مرسيدس لكل مواطن

> محمد سالم قطن

> لا أدري من هو ذلك التاجر الألمعي الذي أدخل مؤخراً إلى سوق الأحذية في بلادنا، هذه التشكيلة الجديدة من الأحذية الجلدية الفاخرة. كلها، على الرغم من الكميات الكبيرة منها، تحمل بالاسم والرسم معاً، ماركة السيارة الألمانية الفارهة الشهيرة (مرسيدس بنز).صحيح أنه ومنذ زمن بعيد، قد جرى القول الشائع (إن التجارة شطارة) مجرى الأمثال، كما قد صارت المقولة نفسها كالبعد الثالث للمعادلة التجارية فيما بين الربح والخسارة.

إلا أنه كما يبدو لي أن في هذه المسألة شيئاً ما يتجاوز العملية التجارية العادية، فالأمر أكبر من كونه (اقتباساً) أو سرقة اسم لماركة مشهورة، فالفرق هائل جداً بين فارهة خصوصية تجري على أربع (واثقة الخطوة تمشي ملكاً) وبين زوج من الأحذية (نعال أعزكم الله).

يتراءى لي أن في المسألة إسقاطاً درامياً وبعداً سيكولوجياً جرى تصميمه على نحو ما، فيه من الإبهار والألمعية الشيء الكثير، ألم نقرأ قديماً عن نظرية التعويض النفسي؟ واستخداماتها المتنوعة في مجالات البروباجندا لتطويع الشعوب واستغفال الناس بمزيج الوهم والخرافة، تعويضاً لهم عن واقعهم المعاش ودنياهم الرثة.

قد يعترض البعض على مثل هذا التحليل ويعتبره مبالغة أفرزتها النظرة التشاؤمية، أو عكستها ظروف الفقر لدى غالبية هذا الشعب، الذي يزدحم أفراده على مواقف الباصات، ويحوقل معظمهم لمرأى المواكب العامرة بالسيارات الفارهة. صحيح أن للتجارة فنونها في الدعاية والترويج، لكنها وفقاً وهذا التحليل لا تقوى على الاستعانة بهذا المستوى الباهر من الإسقاط، ففي شعب لا زال معظم أفراده يعيشون كما عاش أسلافهم في أزمنة الأحذية وعصور النعال، يكتسب هذا النموذج المتحذلق في الانتعال بعداً نفسياً جديداً.

إذ تغمر النشوة منتعل أحذية المرسيدس في لحظة الانتعال كل جسده وفي كامل الاتجاهات، من أخمص القدمين وحتى أعلى الصدغين، تماماً كما تسري لحظة الاندهاش بنشوة القات لدى (المولعي) مع بدايات المقيل وأوائل الأغصان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى