أيام الأيام :قواعد المرور عند أهل الحبشة وأهل اليمن

> علي محمد يحيى

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
عندما يود أن يفاخر الشباب الأثيوبي بما تحقق في بلاده في مجال النظام العام، فإن أول ما يفاخر به هو نظام حركة المرور. رغم معاناته العميقة من الفقر ومن قدم السيارات في بلاده وقلة ومحدودية صلاحية الطرق التي تسير عليها تلك السيارات، إلاّ أن اعتزازه واحترامه لقواعد المرور يكادان أن يكونا من العلامات الفارقة مقارنة بعالمنا العربي واليمن بوجه خاص.

ويتندر الشباب الأثيوبي في مدينة أديس أبابا العاصمة ببعض الحكايات الغريبة التي لم تكن تخطر على بال .. حكاها لهم آباؤهم عن بعض تجارب المستعمر الإيطالي في إرساء قواعد النظام العام في البلاد، فعندما أدخل الإيطاليون أولى المركبات السيارة إلى أديس أبابا، كان ضحايا السير في طريق تلك السيارات التي يراها المواطن لأول مرة يصل إلى عشرات القتلى في اليوم الواحد، فحاول المستعمر الإيطالي بشتى الطرق توعية السكان وتعليمهم قواعد المرور لتفادي موتهم الأليم، فبرغم الإشارات ورسم خطوط المشاة، وانتشار شرطة المرور على طول طرق السيارات، إلاّ أن حجم الضحايا يزداد يوماً عن يوم، فخطرت فكرة غير إنسانية لدى مدير مرور أديس ابابا الفاشي.. إذ كلف قناصة مدججين بالبنادق يقف كل منهم في جوانب الطرق وبجانب خطوط عبور المشاة. فإذا لم يسر العابر للطريق على خط المشاة أو تجاوز الخط يميناً أو يساراً أرداه القناص قتيلاً.. مما أثار الذعر والفزع والهلع لدى السكان. فلم يعد أحدهم يقطع الطريق إلاّ على خط عبور المشاة. وهكذا تعود السكان احترام قواعد المرور منذ ذاك العهد إلى يومنا هذا. وبقي المواطن الاثيوبي يمثل النموذج الأرقى في وعيه باحترام تلك القواعد والقوانين رغم الأسلوب البربري الفاشي غير الإنساني الذي اتبع معه أول الأمر.

وإذا ما قارنا حالة وعينا المروري مع أهل الحبشة اليوم، بعد أن افتقدناه خلال الخمس عشرة سنة الماضية، فإنه لا سبيل للمقارنة، إذ لم نعد نحترم الطريق ولا إشارات المرور ولا قواعد العبور رغم أن عدن هي من أقدم مدن اليمن والجزيرة العربية استخداماً لطرق السيارات إن لم تكن أولها. وعرفت إشارات وأنظمة المرور مع أول مركبة سارت على طرقها قبل ما يقارب المائة عام.

فإذا ما أردنا تشخيص حالة نظام المرور عندنا وما آلت اليوم إليه وضعيته، فإننا نتألم ونتحسر، فقد توقفت معظم إشارات المرور الضوئية أو أزيلت من أماكنها لكثرة أعطالها، وكذلك هو الحال لأنواع الإشارات الأخرى، فإن معظمها في حالة يرثى لها وتحتاج كلها إن صح القول إلى تحديث، إذ لم تعد تتلاءم مع اشتداد وتوسع حركة السيارات في كل المحافظات، و بشكل خاص في عدن التي تتميز بشوارعها الضيقة. كما أن الكثير من أعمدة تلك الإشارات أو معظمها تحتاج إلى إحلال بأنواع جديدة، ولا يُترك الباب مفتوحاً بلا رقيب أو حسيب لمبادرات الشركات التجارية والصناعية بتجديد تلك الإشارات بدلاً عن الجهة المعنية - الإدارة العامة للمرور - فتجدها فرصة لعرض إعلاناتها الطاغية على أهداف تلك الإشارات التي وجدت من أجلها، فتفقد مصداقيتها حين ينافسها الإعلان التجاري على صاريتها.

أما حال رجال المرور فذلك يتطلب وقفة، فتدني مستوى دخلهم الذي لا يكفل لهم حياة مناسبة لا يساعدهم على التنفيذ الخلاق والصارم نصاً وروحاً لقوانين المرور، مما قد يدفعهم إلى مد اليد بسبب الحاجة لكفاية أسرهم ومن يعولون، كما أنهم يفتقرون إلى مياه الشرب أثناء تأدية مهامهم، لهذا يجب أن تصلهم بشكل منتظم كي لا يُجبروا على ترك مواقعهم بحثاً عن الماء، خاصة أولئك الذين يؤدون واجباتهم في التقاطعات للطرق الطويلة خارج التجمعات السكانية وفي ظل حرارة الشمس ولهيب الصيف. وفي إطار عملهم الفني فإنهم يفتقرون إلى الكثير من المستلزمات المرورية اللازمة لأداء عملهم ليلاً ونهاراً ، التي لا بد أن تشمل أيضاً الأدوات الحديثة للاتصالات التي تربطهم بشبكة المرور وقيادته، ومنحهم الصلاحيات وفق القانون، التي تمكنهم من أداء دورهم الأساسي في تنظيم حركة المرور، وفي الوقت نفسه حمايتهم من المستهترين بهيبة القانون كبارهم وصغارهم المتمترسين وراء ستار أن القانون لا يطالهم. ولا ننسى الاهتمام بمظهر رجال المرور والمراقبة الميدانية فيما يتعلق بالتدخين ومضغ القات أثناء الواجب.

والأهم من هذا كله إدراكنا نحن المواطنين لدورنا المتحضر الذي يستوجب علينا الوقوف بإيجابية تجاه نظام المرور ورجاله، وحاجتنا المستمرة إلى برامج مكثفة إرشادية، ميدانياً وعبر وسائل الإعلام حتى لا نحتاج إلى نوع من القسوة الإصلاحية لنسترد بها وعينا المفقود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى