التعدادات وانعكاساتها على الانتخابات والمحافظات

> «الأيام» محمد عبدالله باشراحيل :

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
أولاً: المقدمة تجري معظم دول العالم تعدادات للسكان كل عشر سنوات لأغراض تخطيطية واقتصادية واجتماعية وديموجرافية، وقد أجرت الجمهورية اليمنية تعدادين في عامي 1994م و2004م، وتجرى تعدادات السكان بأحد أسلوبين، أولهما التعداد الفعلي De facto ويتم على أساس تسجيل كل فرد في المكان الذي يكون فيه موجودا لحظة العد، وكان في تعداد 2004م الساعة 12 منتصف ليلة 16-17/12/2004م، وثانيهما التعداد النظري De joure ويعتمد فيه على العمل المكتبي غالبا، وقد يتطلب الأمر الجمع بين الأسلوبين وذلك عندما يتم العد في الميدان بالأسلوب الأول وتتم المعالجات الفنية مكتبيا بالأسلوب الثاني، وهو ما يتم العمل به في التعدادين المذكورين في الجمهورية اليمنية.

وتتضمن معظم تعدادات السكان المواطنين المقيمين في بلدان أخرى،حيث يتم عدهم عن طريق التنسيق بين الجهة المسؤولة عن التعداد في البلد ووزارة خارجيتها، التي تكلف سفارتها في الخارج للقيام بالإشراف على عملية التعداد وبفتح مراكز في المدن التي يوجد فيها العدد الأكبر من المواطنين العاملين والمقيمين في تلك البلدان، وتطبق الطريقة نفسها في حالة إجراء الانتخابات البرلمانية، حيث يتم التنسيق بين وزارة الخارجية والجهة المسؤولة عن الانتخابات نظرا لما لذلك من أهمية في التمثيل الخاص بكل منطقة أو محافظة في البلد الذي يجرى فيه التعداد أو تتم فيه الانتخابات، وباعتبار أن أي إهمال أو تقصير في هذين الجانبين سيضر بمصالح المناطق أو المحافظات التي ينتمي إليها أولئك المغتربون أكان في تمثيلها البرلماني أو في حصصها من مخصصات خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

والجدير بالإشارة أن كثيرا من البلدان التي تقوم فيها السلطة التشريعية على أساس الانتخابات لا يكون تمثيل المناطق أو المحافظات فيها على أساس الصوت الواحد لكل مواطن فقط، بل تؤخذ اعتبارات أخرى يكون لها وزن إضافي في التمثيل البرلماني مثل وجود الثروة المعدنية والنفطية والثقل الاقتصادي والاستثماري والجانب التاريخي والحضاري والموقع الجغرافي الدولي والمركز التجاري والمساحة وحجم المغتربين في الخارج.

ثانيا: ملاحظات على النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2004م
إن تنفيذ أي عمل كبير وضخم لا يخلو بطبيعته من أخطاء متوقعة، وهذا القول يمكن أن ينطبق على أي تعداد عام للسكان في أي بلد، وإن الملاحظات الواردة حول النتائج لا تقلل بأي حال من الأحوال تقديرنا للجهود العظيمة التي قام بها الجهاز المركزي للإحصاء قيادات وموظفين في إعداد وثائق التعداد والقيام بالتدريب والإشراف وكذلك في تنفيذ العمل الميداني بمشاركة عدد كبير جدا من المشرفين والعدادين من الوازارت والجهات الأخرى المختلفة، وقد قام الجهاز بنشر ملخص لأهم مؤشرات النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2004م في مارس 2005م.

أظهر هذا الملخص أن إجمالي عدد سكان الجمهورية 643.721.19 نسمة، منهم 137.016.10 ذكرا و506.705.9 إناث، أي أن نسبة النوع على مستوى الجمهورية وهي عدد الذكور لكل مئة أنثى =2.103 وهي نسبة عالية في اعتقادنا إذا ما أخذنا في الاعتبار التالي :

أ) أن المغتربين اليمنيين والعاملين بالخارج غالبيتهم من الذكور وليسوا من الإناث، الأمر الذي يجعلنا نستنتج أن عدد الإناث الموجودات في اليمن أكثر من عدد الذكور.

ب) أن نسبة الذكور لكل مئة أنثى نجدها في كل من مصر وسوريا لا تتجاوز 102 و5،101 على التوالي، والهجرة إلى الخارج من هذين البلدين ذكورا وإناثا.

ولكن دعونا نلقي نظرة على نتائج بعض المحافظات (انظر الجدول) .. أستنتج من الجدول أن نسبة عدد الذكور لكل 100 أنثى أعلى من الواقع كما هو معاش في محافظات أمانة العاصمة 4.121 وحجة 108 وشبوة 2.107 وهي عالية أيضا في محافظات عدن 3.112 والمهرة 9.117 وحضرموت 6.105 ولكنها مبررة إلى حد ما كون الحركة العمرانية فيها واسعة وتستقبل عمالا ذكورا وافدين إليها من محافظات أخرى عدد الذكور فيها أقل من عدد الإناث ومنها تعز 6.92 وإب 5.95 وريمة 9.95 وهذه النسب تمثل عدد الذكور مقابل كل مئة أنثى.

إن النتائج الأولية للتعداد نفهمها وندركها جيدا انها حصيلة أو مخرجات لبيانات قدمها رب الأسرة أكانت صحيحة أم خطأ، وأن الجهاز المركزي للإحصاء يعتبر وعاءً زجاجيا يعكس ما يصب فيه من بيانات، ولكننا نرى أن للجهاز دورا هاما يلعبه قبل نشر النتائج النهائية بالتركيز على فحص ومراجعة وتدقيق استمارات التعداد عند توزيع البيانات ومعالجة الأخطاء بموضوعية ومسؤولية وطنية.

وبصورة عامة يمكننا القول إن نسبة الذكور إلى الإناث عالية في معظم محافظات الجمهورية، وذلك عائد إلى انخفاض الوعي الإحصائي لدى المجتمع اليمني وزيادة الوعي المصلحي الذي يخدم المصالح الشخصية لدى البعض مثل المشايخ بوجه خاص، فالتجارب الانتخابية السابقة لمجلس النواب علْمت ووعّت ذوي المصالح الشخصية وأفرزت أمورا لم تكن تخطر على بال هؤلاء، فالزيادة في السكان وفي عدد الرجال (الذكور) تعني الشيء الكثير بالنسبة لشيخ المنطقة، والمشكلة إذا انعكست هذه الأفكار على استمارات التعداد وغير الشيخ اسم ابنته زكية إلى زكي وزاد من عنده ابنين إضافيين لا وجود لهما زاكي وذكي، وأوصى إخوته وأبناء عمومته وجيرانه أن يعملوا مثلما عمل أو يزيدوا قليلا عليه، والحاضر يعلم الغائب، وإذا حصل ذلك، فإنها تمثل كارثة كبرى، حيث ستحصل منطقة الشيخ هذا ومناطق الشيوخ الآخرين الذي يفكرون بهذه العقلية على موارد من الدولة أكثر من حقها وتمثيل نيابي أكبر من حجمها الحقيقي وعلى حساب مناطق أخرى، وهو أمر لا يخدم الديمقراطية ولا العدل على الإطلاق.

وإذا ما عكسنا نتائج التعداد لعام 2004م على الانتخابات المقبلة 2006م لمجلس النواب، وطبقنا مبدأ الصوت الواحد لكل مواطن، فإن تلك الانتخابات ستواجه إشكالات وتعقيدات فمن المعروف أن عدد سكان الجمهورية عام 2006م سيبلغ حوالي 21 مليون نسمة، وبما أن عدد أعضاء مجلس النواب 301 عضوا فسيحصل كل 000.70 مواطن على عضو واحد في المجلس، وعليه فإن محافظة المهرة التي سيبلغ عدد سكانها عام 2006م حوالي 97000 نسمة سيمثلها في مجلس النواب عضو واحد فقط، وهذه المحافظة معروفة بهجرة أعداد كبيرة من أبنائها في الخارج وبثرواتها ومساحتها الواسعة وسواحلها العريضة الغنية بالأسماك ومناطقها الخلابة الواعدة سياحيا، فهل يعقل أن يمثلها عضو واحد في مجلس النواب الموقر؟

فإذا أخذنا على سبيل المثال وللدراسة وليس للتطبيق المباشر تجربة الولايات المتحدة في انتخابات الرئاسة الأخير التي تقوم على أساس النقاط، فإننا نجد أن ولاية كاليفورنيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 34 مليون نسمة لها في الانتخابات 55 نقطة، أي أن لكل حوالي 616 ألف نسمة نقطة واحدة، في حين نجد أن ولاية ويومنج التي عدد سكانها أقل من نصف مليون نسمة لها ثلاث نقاط أي لكل 165 ألف شخص تقريبا نقطة واحدة، أي أن الصوت الواحد في هذه الولاية يقارب أربعة أصوات في ولاية كاليفورنيا بمعنى أن «لكل مواطن صوت واحد»، ليس مبدأ ثابتاً في العملية الانتخابية.

ومن الملاحظات على التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2004م ما يلي:

1- مركزية جمع الاستمارات في الجهاز بصنعاء دون تفريغ أي بيانات على مستوى مديريات أو على الأقل بمستوى المحافظة لتتعرف السلطات المحلية على بيانات مناطقها، وليس هذا سرا .. ويسأل الكثير لماذا المركزية؟

2- احتوت استمارة التعداد على أسئلة كثيرة ومتعددة الأغراض أثرت في اعتقادنا سلبا على جودة البيانات، وعلى عدم استجابة بعض المواطنين، الأمر الذي كان له انعكاسات سلبية أيضا على أداء ومعنويات العدادين.

ثالثا: المقترحات
1- ضرورة القيام بمراجعة دقيقة لبيانات استمارات التعداد ومعالجة الأخطاء بموضوعية ومسؤولية وطنية.

2- أهمية الاستفادة من قوائم الانتخابات السابقة أكانت جداول الانتخابات النيابية أو جداول الانتخابات المحلية ومقارنتها وإزاحة وشطب الأسماء الوهمية إن وجدت.

3- عدم إخضاع بيانات التعداد لأهواء وأغراض سياسية محضة.

4- ضرورة الإسراع في تفريغ البيانات بعد تدقيقها ومقارنتها ونشرها في أقرب وقت ممكن حتى لا تصبح بيانات تاريخية.

5- أن تحسّن أساليب الانتخابات بعد الدراسة العميقة لها وألاّ يكتفى بأسلوب الصوت الواحد في العملية الانتخابية القادمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى