شهر مالك فيه دامكيه مالك من عدود أيامه: «عتاولة الميناء » هرّبوا ( هيتشنسن ) و« المتمصلحون» يشرعون سراً لقانون يحول ميناء عدن إلى مؤسستين

> لطفي شطارة

>
لطفي شطارة
لطفي شطارة
قبل أكثر من شهرين توقفت ومن خلال هذه الجريدة في موضوع مطول حول المناقصة الدولية التي أعلنتها الدولة لاستجذاب الشركات العالمية لإدارة محطة الحاويات في عدن، التي أحيلت مسؤوليتها إلى وزير النقل وبقرار من مجلس الوزراء، الذي بدوره كلف مدير ميناء عدن بالإشراف على محطة الحاويات بعد أن تم فصلها عن إدارة المنطقة الحرة التي عصدت وأفشلت المشروع الحلم لكل أبناء اليمن لاهتمامها فقط بـ «الدجاجة التي تبيض ذهبا» وأقصد محطة الحاويات، وبعد سنوات من الشد والأخذ صح الصحيح، واقتنع المسؤولون أن تضارب المصالح لخدمة ومنفعة أفراد قلة من المتنفذين سيضر بالميناء كمشروع والدولة كجهة داعية للاستثمار، وأعيدت المحطة إلى الميناء كجهة مشرفة عليا كما هو سارٍ في كل بلاد العالم، فلماذا تبقى اليمن دائما هي الاستثناء ؟

تمت عملية طرح المناقصة وحضرت شركات كبيرة منها (هيتشنسن) ـ من هونغ كونغ ـ وهي إحدى كبريات الشركات العملاقة في إدارة محطات الحاويات في العالم، وبلغت الشركات المتقدمة 9 شركات انسحبت جميعها وبقيت ثلاث فقط وهي «سلطة موانئ دبي، والشركة الكويتية الدولية للموانئ ( كيه جي إل )، وشركة (آي سي تي إس آي) الفلبينية، وجميعها شركات لا تتناسب والطموح المأمول له من هذا المشروع، فدبي غير مناسبة لعدن لتضارب المصالح بسبب إدارتها لموانئ كثيرة في المنطقة، والشركة الفلبينية بسبب ضعفها المالي والدليل أنها لم تستطع الحصول إلا على 39 مليون دولار وكقرض لادارة محطة البلطيق في بولندا، أما الشركة الكويتية فلديها القدرة المالية ولكن ليس لديهم خبرة في إدارة موانئ الحاويات وخبرتها اقليمية فقط، كما أنها اسم غير معروف في سوق إدارة محطة الحاويات يمكن المراهنة عليها لإحداث نقلة في عمل محطة عدن للحاويات، ولكن الخطأ ارتكبته الدولة عندما جعلت المناقصة مفتوحة أمام الجميع ولم تضع أية قيود فنية أمام المشاركين فيها أو أنها لم تحدد نوعية الشركات المطلوب دخولها المنافسة.

ورغم أن لكل من هذه الشركات تجربة في مجال إدارة محطات الحاويات أو الإنفاق في ادارة مشاريع كهذه، إلا أنها لا ترتقي إلى منافسة (هيتشنسن) أو(بي اس ايه)، فعلى سبيل المثال الشركة الكويتية التي يتردد أنها وعدت بإنفاق أكثر من 200 مليون دولار لتطوير وتحسين نشاط محطة الحاويات في عدن لا تملك الخبرة أو السمعة الدولية لتأهيلها للعب هذا الدور، ويجب الاعتراف أن لجميع هذه الشركات تجارب محدودة ، وهذا ليس تقليلا بل حقيقة تعرفها الشركات نفسها ، حتى وإن حاولت دبي التي تمد شبكة مشاريعها من جيبوتي إلى الهند أن تدخل المنافسة بواسطة رجال أعمال يمنيين لتسهيل تمرير الصفقة على طريقة «يمنفست» التي افشلت المحطة والمنطقة الحرة معا، وحسب قول د. محمد حمود الوذن، نائب رئيس الهيئة العامة للمناطق الحرة، رئيس هيئة المنطقة الحرة بعدن في منتدى «الأيام» يوم الاربعاء الماضي: «إن المنطقة الحرة تمثل التحدي الكبير بالنسبة لعدن، مع جود المنافسة الجادة مع المناطق الحرة التي أقيمت ببعض البلدان المجاورة ومنها دبي، التي تحاول فرض الاحتكار وتضييق الخناق بهذا المجال، وخاصة بعد أن أقامت ميناء للحاويات في جبيوتي»، وأزيد من جانبي ان دبي ضمنت من عدة بنوك عالمية حوالي 75 بالمئة من المبلغ الإجمالي لتطوير وبناء محطة للحاويات والمنطقة الحرة في جيبوتي بحوالي 300 مليون دولار فكيف إذن نمنحها محطة عدن، ولكن لماذا مغامرة هذه الشركات «المغمورة» في المشروع وهروب شركات أخرى مثل (هيتشنسن) التي لو استجذبتها الحكومة اليمنية لإدارة محطة عدن للحاويات لشهدنا انفراجا غير مسبوق على ميناء عدن سيعيده إلى سابق مجده أيام الادارة البريطانية له أي قبل 1967، ومع هذا حدث ما توقعته سابقا، أن شركة بحجم (هيتشنسن) لن تقبل بسياسة (القطط الجائعة) وليس لديها متسع من الوقت لاشغال نفسها (في ترويض) «عتاولة» و«متنفذين» لا هم لهم إلا كروشهم وزيادة أرصدتهم في الداخل والخارج، ولا يملأ عيونهم إلا التراب، بعض هؤلاء كانوا سببا في هروب شركة (هونغ كونغ) عندما حلقوا على الفندق الذي نزل فيه مندوبها في صنعاء ، واقتنع الرجل ومسؤولوه وقتها، وبعد تقريره الذي استمع إليه أعضاء مجلس إدارة الشركة حول زيارته للبلاد أن الدخول في هذه المناقصة مغامرة قد تدمر سمعة الشركة عالميا، خاصة وأن انسحاب شركة ( بي اس ايه) السنغافورية وبالطريقة التي انسحبت بها من محطة عدن للحاويات قد رسمت صورة مظلمة لكيفية إدارة الامور الاقتصادية في اليمن، وشركة بحجم (هيتشنسن) لا بد وأنها «استعلمت» عن الأسباب التي أدت إلى انسحاب الشركة السنغافورية والأسباب التي دفعتها لذلك قبل أن تقرر هي المغامرة من عدمها، هذا الرأي تحدثنا فيه وممثل تلك الشركة كان موجودا في صنعاء و(القطط) كانت تحوم حوله حاملة «مناخش» تنظف أسنانها استعدادا للكتف الجديد، ولكن في بلادنا لا حياة لمن تنادي، وكل من يتحدث في تفاصيل الأمور ويضع النقاط على الحروف ينعت بعدم الوطنية ويخون، فأين الوطنية اليوم عند الذين يتكالبون على الشركات الزائرة للاستثمار في بلادنا وكانوا سببا في هروب كبريات الشركات العالمية عن المساهمة في إدارة هذا المشروع الحيوي .

بعد كل ما تم وما يجري مازلت أشتم رائحة لا أقول إنها مؤامرة لتدمير محطة الحاويات وتدمير سمعة ميناء عدن، تسير على نفس الطريقة التي تمت بها الصفقة مع «يمنفست» وربما من الاشخاص أنفسهم ، وضاعت 10 سنوات في مهب الريح دمرت خلالها سمعة الميناء ، ووضع في قائمة الموانئ الخطرة في العالم، ورفضت شركات عالمية حتى الدخول في المناقصة لإدارته، وتضاعف طابور العاطلين عن العمل الذين كانوا سيستفيدون من المشروع، والسبب أن الدخول في المناقصة فتح للجميع حتى (المغل ) أبو الفول في المعلا أمام مقهاية الفقي لو كان عنده رأسمال ومعه اثنين «عتاولة» واحد من العيار الثقيل والآخر من المتوسط لوجد نفسه حاملا (سامسونايت) ويهرع بين الشركات التي هرعت وسمح لها باستلام دفتر المناقصة وخبرته مع احترامي للمغل (واحد فاصوليا وواحد شاهي جرو)، والنتيجة ما وصلنا إليه الآن .

فالدولة إن كانت جادة في إعادة ازدهار المحطة وكذا استعادة ميناء عدن سمعته العالمية لتمسكت بشركة (هيتشنسن) بأسنانها أو تركت للمسؤولين في ميناء عدن بحكم الخبرة حرية التفاوض لجلب البديل أو طرح رأي بذلك، ولأن هذه الأصول لا تتماشى مع نظام الفوضى الادارية في بلادنا وتدخل (المعاقيل ـ جمع معقلة) للاسف الشديد، فها هي شركة (هيتشنسن) نفسها قد حصلت أخيرا على صفقة إدارة ثلاث محطات للحاويات منها اثنتان في مصر وهما محطة الاسكندرية ومحطة الدخيلة في شمال مصر، إلى جانب محطة (جدنيا) للحاويات في بولندا، لماذا سلمت مصر هذه الشركة مينائين وبولندا ايضا؟ ، ونحن جعلناها تهرب من اول زيارة لمندوبها؟ مثل هذه الشركات العملاقة وابتعادها عن مشاريع في اليمن وسبقتها (بي اس ايه) السنغافورية يجعل بقية الشركات العالمية التي تأتي في المقدمة عالميا في ادارة محطات الحاويات تسأل السؤال نفسه الذي نطرحه الآن وهو لماذا تتحدث الدولة بشيء وتمارس غيره ، ولماذا تصدر القوانين المشجعة للاستثمار وتنفر الشركات من أول زيارة لهم للاستطلاع ميدانيا؟ ولمصلحة من يجري العبث ليس بالمحطة ولكن بالميناء برمته؟

وهذا دليل آخر على أن في الدولة جهات محددة تعمل عكس توجيهات القيادة وتقدم استشارات تتماشى ليس مع المصلحة العامة بل مع ما ينسجم ومصالحها الشخصية فقط.

السؤال متى ستوقف الدولة العبث وتدخل جهات كثيرة لا علاقة لها بشؤون الميناء أو بمحطة عدن للحاويات التي جاءت كجزء مهم من مشروع المنطقة الحرة في هذه المدينة التي ستظل تشحن بالوعود لنفخ مشاريع عبارة عن (زماميط أو بالونات ) فقط، وإلى متى سيظل الجميع يتدخل ويصر على إبعاد اصحاب الشأن وأصحاب الخبرة وأصحاب الدراية في هذا المجال وأقصد إدارة ميناء عدن؟ ولماذا يصر الكثيرون على التحدث مع الدولة وقيادتها نيابة عن إدارة الميناء او الاقتصاديين وذوي الخبرة في هذا الجانب؟ ولماذا تتصرف بعض الجهات الحكومية وكأنها تفرض الوصايا على أموره الفنية التي ستقود إلى مزيد من الكوارث للميناء وللدولة.

فخلال زيارته الأخيرة لعدن ولقائه بقيادات المحافظة، وجه الرئيس علي عبدالله صالح سؤالاً واضحا لتلك القيادات بالقول (هل وحدتم الميناء أو لازالت الازدواجية موجودة؟) ، وكان واضحا أنه يلمح إلى ضم محطة عدن للحاويات كجزء من ميناء عدن وتديرها ادارة الميناء ، وكان الرئيس يشير بشكل واضح هل سلمتم محطة الحاويات لادارة ميناء عدن، ويقصد هل طبق قرار مجلس الوزراء في نقل مسؤولية ادارة محطة الحاويات في عدن إلى وزير النقل الذي بدوره كلف ميناء عدن تولي الاشراف على إدارة هذه المحطة، ولم يقف أي من المسؤولين حتى اولئك الذين يعلمون أن هناك مشاورات «سرية» تجريها جهات في الحكومة لإعادة فصل محطة الحاويات عن إدارة الميناء ، حيث يتم الآن الإعداد لإصدار قانون للمؤسسات، وتكشف التسريبات الأولية أن القانون الجديد سيجعل من محطة عدن للحاويات مؤسسة مستقلة، ومؤسسة ميناء عدن مؤسسة مستقلة ايضا، ولا أدري لماذا يتم تسمية محطة عدن للحاويات كميناء ، والصحيح أن المحطة هي جزء من الميناء، وأي استثمارات أو استحداثات في حرم الميناء يجب ان يكون ذلك مباشرة من اختصاص إدارته، ولنا مثل في ذلك ايام مجد الميناء في عهد (مجيد جرجرة) الذي عمل كبيرا للمهندسين في الموانئ الكندية، عندما تم بناء محطة للزيت في ميناء عدن في الخمسينات وتم تشييد مراسي خاصة لشركات خاصة بالاتفاق مباشرة مع ادارة الميناء فقط ، أما اليوم فهذه الادارة هي آخر من يعلم ولا نعرف لمصلحة من يتم تهميشها وهي صاحبة الخبرة والشأن معا، ولا أعلم لأي هدف يتم إعداد صياغة إنشاء مؤسستين في ميناء واحد، إلا إذا كان الهدف هو استمرار التبذير والعبث بالمال العام عبر الصرف الشهري في محطة الحاويات (لخمسة اشخاص فقط) مبلغ 150 ألف دولار شهريا توزع منها عمولات نقدية (لفتوات الميناء ) في الدولة، الذين يسهلون استمرارية الإدارة الحالية في محطة الحاويات ( او بي ام)، وهذا المبلغ لا يشمل صرفيات العمالة اليمنية، هؤلاء هم العقبة وهم من يريدون تدمير المحطة والميناء معا، ولن تقوم لا للمحطة ولا لميناء عدن أية قائمة مادام يتم التعامل معهما بعقلية كم لي وكم لك، أما مصلحة البلاد والعباد فهي في آخر سلم أولويات مسؤولينا، ويبقى المواطن هامشاً رقمياً يستجر المثل القائل «شهر ما لك فيه دامكيه ما لك من عدود أيامه».

والله من وراء القصد.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى