صناعة التسوّل

> محمد عبدالله الموس

>
محمد عبدالله الموس
محمد عبدالله الموس
اطلعنا خلال الأسابيع الماضية في صحيفة «الأىام» وكان آخرها العدد (4455) الصادر في 14 أبريل على ما كتبه الأستاذ محمد عبدالله باشراحيل «الخبير الدولي» وهو يفند ويشرح «حرفنات» (خبراء سوق الملح) في التفنن في تعذيب عباد الله والتضييق عليهم، وما آل إليه الحال من تراجع القدرة الشرائية لدخولهم بسبب التضخم من جهة وإلغاء الدعم الذي كان يسند هذه الدخول من جهة أخرى.

ولأن الرجل خبير اقتصادي فقد تناول موضوع الأجور والمرتبات من مختلف الزوايا بما فيها الجانب الإنساني باعتبار الدولة تتحمل قدراً من المسؤولية تجاه مواطنيها، وهم جنودها ودافعو ضرائبها وأصحاب الحق في خيرات البلاد وما أجهزة الدولة إلا أمناء على هذه الخيرات وممثلون عن المواطنين في إدارة شؤونهم بما يحفظ لهم كرامة العيش.

قد لا نستطيع حصر عدد اللجان وورش العمل والندوات التي شهدتها بلادنا خلال السنوات الماضية -بالمناسبة، تمويل عمل اللجان يتم من خزينة الدولة وورش العمل والندوات تمول من جهات مانحة-إلا أننا لم نلمس مقدار الاستفادة من نتاج هذه الورش والندوات ناهيك عن عدم نشر حصيلتها تعميما للفائدة خصوصا ما يتعلق منها بالاستثمار والمعيشة ومكافحة الفقر على أسس تحمل صفة نهج.

ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد اطلعت على استمارة (بحث اجتماعي) توزعها إحدى الجمعيات الخيرية تشتمل على بيانات وحاجات المستهدفين من نشاطها بما فيه التدريب المهني الذي يحتاجه أفراد الأسرة، وذلك جهد يستحق القائمون عليه الشكر، وهو يلفت النظر إلى أنواع أخرى من هذا النشاط.

جمعيات البر والإحسان وما يندرج في حكمها كثيرة يتبع بعضها جهات وأرباب عمل وشخصيات، بعضها إنساني مجرد لوجه الله وبعضها لأهداف، وهناك نوع يقع في إطار الدعم الدولي لمساعدة الشعوب الفقيرة وتشرف عليه الحكومة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية، وشق آخر لهذا النوع من النشاط وهو (مكافحة الفقر) ويمول خارجيا يقدم للمستهدفين مبالغ نقدية تبدأ (بعشرة آلاف ريال) وتتعداها إلى أكثر قليلا مع أن مقدار التضخم لا يسمح بإنشاء مشاريع بهذه النقود القليلة حتى لو وصلت إلى عشرة أضعافها والقاسم المشترك في كل هذا النشاط هو أنه لا يؤسس لشيء يمكن البناء عليه إذا لم يكن مدمرا.

مع حفظ «الشكر والتقدير» للقائمين على هذه الجهود إلا أن الأمور «المصيرية» ترفع «الحرج» وتوجب «العذر»، فهذه الجهود وإن كانت تساعد على تحمل ضنك العيش وسد بعض الفجوة بين دخل الناس ومحتاجاتهم -وهي فجوة كبيرة- لكنها تجعل التباري في الحصول عليها يسبق ما عداه وقد يصل الأمر إلى التزوير في بعض البيانات. فإذا أضفنا إلى ذلك طوابير «المتقاعدين» وحجم (الفائضين) وضآلة ما يحصلون عليه وغياب فرص العمل للعاطلين فإن الصورة تصبح أكثر سوءاً، وتشير إلى خلل بالغ الخطورة وهي تراجع بدائل العمل والإبداع - بسبب غيابها- لصالح نمط آخر من كسب العيش.

أمر كهذا لا يحتاج إلى تعليق، على أنه يمكن القول إن جملة السياسات التي تمس حياة الناس وما نلمسه من حجم البطالة والعمالة (الفائضة) الناتجة عن (مذبحة الخصخصة) وضآلة الأجور من جهة، وكثرة جمعيات (الصدقة) وما في حكمها والاعتماد عليها من جهة أخرى، هي سياسات (صناعة تسوّل).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى