أيام الأيام...حزّ في نفسي

> محمد عبدالله باشراحيل

> نقول له متقاعد وآخرون يقولون له «مُت قاعد» - حز في نفسي ما رصدته جريدة «الأيام» الغراء في عددها 4453 الصادر يوم الثلاثاء الماضي الموافق 12 أبريل 2005م عن مأساة المتقاعدين في محافظة عدن، وربما المعاناة نفسها في محافظات أخرى، فالأمر لا يقتصر على المرتب التقاعدي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، بل على طريقة الإذلال التي تقابلهم وتعاملهم بها لجان صرف المعاش القادمة من العاصمة صنعاء، فهل يجوز لامرأة متقاعدة مثل السيدة شدر غالب أن يحصل لها كما قالت «ثلاثة أيام ونحن سارحين مروحين ومن طابور إلى طابور ويقولوا لنا اليوم مش دورك فإلى متى هذا العذاب؟». وبطبيعة الحال هنا الأسلوب يعكس سلوكاً جائراً وغير إنساني ومرفوضاً. والسؤال المطروح هل هذا ناتج عن عجز في التنظيم أم أنه مقصود ومتعمد؟ كما قال المتقاعد إبراهيم علي «هذا الذي يحصل مقصود لعرقلة مرتبات المتقاعدين، فهذه اللجان النازلة والطالعة ليس لها من جدوى سوى الحصول على مخصصات» بمعنى أنه كلما طالت فترة تسليم المتقاعدين مرتباتهم زادت مخصصات أعضاء اللجان، ومصائب قوم عند قوم فوائد!

فمتى ستزول مصائب هؤلاء القوم (المتقاعدين)؟ ومتى ستوقف فوائد أولئك القوم (أعضاء اللجان)؟ قليل من الرحمة والمسؤولية بالمتقاعدين يا مسؤولين!!

2- وحز في نفسي أيضاً المرتبات الهزيلة في قوتها الشرائية الحالية التي يستلمها المتقاعدون نتيجة لارتفاع الأسعار الهائل (التضخم الكبير) والمتمثل أيضاً في سعر الدولار الواحد بالريال، حيث كان عام 1991م = 22 ريالاً، وعام 1992م = 5.28 ريال، وحالياً في شهر أبريل من عام 2005م وصل إلى ما يقارب 190 ريالاً، وهذه الأسعار مستقاة من جهات رسمية. قال لي أحد المتقاعدين كان مرتبه عندما تقاعد في ديسمبر من عام 91م بالضبط 4850 ريالاً، أي أكثر من 220 دولاراً حينذاك، في حين استلم في شهر مارس 2005م مبلغ 9500 ريال أي ما يعادل 50 دولاراً، أو ما قاله لي متقاعد آخر أنه كان مديراً ويتقاضى مرتباً تقاعدياً عام 1992م بلغ حوالي 8500 ريال، وكان هذا المبلغ في وقته يساوي تقريباً 300 دولار، ويستلم حالياً 14000 ريال ويقابله بالدولار 78 تقريباً. كيف سيواجه هؤلاء متطلبات الحياة الأساسية مقابل هذه المرتبات التقاعدية الزهيدة والهزيلة؟ أبهذه الطريقة نرد لهم الجميل بعد أن أفنوا زهرة أعمارهم في خدمة هذا الوطن؟ والجدير بالإشارة أنه قد لفت نظري البند (2) من المادة (77) من قانون التأمينات والمعاشات لعام 1991م ونصه «زيادة المعاش في ضوء الأسعار القياسية وذلك بنسبة يحددها قرار جمهوري بناء على عرض الوزير»، ويطبق هذا البند في حال وجود مال زائد عن الخطة الاستثمارية لصندوق المعاشات، وأياً كان الوضع فالمهم روح النص وما يهدف إليه. فمن واقع البيانات الرسمية يتضح أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك قد ارتفع أكثر من سبعة أمثال مع بداية عام 2005م مقارنة بعام 1992م، أي أن ما كان سعره في المتوسط من السلع والخدمات 100 ريال، أصبح سعره في بداية هذا العام 700 ريال، وبعبارة أخرى أن المتقاعد الذي كان مرتبه 4850 ريالاً عام 1991م يحتاج إلى حوالي 35000 ريال، أما الآخر الذي كان مرتبه عام 1992م يساوي 8000 ريال فيحتاج الآن إلى حوالي 56000 ريال ليعيشا بالمستوى المعيشي نفسه الذي كانا عليه عام 1992م دون زيادة.

3- وحز في نفسي أكثر، المادة (23) من مشروع قانون الوظائف والأجور والمرتبات المعروض على مجلس النواب الموقر، التي نصها «يتم الإبقاء على الراتب التقاعدي في وضعه الحالي إلى حين الانتهاء من تنفيذ الاستراتيجية»، أي إلى ما بعد 2010م في أحسن الأحوال، وإذا حصل تأخير في التنفيذ فعلى المتقاعدين الانتظار حتى تنفذ الاستراتيجية الوطنية للأجور والمرتبات.

وحسب تقديرنا فإن معظم المتقاعدين يتقاضون مرتباً أقل من 12000 ريال، وهو الحد الأدنى للأجور كما هو مزمع تنفيذه في يوليو القادم كما نشر في عدد من الصحف المحلية، ومنها صحيفة «الأيام» .. والغريب أن المادة (27) من قانون التأمينات والمعاشات الصادر عام 1991م تنص على «لا يجوز أن يقل مبلغ المعاش التقاعدي عن الحد الأدنى للأجور، وذلك في جميع الأحوال المؤهلة للتقاعد وفق أحكام المادة (19) من هذا القانون» .. فما هذا التناقض؟ ليس لدي تعليق على المتقاعد سوى: نحن نقول له «متقاعد» وآخرون يقولون له «مُتْ قاعد»

ومن البديهيات أن خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في معظم بلدان العالم تأتي في مقدمة أهدافها وأولوياتها تحسين ورفع المستوى المعيشي للمواطن .. فأين نحن من هذه البديهيات؟َ

كبير خبراء ورئيس قسم الإحصاءات الاقتصادية (سابقاً) بالأسكوا - الأمم المتحدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى