات حربية تابعة للجيش اليمني السابق للمرة الأولى منذ بداية عاصفة الحزم وفرض الحظر الجوي على اليمن، حيث قام الحوثيون بإصلاح طائرات عسكرية قديمة قاموا بإخفائها طيلة السنوات الماضية. كما ضم العرض مجموعات من الصواريخ الباليستية وصواريخ إيرانية قال الحوثيون إنها إنتاجات حربية يمنية، فضلًا عن مشاركة كثيفة لأنواع مختلفة من الطائرات المسيرة.
دلالات العرض العسكري
يظن البعض أن الحوثي من خلال عرضه لقوته العسكرية يريد أن يوصل رسالة للإقليم عبر استعراض قوته، وباعتقادنا أن الحوثي من خلال حرصه على الظهور بمظهر القوي والمنتصر يريد أن يوصل الرسالة إلى الداخل اليمني أكثر منه إلى الخارج وتحديدًا لم هم في نطاق سيطرته بشكل خاص وإلى من هم في باقي الجغرافيا اليمنية التي لا يسيطر عليها بشكل عام.
يعاني الحوثي من احتقان شعبي كبير بسبب الأوضاع المعيشية للناس القابعين تحت رحمته، فلا مرتبات منذ سنوات ولا أمل بواقع معيشي أفضل، ما زاد من حالة الاحتقان عليه هو امتدادها إلى فئة أنصاره الأشد تأييدًا له خاصة أنهم قد فقدوا الكثير من ذويهم وأقاربهم في سبيل المجهود الحربي ضد العدوان الذي رسمه لهم طيلة السنوات الماضية، هذا العدوان نفسه الذي استضاف الحوثي وفده في صنعاء وذهب فريقه ليفاوضه في الرياض.
ظهر وفد الحوثي بصورة انتشرت كالنار بالهشيم مع سمو الأمير خالد بن سلمان وهم مبتسمون يجلسون بأدب، وتغيرت صيغة التعالي بالتعامل مع المملكة وبدا التعامل معها كوسيط حقيقي ولم تعد طرفًا، كل هذا يجري بوسط تهييج الشارع المحتقن أصلًا من الوضع المعيشي، مما جعل الحركة الحوثية بحاجه إلى ما يرفع الروح المعنوية لأنصارها مما يجعلهم يواجهون الاحتقان الشعبي ضدهم بشكل أقوى.
هم كذلك يرسلون رسالة للمناطق التي لا يسيطرون عليها مفادها يقول إننا أقوياء وفي طريقنا للسيطرة عليكم ولو بعد حين، ها نحن بعد سنوات طويلة نعود بسلاح الجو الذي منع عنا، ولا شيء بعدها سيُمنع عنا، في محاولة للظهور بمظهر المنتصر.
سيناريوهات استهداف القوة البحرينية
لم يمر على انتهاء جولة التفاوض الحوثي السعودي في الرياض عشرة أيام حتى فاجأ الحوثي السعودية والعالم من خلفها باستهدافه قوة من دفاع البحرين مرابطة على الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، عبر الهجوم عليهم بواسطة طائرات مسيرة استهدفت مواقعهم في العمق السعودي، مخلفًا شهداء وجرحى في وقت لا تشهد فيه الحدود الجنوبية أية مواجهات وهنالك تهدئة شاملة بإشراف أممي.
هذا الهجوم الحوثي يمكن قراءته بعدة سيناريوهات نستعرضها وفقًا للتالي:
السناريو الأول: محاولة ضغط حوثية على السعودية حيث إنهم ربما يريدون التسريع بعملية صرف المرتبات لتهدئة الشارع، كون السعوديين قد اشترطوا على الحركة الحوثية مجموعة اشتراطات تتعلق بآلية الصرف ونزاهتها لضمان وصول المرتبات لمستحقيها وعدم إهدارها على المجهود الحربي الذي تهدر فيه المليارات من الضرائب والجمارك وقيمة بيع البترول والغاز وغيرها، حيث يعاني الحوثي من ضغط شعبي قوي بسبب الحالة المعيشية الصعبة التي يعاني منها مواطنوه، الأمر الذي دعا قيادات المؤتمر الشعبي العام المشاركة في الحكم بصنعاء إلى الهجوم والتراشق العلني مع قيادات الحوثي حول مرتبات الموظفين المنقطعة منذ سنوات والتي يطالب الحوثي السعودية بصرفها من موارد النفط المصدر بالجنوب اليمني، ذلك النفط الذي يمنع الحوثي تصديره عن طريق استهداف ميناء التصدير بالطائرات المسيرة، في محاولة منه للضغط اقتصاديًا على الحكومة اليمنية في عدن للقبول بتقاسم عائداته.
السيناريو الثاني: مع مرور الوقت تكونت داخل الحركة الحوثية مجموعات قوى مختلفة شكلت أجنحة مختلفة تتصارع فيما بينها، حيث أن هنالك من يعارض فكرة التفاوض مع السعودية باعتبارها عدوانًا أو أن انتهاء الحرب يعني لهم نهاية مصالحهم، كذلك هنالك فصيل يدعوا لإعلان مملكة هاشمية وآخر يريد الإبقاء على الجمهورية الإسلامية، لذلك من المرجح أن أحد هذه الفصائل قد قام بهذا الاستهداف في محاولة منه لخلط الأوراق وإنهاء الطريق أمام مساعي السلام أو حتى إنهاء الحرب لأن إنهائها يعني السماح للشروع الآخر بالمرور.
السيناريو الثالث: استهداف القوة البحرينية تحديدًا لخلق فتنة داخل التحالف تضغط فيه البحرين للرد فتعود ضربات الطيران السعودية على صنعاء والظهور بمظهر المعتدى عليه لكسب تعاطف دولي عند نسف مساعي السلام.
ما بين التفسير الحوثي والموقف السعودي لم تقدم الحركة الحوثية أي تفسير منطقي للهجوم وأهدافه، حيث إنها اكتفت بتصريح المتحدث الرسمي محمد عبد السلام لوكالة رويترز ولم تصدر أي بيان حول العملية، وهذا ما يرجح احتمالية وجود صراع أجنحة داخل الحركة، جعلها تلتزم الصمت اتجاه تصرف أحد الأجنحة المعارضة للمفاوضات.
تفسير عبدالسلام للانتهاك كان غير موفقًا، وقد أبطله البيان البحريني قبل أن يصرح به، فالبيان البحريني كان قويًا وحدد بوضوح أن العمليات العسكرية تشهد توقفًا منذ فترة بين الأطراف ما يدلل على أن الهجوم جاء غدرًا. محاولة عبدالسلام توصيف ما حدث بالانتهاكات المؤسفة أغفل أن ما تحدث عنه من مقتل 12 يمنيًا عبر القوات السعودية على الحدود لا يتساوى مع الهجوم المنفذ من قبل طائرات مسيرة دخلت الأراضي السعودية واستهدفت القوة البحرينية في مواقع تمركزها في العمق السعودي بينما قد يكون من تحدث عنهم عبارة عن مهربين ينشطون في المناطق الحدودية بين البلدين.
الموقف السعودي على الرغم من تأخره نوعًا ما إلا أن التأخير تبرره سياسة ضبط النفس العالية التي تمارسها المملكة العربية السعودية اتجاه الملف اليمني منذ زمن بعيد، وتحديدًا بتعاملها مع حركة الحوثيين تحديدًا، كونها تدرك جيدًا أنها كنظام سياسي شرعي راسخ منذ زمن بعيد لا يمكن أن تتساوى مع مجموعة مليشياواتية تمارس المراهقة السياسية بتفويض خارجي يهدف إلى إحداث البلبلة في المنطقة بشكل عام.
الملاحظ في البيان المقتضب والقوي للخارجية السعودية هو عودة توصيفها للحركة الحوثية بالمليشية الإرهابية، الأمر الذي توقف ذكره منذ فترة دخول المملكة بمفاوضات مباشرة مع الحركة، وفي هذا تغيير واضح تريد فيه المملكة ترسل رسائل إلى الخارج الأممي الذي يمارس ضغوطات عليها كونها مضت في طريق المفاوضات والتهدئة إلا أنها لم تجد ند يستحق التعامل بجدية، وهو ما عززته الدعوى السعودية للمجتمع الدولي في ذات البيان إلى وقف تدفق السلاح للحركة الإرهابية والداخل اليمني بشكل عام، هذه الجزئية تحديدًا قد تكون مقدمة لطلب سعودي مستقبلي موجه للمجتمع الدولي لنزع السلاح عن كل الأطراف اليمنية.
تساؤلات مشروعة
يأتي الهجوم الحوثي في العمق السعودي ببيئة جغرافية معقدة نوعًا ما، ما يعيد للأذهان تساؤلات رافقت الهجمات الحوثية طيلة السنوات الماضية، فكيف تم تحديد موقع القوة البحرينية المتمركزة على الحد الجنوبي، هل الطائرات المسيرة الحوثية ذات الصناعة الإيرانية تتدفق إلى العمق السعودي بهذه السهولة التي تمكنها من الرصد الدقيق؟ أم أن هنالك من يقدم الإحداثيات من الداخل السعودي للحركة الحوثية؟
انتهاكات الهدنة الأممية لم تتوقف طيلة الحدود الفاصلة بين جنوب اليمن وشماله في جبهات الضالع ويافع ولحج، بينما تشهد هدوءً تامًا في الحديدة ومأرب، وكذلك تعز باستثناء هجومين استهدفا محافظ المحافظة قبل أشهر، ما يفتح الباب أمام تساؤل آخر وهو هل فعلًا يعتبر هذا الانتهاك هو الانتهاك الحوثي الوحيد على الحد الجنوبي السعودي أم هنالك انتهاكات أخرى تتكتم عليها السلطات السعودية سعيًا منها للتهدئة؟ خاصة وأن البيان الذي أعلن عن الحادثة كان بحرينيًا خالصًا ولم يصدر من التحالف العربي.
ختامًا..
علينا أن نفهم التكتيك الذي تتبعه الحركة الحوثية منذ بداية ظهورها، فهي دائمًا ما تفتعل الأزمات والمعارك لتتقدم وتسيطر عسكريًا، فتأتي المبادرات من العقلاء للصلح لتستجيب الحركة بدعوى حقن الدماء وإصلاح ذات البين وإفشاء السلام، لتقوم بعدها بتثبيت وضعها على الأرض وما تلبث أن تعيد نفس السيناريو بمواقع أخرى للتوسع. لسنا ببعيدين عن ذلك التكتيك الحوثي، هم يريدون الهدنة فقط كي يلملمون شتاتهم ويرتبون أوراقهم ويعودون مرة أخرى في دورة جديدة من الصراعات التي لا تنتهي. وهذا ما تؤكده الهجمة الحوثية على قوة الدفاع البحرينية.
ما هو الحل؟ الإبقاء على حالة الصراع أم تثبيت الهدنة ووقف القتال؟ فلا أحد يريد لهذه الحرب ولا للمعاناة اليمنية أن تستمر، لكننا أمام تعنت حوثي صلف لم تكسره سوى تجربة واضحة في الجنوب اليمني حيث تم القضاء عليه في أول أربعة أشهر من الحرب.
ونحن متأملون وراجون السلام، علينا ألا نستبشر بأن الحوثي سيجنح للسلام اليوم أو في الغد وهو ما تثبته الهجمات الأخيرة. الحوثي كأي مليشيا لا تفهم إلا لغة القوة، حتى وإن رضخت مجموعة منهم للسلام لن ترضخ المجموعة الأخرى.