مع الأيام...(كلما صَفَتْ غيّمت)

> علي عمر الهيج :

>
علي عمر الهيج
علي عمر الهيج
أن يشيّد البشر في اليمن دولة عصرية ضخمة بآفاقها الحضارية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، أو أن يشيد البشر أيضاً وطناً عملاقاً ذا هياكل اقتصادية وانتاجية فاعلة، فهذا في تقديري عمل صعب لا يمكن أن يخرج إلى عالم الوجود ما دامت مقولة «نفسي نفسي ولا أسألك سواها» قانوناً يتعامل به الكثير على امتداد ربوع هذا البلد الحائر.

إذن فهي حقيقة مؤلمة انبثقت من رحم هذه التربة الخضراء، وأعلنت نفسها «نصاً قانونياً صريحاً» تذرف الدموع أمامها فشلاً ساحقاً ومهيناً.

نحن شعب يمني قهرتنا الحروب وأذلتنا المجاعات.. فمع إطلالة كل شمس، ومع امتداد النظر نحو كل أركان وزوايا الوطن، تنتاب المرء خواطر وأحاسيس آنية تنطق للملأ بأنه ما زال أمام الوطن وهذه الأمة سنوات عجاف من التخبط والانكسار.

ليس بهكذا يصلح حال الشعوب والمجتمعات.. يتثاءب السياسيون زمناً طويلاً، وعندما يستفيقون يعلنون للمواطن حلول المفاجآت الإصلاحية، وحينما تركض الجموع الغفيرة لمعانقة «الموعد الملائكي» لا يجدون إلا «المطارش والحقن» وكأن حال الأمة لن يستقيم إلا بهذه الجرعات. لا أدري هل المواطن على دراية تامة بما إذا قد سارت الجرعات السابقة ببروتيناتها الحقة وحسب إرشادات «الطبيب الاختصاصي المجتهد» أم أننا أمة يمنية محصّنة أزلياً ولسنا بحاجة إلى أية جرعات طبية خاصة، بل نحن أمة قد ألفت التجاوب مع كل قوانين الفقر اليمنية البليدة.. والتاريخ يشهد على قساوة الوجوه اليمنية المجاهدة.

لقد اعتدنا على مقارعة بطوننا الخاوية وعقولنا الشاردة، ولم يعد يهمنا أن يطمح «البشر السياسي» إلى تشييد المدن والمجتمعات العصرية، أو أن يباع تراثنا وثرواتنا إلى أي «ملياردير يهودي» أو أي «شيطان فضائي».

نحن أيها السادة تاريخ طويل منهك ومبعثر مليء بالوعود والخطابات الحمراء.. كل خلق الله استفهموا مجريات العصر فهاجروا إلى السماء تاركين لنا ملايين الأطنان من الورق لنرسم فوقها الميزانيات العجيبة ومشاريع النهوض الواهم ومصطلحات التحديث اليومية.

حرام هذا النزيف السياسي الذي لا يرحم والذي أظلم علينا حياتنا وآدميتنا ومعيشتنا.

ماذا تبقى إذن؟ لقد هجرنا الرغيف والدواء.. لكننا قد ألفنا وسنعيش وفق ما قد توفر لنا من فتات المعيشة.

لم تشبعونا خبزاً، ولم ترحموا أجسادنا العليلة المنهكة ولم تشيّعوا معنا فلذات أكبادنا المذبوحين بسكين المعيشة، ولم تعمروا لنا أكواخاً ولم تضيئوا لنا شموع الدفء والأمان ولم .. ولم.

اتركونا إذن ولا تأمرونا أن نهضم عنوة «خبز السياسة القهرية » أو أن نشرب «حليب البحر الميّت» أو الابتهاج معكم في أعراس الوعود واحتفالات الموت السحيق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى