قصة قصيرة بعنوان (معاك نازل)

> «الأيام» مازن فاروق رفعت :

> كان في قمة سعادته وهو يرى ذلك الانتفاخ الذي يحمل في أحشائه فلذة كبده، كان يقدسه، بل يعبده لدرجة أنه كل صباح قبل أن يخرج إلى عمله يقبّله بحرارة كأنه يقبّل الحجر الأسود، أو هكذا كان بالنسبة له. أحمد! هذا هو الاسم الذي سيطلقه عليه عندما يتحرر من ذلك الانتفاخ، ذات يوم همت زوجته أن تعد الغداء، منعها منعاً باتاً من أن تجهد نفسها، أخبرها بانه سيحضر غداءً جاهزاً من السوق، وأنه لن يتأخر. وفي طريقه إلى السوق، ركب خردة تسمى (باصا)، جلس على مقعد انتُزعت أحشاؤه.. امرأة عجوز حُملت على الأكتاف، أُجلست على مقبرة بدت كمقعد، رجل برفقة زوجته وأولاده الخمسة حشرهم على مقعدين ضئيلين، جلس آخر على مقعد قد ثبت مباشرة على ماكينة الباص، احتمل حرارتها التي شوت مؤخرته .. تحرك الباص وقد اختنق بالركاب، وما هي إلا برهة حتى هتف أحد الركاب:

- معاك نازل!
توقف الباص، نهض الراكب من مقعد دُفن بالغبار، وكأن أحداً لم يجلس عليه منذ مئات السنين، بأعجوبة تمكن من التوغل بين الأحراش البشرية، يخرج لاهثاً بشدة، قميصه الجديد تمزق، شعره المسرح تجعد.. لحظات وجيزة ثم هتف راكب من مؤخرة الباص: معاك نازل!

أجبر نصف الركاب على الخروج لفسح الطريق له لينزل، العجوز حُملت على الأكتاف من جديد، والرجل انتزع أسرته المنحشرة في المقعدين، وعندما عاد الركاب كل إلى مكمنه، هم الباص بالتحرك، استوقفه راكب جديد فلم تكن هناك طريقة إلا أن يخرج الركاب من الباص لفسح الطريق له بالركوب

لم يدرِ هو كم مر من الوقت، فقد غلبه النعاس، لكنه عندما استيقظ وجد نفسه في السوق، وفي عجلة من أمره، اشترى الغداء وعاد يركب خردة تسمى (باصا)، الذي تحرك ليتوقف إثر هتاف أحد الركاب: - معاك نازل!

عندما استيقظ هذه المرة وجد نفسه في شارعه، انطلق مسرعاً عائداً إلى البيت، ليفاجأ بأن بيته لم يعد كما كان، لقد تغير.. تآكلت أطرافه، تبدلت ملامحه، ظن أنه أخطأ المنزل، لكنه لاحظ اسمه على اللافتة التي بهت خطها، احتار في أمره، طرق الباب لحظات وفتح الباب طفل بهي الطلعة، سأله ببراءة: من تريد؟

نظر إلى الطفل باستغراب شديد، سأل:

- من أنت أيها الصغير؟!

- أنا ياسر! من أنت؟

- أنا صاحب هذا البيت!

- يبدو أنك أخطأت العنوان أيها السيد!

تناهى إلى سمعه صوت متهالك يهتف:

- من هناك يا ياسر؟!

- رجل غريب يقول إنه صاحب البيت!

- صاحب البيت!

برزت خلف ياسر امرأة عجوز، ما إن رأته حتى جحظت عيناها، وشهقت، وهي تهتف:

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم !

ثم سقطت مغشياً عليها، صرخ ياسر جازعاً:

- جدتي.. جدتي.

تجمد في مكانه اهتز إثر سماعة صوت رجل ينادي ماذا حدث يا ياسر؟!

- أبي.. أبي.. تعال بسرعة جدتي فقدت وعيها!

ظهر الرجل ، انحنى على العجوز هاتفاً:

- أمي.. أمي.. استيقظي.

ولما لمحه الرجل انتفض بشدة وجحظت عيناه هو الآخر وغمغم بصوت مبحوح:

- غ.. غير معقول! أبي.

ظل جامداً في مكانه، يغرق في حيرة لا قرار لها، تتخبطه أمواج الأسئلة .. أين هو؟! ومن هؤلاء الناس؟ وما الذي حدث في غيابه؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى