بايجي الخير: رأس سمكة بالمجان .. مبروك للجوعان!

> نعمان الحكيم

>
نعمان الحكيم
نعمان الحكيم
هل ينسى التاريخ موقف سيدنا عمر بن الخطاب]، وهو الخليفة الذي كان لا ينام إلا بعد الاطمئنان على المسلمين في ظل دولة خلافة الإسلام التي كانت وما زالت أنموذجاً للعدل والإنصاف وإغاثة الملهوف على مر التاريخ؟!

وهل يمكن أن ننسى موقف الخليفة العادل الفاروق، يوم أن مر يتفقد أحوال المسلمين ليجد في أحد المساكن ما جعله يتوقف ملياً ليستطلع الأمر.. فإذا بامرأة لها عدد من الأطفال الجياع، وبكاؤهم حرمهم المنام لشدة الجوع، فأسعفتها الحيلة بوضع الحصى في قدر على النار، ما جعل الأطفال يستمعون إلى حركة الحصى والماء يغلي وكأن وجبة (عصيدة) ستصل إلى أفواههم.. إلى أن غشاهم النعاس.. وناموا.. ناموا جياعاً، إلا من رحمة الله ورأفته بهؤلاء الفقراء المحتاجين، الذين كانت نعمة النوم خلاصاً لهم من الجوع.

والعادل عمر كان قد قال فيه الشاعر اللبيب المنصف وهو يخاطب زوجه عن المعيشة: «ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به

أولى فقومي لبيت المال رديها»

وهي النظرة الحانية العاطفة، والمسؤولية التي يسائل الله عنها يوم القيامة عباده خاصة من يتولون أمور المسلمين في كل أمور الحياة .. فكيف بإغاثة ملهوف جائع؟!

هذا الموقف جعل عمر بن الخطاب يبكي وهو يخاطب تلك المرأة المسلمة، التي لم تجد إلا أن تحتال على أطفالها، وكان الله معها .. فعاد خليفة المسلمين مسرعاً إلى بيته، وحمل أكياساً من الحبوب والدقيق ومتطلبات العيش، على ظهره الكريم، وطرق باب المرأة التي لم تصدق.. وكاد يغمى عليها.. وصاحت: فدتك نفسي يا خليفة رسول الله [ ويا خليفة المسلمين أن تتجشم المتاعب لتحمل ذلك على ظهرك.. و .. ولم يدعها تكمل وقال ] اطبخي وأطعمي أطفالك من فضل الله تعالى .. ولا تعودي إلى مثل ذلك العمل.. أو - ربما - هكذا هي الرواية!

هذا السرد العطر .. نستذكره اليوم بألم وحسرة، بعد أن مر على ذلك الحدث العظيم أكثر من ألف سنة، نستذكره الآن وأغلب الأسر جياع .. إلا من لقمة لا تكاد تسد رمق الجوع .. في حين هناك أناس يعبثون بالمال وكأنه التراب .. لكن لم يلجأ أحدهم إلى تتبع حال الجياع والفقراء والمساكين الذين زادت حالاتهم سوءاً اليوم، في حين نحن نتغنى بالمنجزات ونقيم الاحتفالات ونصرف عليها عشرات الملايين من الريالات، لا لشيء إلا لإظهار أشياء هي في نفس يعقوب، كما يقول المثل .. وعلى حساب الناس المطحونين الجياع!

ذكرني زميل عزيز بهذا الينبوع العطر لعطاء الإسلام ونقائه وعدله ومساواته، وعطفه على المستحقين، الذين يجب لهم أداء الأمانة لإعطائهم من مال الله، وخيراته الممنوحة لعباده.. ذكرني بموقف امرأة في المعلا، شبيه بتلك المرأة والفارق بينهما ألف سنة وأكثر .. وهل لها ألا تفعل ذلك؟!

امرأة عفيفة فقيرة في أحد محال الأسماك تطلب من البائع أن يهشم لها رأس الحوت الصغير، لكي تحمله إلى بيتها لتؤكل به (البسس) الصغيرة.. فتعجب صاحبي وسألها.. والله فيك الخير أن تهتمي بالبسس (القطط) لأنها لم تعد تحصل على شيء ، فالناس لم يستغنوا عن بقايا اللقمة لندرتها وغلائها.. فردت عليه: يا ابني معي بسس صغار هم أطفالي الجياع، وليس لي من حيلة إلا رأس الصيد هذا، بعد أن يخرج لي العيون والخياشيم .. فأقوم بوضعه في (الصانونة) أطعمه للجهال لكي يحسبوا أن هناك صيداً ، ويأكلوا .. وما باليد حيلة يا ابني الله يسترك!

رأس حوت من بائع بالمجان، لكن وراءه قصة بالمليان، ومبروك لك ياجوعان فقد تكرم البائع بمنحه لوالدتك لكي تؤكل به (البسس)، ولم يدر في خلده أن القطط هي مجموعة أطفال لا معيل لهم إلا امرأة هدها الفقر والعوز، وصارت مع عفافها لا تقوى على الشحت، إلا ما يمكن أن تقوم به كحيلة شريفة، وهي الأم التي تري جيرانها يأكلون ويسرحون ويمرحون.. الله يعطي من يشاء ويزيد!

إن هذه المرأة في زمن العولمة.. لم تجد من يمثل دور العادل عمر ليأتي لها بما تحتاج هي وأطفالها من طعام .. أو عون، لربما أن هذه العجوز لم يمر عليها عداد التعداد، ولم يحسبوها من ضمن ساكني عدن الجياع.. الجياع اليوم وليس الأمس القريب!

في اليمن عامة، وعدن خاصة - أيها السادة - فقراء وصلت أعدادهم إلى أكثر من (ثلاثين ألف أسرة) ولم يجدوا من يطعمهم أو يوظف بعض أبنائهم .. في عدن غبن وقهر أن لا يجد ابن عدن (بالمخلقة أو المواطنة) لقمة عيش أو وظيفة إلا ما ندر.. فهل بعد هذا يحق لنا أن نصرخ.. أين أنت يا ابن الخطاب أيها العادل الأمين.. بعد أن فقدنا عدلك وحنانك ومسؤوليتك التي سجلها التاريخ، ولن يسجلها لغيرك في هذا الزمن، لأن العولمة والبنك الدولي و(الجات) و(نادي باريس) قد حولونا إلى حيتان بشرية، لا تعرف العدل ولا الإنسانية .. أبداً.

لك الله يا هذه الأم .. وحتماً ستجدين من يسخره الله ليمد لك يد العون، أما الحكومة ومرافقها المعنية بالفقراء فلهم أن يتحسبوا العذاب والجزاء العادل يوم يقفون بين يدي الخالق عز وجل .. وهل ينفعهم ما كسبوا حينها؟!.. كلا وألف كلا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى