الأطــلـــس

> «الأيام» ياسر عمر محمد :

> هناك العديد من الكلمات المتداولة حالياً في لغتنا العربية، وهي كلمات ليست بعربية في بعض الأحيان، قد فقدت معناها الأصلي- بالنسبة لنا- وأصبحت الآن ذات دلالات أخرى لا تمت بصلة إلى هذا المعنى الأصلي، ومن هذه الكلمات (أطلس)، التي تعني لنا نحن الجغرافيين الكتاب المصور لمظاهر الأرض الطبيعية والبشرية من دون أن تحمل هذه الكلمة بالنسبة لنا المعنى الحقيقي لها في لغتها، مثال آخر استخدام مصطلح (الزراعة البعلية) وذلك للزراعة المعتمدة على مياه الأمطار، وهو مصطلح قديم منسوب إلى الإله (بعل) إله المطر، فلا يعني استخدام هذا المصطلح ونحن الآن في القرن الـ 21 إيماننا بهذا الإله وتكفيرنا.

والأمثلة كثيرة ولا تحصى، فهناك الرسم (السريالي) وغالبيتنا يعرف أنه مصطلح يستخدم للدلالة على الرسم المعتمد على التعبير بالألوان والخطوط المتداخلة، لكن كم منا يعرف المعني الحقيقي وأصل كلمة (سريالي)، فلا ضير من الاستعانة بمفردات من خارج اللغة لتفي بالتعبير عن معنى ما، وإلا ما يكون الرأي في ورود كلمتي (سندس) و(إستبرق) في كتابنا الكريم وهي في الأصل كلمات فارسية، فهل يعني ذلك عدم وجود ما يعبر عنها من مفردات في لغتنا العربية؟

بل والأعظم من ذلك أن هناك كلمات عربية أصيلة فقدت معناها، وأصبحت تستخدم في لغتنا بمعنى مختلف تماماً عن معناها الحقيقي، مثل ما هو في كلمة (مثقف) و(ثقافة)، وفي الأصل أن كلمة (مثقف) تعني الأخشاب والعيدان المسننة، و(ثقافة) تعني تسنين الأخشاب والعيدان، فنقول فلان مثقف للدلالة على سعة اطلاعه ومداركه، فأخذ معنى الكلمة للدلالة على تهذيب العقول وتشذيبها بالقراءة والاطلاع، تماماً كما تهذب العيدان وتشذب بالتثقيف، فإن كانت هذه الكلمة تستخدم بمعناها الحقيقي فما نحن سوى عيدان مسننة. ولا يعد ذلك حكراً على اللغة العربية فقط، فالغرب كذلك نقّح مفرداته بالعديد من المفردات العربية واللاتينية، وللمثال لا للحصر كلمة (كاميرا) فما هي سوى (قمرة)، و(كابتن) وما هي سوى (قبطان)، و(أميرال)، وهي رتبة عسكرية رفيعة لضباط البحرية ما هي سوى (أمير البحر)، وهي رتبة عسكرية لكبار قادة البحر العرب والمسلمين.. فهل تعجز اللغة الإنجليزية - على سبيل المثال- عن الاستعاضة عن هذه الكلمات بمفردات من جنسها.

وبالعوددة إلى لغتنا العربية، فمثلاً هل يستطيع أحد أن يأتي بمفردة عربية وافية المعنى واضحة الدلالة وتكون بديلاً لـ (الحليب المبستر) و(الآبار الارتوازية)، فالأولى تدل على طريقة تعقيم، والأخرى تدل على طريقة حفر، وأنا أؤمن بقوة بأن ما من مفردة أجنبية تدخل على لغة ما إلا وكانت هذه المفردة هي الأقوى دلالة للتعبير عن الشيء، وهو في الأخير إثراء للغة المضيفة، وبهذا فإن اللغة كالكائن الحي، تنمو وتتطور، بل وقد تتصاهر في زواج المصلحة في بعض الأحيان.

مع جزيل الشكر للأخ أحمد فضل عبدالرزاق الذي أثار قضية الأطلس في عمود (لكي لا نخطئ) في صحيفة «الأيام».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى