قصة قصيرة بعنوان (التركة)

> محمد أبوبكر الحداد

> كان أيمن الأصغر بين إخوانه، وكان يتقبل كل توجيهاتهم وانتقاداتهم أحياناً بصبر وإكبار، وأحياناً بتضجر وتأفف. وطالما انتقصه أخوه جابر وتهكم من تصوراته التي يقترحها، لم يبد أيمن أي امتعاض، حيث كانت الصولة له في البيت، ولأنه كان يشعر أنه الوحيد الذي يجب أن يُرهب، لأنه يهب وقته وراحته لأجل إسعاد الأسرة بعد موت الوالد.

كبر أيمن وبدأ يشق طريق بمفرده، ويختط منهجاً وسلوكاً يختلف كلياً عن خيارات جابر، مما جعله محط احترام أهل الحي، خصوصاً أن جابر كانت تبدر منه بعض التصرفات التي تخدش الحياء، في حين كانت الأسرة تتجرعها مخافة أن تفقد المورد الوحيد الذي تقتات منه.

لم يعر جابر لأيمن أي اهتمام، وكان يعامله وكأنه لا يزال صغيراً، وأنه وصي عليه، يجب أن تظل الأصوات أمامه خافتة، والرؤوس منحنية، وعلى الجميع أن يتقبلوا آراءه بروح الرضا.

كان أيمن يدرك في أخيه روح الاستعلاء، وميله للهيمنة، وتأكيد الذات فكان يتحاشي الصدام به، ويفضل جذب الحوار إلى مواضيع جانبية حتى لا يثير حفيظته، غير أن جابر كان يصر على أن يظل الحوار كما يريده هو ويساير قناعاته، وكان كلما احتدم الحوار بينهما، لم يستطع أحد فضّه إلا الأم المسكينة التي لا تنجو من بعض تهكمات جابر لميلها نحو صغيرها كما يزعم.

وجدت سلوكيات أيمن كل القبول والإعجاب، خصوصاً أنه كان يعمل بصمت دون ضجيج، عكس أخيه الذي إن وفق في عمل، فإنه يظل لساعات بل لأيام يردد فضله وعبقريته، مما تسبب في نفور الناس منه ومن تصرفاته.

حتى حان موعد تقسيم التركة، أحضر جابر كشف حساب طويل عن كل فلس أنفقه منذ وفاة الوالد، وأعلن ذلك أمام الحاضرين، مما أصابهم بالذهول، خصوصاً أنهم يعملون أن التجارة التي خلفها أبوهم هي نفسها التي ينميها جابر، وأنهم كانوا يأكلون ويلبسون من أموالهم.

هنا خرج أيمن عن صمته وأعلنها مدوية في أذني جابر بأن المال مال الجميع، وأن له قسطه مثلهم دون زيادة أو نقصان .. ومن حينها لم تتصافح الأيدي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى