في أرضٍ طيّبة شربت من دموع الأمهات أكثر مما شربت من المطر،

وفي وطنٍ أنهكته الحرب حتى خجلت الجبال من صلابتها، تعلو من بين الأنقاض تساؤلات تهمسها الأرواح…

هل من الممكن أن ينهض مجتمعٌ تهدّمت بيوته، إذا بقيت أرواح عائلاته حية؟

ما بين أطياف الدخان، ونبض القلوب المعلّقة بالدعاء، يبرز مشهد خفيّ لا يرصده الإعلام:

طفل يبحث عن أمّه لا ليأكل، بل ليسمع حكاية قبل النوم، أب ينحت من صخر الفقد ابتسامةً كي لا ينهار قلب أطفاله،

وأمّ تُرتّق شرخ العالم بيد، وتحضن باليد الأخرى نبع المستقبل.

في هذا الوطن المجروح، الأسرة لم تمت بل تقاوم.

الأسرة ليست بيتًا من طين أو حائطًا من حجر، هي وعاء النور، المدرسة الأولى، النبض الذي لا يتوقف وهي الشعلة التي، إن بقيت مشتعلة في القلوب، أنارت قرىً بأكملها حتى ولو لم يكن فيها كهرباء.

الشباب، في كنف الأسرة، لا يتعلّمون القراءة فقط، بل يتعلّمون كيف يُصلّون بالنية، كيف يحلمون بالسلام، كيف يُداوون العالم وهم لم يُداوَوا بعد.

وحين تُزرع فيهم هذه البذور، لا كلمات محفوظة، بل فضائل حية، يصبح باستطاعة كل شاب أن يُحرّك العالم، لا بصوت عالٍ، بل بخطى ثابتة نحو الحق، بخدمةٍ خفيّة، بموقفٍ أخلاقيّ في وجه الفوضى.

إن الحرب، مهما اشتدّت، لا تقتل الإنسان إلا إن قُتلت روحه.

وما دام هناك بيتٌ صغير، فيه يجتمع أفراد حول شعلة الحب والمشورة، وما دام هناك أمّ تقول:"سأربّيهم على السلام، ولو كسرنا الخبز إلى نصفين"، وما دام هناك أبٌ يقول:"لن أصرخ، بل سأكون مرآة الصبر"، فإن العالم بعد الحرب سيولد على يد هؤلاء.

السؤال إذن: هل الحرب ستنتهي؟

بل: هل نستطيع أن نخلق في قلب الحرب نواةً لعالمٍ جديد؟

والجواب: نعم.

إذا جعلنا الأسرة سفينة النور، وحوّلنا الألم إلى مدرسة للتعاطف، وفتحنا نوافذ أرواحنا للضياء، حتى إن أُغلقت نوافذ بيوتنا. فليكن لكل عائلة في اليمن، وفي العالم، رسالة: أنكم لستم عابرين في ليل المحنة، بل أنتم إشراقة يوم جديد، يبزغ لا من مدافع، بل من صدورٍ صامدة، تقول للعالم: نحن نؤمن أن بناء الأرض يبدأ من دفء البيت.

ودمتم في كنف الله سالمين ومؤيدين..