ما هو التكريم في فهمكم؟

> سالم العبد :

> يقيناً إن القائمين على إصدار منح التكريم، من المتربعين على كراسي السلطة بمختلف مستوياتها لا يعرفون من معاني ومدلولات هذه الكلمة العظيمة إلا سطحها البراق. حتى هذا البريق يمتصون لمعانه لترويج أنفسهم على حساب الرواد الأجلاء من المكرمين.. يوظفونه لأي هدف غير هدف التكريم بمعناه الحقيقي.. بدءاً بتشكيل جمعيات لاختيار المكرمين والصخب الإعلامي المرافق لها، ثم سلسلة الاجتماعات مدفوعة الثمن التي تصل في بعض الحالات إلى مبالغ طائلة تفوق ما تم رصده للمكرمين أصحاب الشأن، لتنتهي هذه المسرحية البائسة بعد خفوت أضواء مراسم التكريم الاحتفائية الباذخة، دون أن يحظى المكرمون إلاّ بكثافة مشاعرهم باجترار ذيول الخيبة المريرة، وتفاقم أحاسيسهم بالإحباط العميق من عقول وإرادات أدمنت عبادة ذواتها وأعماها الجشع المقرون بصلف التسلط على رقاب الناس وإذلالهم حتى باسم التكريم.. وهو منهم براء.

فأي تكريم ترومه السلطة بحق الرواد من المكرمين في مختلف القطاعات؟ .. سيما مربي الأجيال والعلماء والمفكرين وكوادر الإدارة المميزين والخبراء في مجالات الاقتصاد والتخطيط و.. و.. غيرهم، ممن تبوأوا مناصب رفيعة في الوظيفة العامة.. وهم يعرفون أن أعلى راتب تقاعدي يقدم لهم كالمنة المشفوعة بإذلال الطوابير والانتظار المؤذي للجنة قادمة من خارج محافظاتهم.. لا يتجاوز الثمانية آلاف ريال!

أي مردود يعود عليهم من وراء تكريم زائف لا يتعدى زمنه الساعة سوى الاستهانة والسخرية المغلفة بجهودهم النيرة وأسمائهم وتاريخهم الساطع؟ الهدف ا لمبطن منه إضفاء بريق خادع على سدنة المنح التكريمية الزائفة، ناهيك عن صنوف التجاهل والمجافاة الغليظة لعطاءاتهم الثرة، وأحياناً سرقتها ونسبها لخفافيش هذا الزمن الأغبر.

إن التكريم الحقيقي - مهما تجاهلتموه وتحايلتم عليه - يعد من الأمور المشروعة والمستوجبة لهؤلاء الرواد وغيرهم ممن قدموا أجمل سنوات عمرهم وخلاصة علمهم وخبرتهم لوطنهم وشعبهم بكل تفان وإخلاص في مجالات العمل التنموي والتنويري عموماً، وأضافوا لبنات في صرح المستقبل المنشود.. ومع هذا فإن هذا الحق المشروع لا يكفي - لوحده - ففي المقدمة من كل أوجه التكريم الصادق .. تبرز واجبات الدولة ورعايتها الصادقة لحفظ كرامة هؤلاء الرواد وعدم المساس بإنسانيتهم، ومعاملتهم بما يليق بهم من احترام وتقدير كونهم من الصفوة القليلة علماً وخبرة وتجربة غنية في الحياة. ولن تفي بهذا الواجب الجوهري لحظة تكريم زائفة ولكنها تحتاج إلى إجراءات عملية ترفدها إرادة جادة ومسؤولة حقا ومنها:

1- تسوية رواتبهم أو معاشاتهم بحيث توازي مستوى المعيشة التي اعتادوها لعقود من الزمن.

2- الاستفادة من علمهم وخبراتهم الطويلة نظير حوافز معقولة.. تحقيقاً للروابط المهمة بين الأجيال من خلال انتقال الخبرات العلمية والعملية ..إلخ.

3- توثيق أعمالهم البحثية العلمية والفكرية عموماً، لتحقيق الفائدة الأعم ولحفظ حقوقهم الأدبية والمادية.

4- تخليد أسمائهم وتاريخهم المرتبط بالشأن العام كنماذج عصامية ومجتهدة من النابغين البناة، سواء في مؤسساتهم أو وزاراتهم أو من خلال إطلاق أسمائهم على الشوارع والمنشآت المستحدثة.. وغيرها من صور التخليد.

إنه جزء من فهمنا للتكريم ومحتواه القيم والعظيم.. وما دون ذلك ليس سوى خرط القتاد.. فاتقوا الله الذي ولاكم على العباد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى