الضرائب والباعة الصغار

> علي هيثم الغريب

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
بعد أن اتسعت دائرة غضب الناس ضد قانون الضريبة العامة للمبيعات المتمثل بالعشرة بالمائة الذي ينفذ في مطلع شهر يوليو القادم، وكذلك إضراب بائعي القات من أبناء الضالع بسبب الضريبة المفروضة عليهم من قبل المقاول في نقطة دارسعد، استوقفتني كلمة الأخ نعمان الصهيبي رئيس مصلحة الضرائب، عندما قال إن ضريبة المبيعات معمول بها في كل العالم ولا تلزم سوى كبار المكلفين («الأيام» 17 مارس 2005م).

ولكن لم يبين لنا الأخ الصهيبي الفرق الشاسع بين ذلك العالم وعالمنا العربي، ففي عالم النصارى وأوربا المسيحية يستطيع أي مواطن حائز على إفادة مسجلة لدى الجهات الرسمية أو على رخصة بمزاولة النشاط العملي الفردي الحصول على سلفة بنكية تسدد خلال سنوات بفائدة تكاد تكون صفراً .. وترمي السلفة إلى مساعدة المواطن الفقير على اقتناء المعدات اللازمة لعمله (شراء الأدوات أو المواد ودفع أجرة المحل المستأجر أو الأدوات المستأجرة)، ويمكن أن يرفع مقدار القرض المصرفي بنسبة 70% إذا كان القرض مبرراً اقتصادياً، وتقرر القوانين في تلك البلدان المسيحية للمواطنين الذين يزاولون النشاط العملي الفردي حداً أعلى موحداً للمداخيل غير خاضع للضريبة، إذ لا تؤحذ الضريبة من كل فرد يتجاوز متوسط دخله الشهري مبلغ 100 دولار وذلك خلال سنة، وتزداد الضريبة بشكل تصاعدي بعد ذلك المبلغ على كافة المداخيل حتى تصل إلى 65% . ولا تراقب الدولة مداخيل المواطنين، ولا تفرض عليهم محاصيل أخرى مثل الواجبات والزكاة وغيرها، انطلاقاً من حقيقة واحدة وهي أن الضرائب أو الزكاة أو الواجبات، وكذلك الرسوم لا تكتسب أبعادها الواضحة إلا بردها إلى السياق الاجتماعي والديني الذي تبلورت فيه والواقع الاقتصادي والتجاري الذي طبقت فيه وتعاملت معه. فهذا حديث عمر بن الخطاب ] لعماله على الخراج، حيث قال لعثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان : «انظرا مالديكما، انظرا ألا تكونا حملتما أهل الأرض مالا يطيقون»، وقال عندما جاءه مال كثير: «إني لاظنكم قد أهلكتم الناس»، وأخذ عمر بن الخطاب ] على نفسه عهداً بالمحافظة على فيء المسلمين، فقال : «.. ولكم علي أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها : لكم علي أن لا أجتبي شيئاً من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم علي إذا وقع في يدي أن لا يخرج مني إلا في حقه»، (كتاب: الخراج ص 73)، ويتضح هنا جلياً أن مفهوم الخراج لا يتحدد كايديولوجية اقتصادية، لكن قانون الضرائب وأشكال عمل الواجبات والزكاة الناتج عن تطور الوعي التجاري الرأسمالي، وفي ظل انحطاط المجتمع العربي وتفككه بشكل أيديولوجية استثمارية بامتياز، أي أن الوعي الضرائبي لم يعد وعياً دينياً في البلدان العربية بل وعيا تجارياً كما هو حال الغرب.

وإذا كانت الغرف التجارية قد وقفت ضد الرفض الشعبي لقانون المبيعات وعلى حساب الناس البسطاء، فهذا الموقف محصلة لعلاقة تجارية بينها وبين الحكومة، يعكس هشاشة العلاقة بين الأغنياء والفقراء، الذين يقبعون تحت خط الفقر وبنسبة 42% وفقاً لبيانات البنك الدولي، حتى وإن كان القانون لا يلزم إلا كبار المكلفين والتجار الذين يكون رأس مالهم التجاري فوق الخمسين مليون ريال، فإن الخاسر الأول والأخير هو المواطن؛ لأن التاجر سيبحث عن دخل لتغطية الـ 10%. إن الحكومة بعد أن وضعت الضرائب والواجبات و «حق العسكري»، تريد وضع المسحة الإسلامية عليهما بتحصيل الزكاة من قبلها.

وهنا يظهر المأزق الاقتصادي الذي انساقت إليه الغرف التجارية التي حتى وإن خسرت الفقراء وعددهم أكثر من تسعة ملايين، فإنها ستربح الكثير من خلال علاقتها مع الحكومة ؛ أي أن قانون الضريبة الجديد يتفق مع فكرة «المنفعة»، وليس على فكرة «حاجة الفقراء»، ومن هنا تجيء العلاقة المثلثة بين الحكومة وكبار التجار والربح على حساب العلاقة بين الحكومة والفقراء وصغار التجار، وهكذا فإن «الزكاة» كركن من أركان الإسلام تعتبر ثابتة وصالحة في كل زمان ومكان، بل إنها تفرض نظاماً اجتماعياً صالحاً للأمم الفقيرة إذا وزعت على الفقراء بصورة عادلة.

ولكن قانون الضرائب و «عسكرة الواجبات»، جاء على حساب البائع، والمنتج الصغير، الذي أصبح من الصعب تصور كيف يكسب وكيف يسيطر على مكسبه لتسديد قيمة الكهرباء والماء وأجرة العامل والمحل، وهنا اختلطت حدود «الحلال» و «الحرام» فأين العدالة من كل ذلك؟

ولماذا لا يعفى البائع أو المنتج الصغير من دفع ضريبة الدخل، وتكتفي مصلحة الضرائب بدفع قيمة مزاولة المهنة من قبله؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى