قضايا ساخنة جديرة بالاهتمام

> «الأيام» محمد عبدالله باشراحيل :

> انتهت احتفالات العيد الخامس عشر للوحدة اليمنية في مدينة المكلا محافظة حضرموت، وأقيمت الحفلات الغنائية والراقصة والاستعراضية، واستُقبل الضيوف الزائرون الاستقبال اللائق وودعوا التوديع الحسن، بعد أن شاهدوا ما أريد لهم أن يشاهدوه من منجزات العمران والبناء وكل مظاهر التحديث والتحضر، وصرفت المبالغ التي لا تخطر على بال أحد - كونها تصرف لاحتفال من أفقر دولة في المنطقة - على المظاهر وكرم الضيافة الذي فاق كرم حاتم الطائي ونبله، وقد شاهد الضيوف الكرام منظر الوطن من زاويته الجميلة الخالية من العيوب، وهذا شيء يسرنا تحت منطق «عدم نشر الغسيل أمام الآخرين» حيث بقيت الزوايا الأخرى مخفية عليهم ولكنها ليست بخافية على المواطنين.. وهذه الصورة تذكرني بقصة كانت تحكى لنا ونحن صغار السن، عن ملك في قديم الزمن كان جائراً وظالماً ومعقداً أيضاً كونه أعور العين وإحدى رجليه مكسورة، وقد أصدر هذا الملك حكماً بالإعدام على ثلاثة فنانين رسامين مناهضين لحكمه، وقد عرض عليهم أن من يقوم برسم صورة واقعية له تظهر عظمته وهو راكب حصان سيعفو عنه، وعليه قام الأول برسمه وهو راكب جواداً أبيض من الواجهة، وكما هو أعور العين مكسور الرجل، وقام الثاني برسمه في صورة أخفى فيها رجله المكسورة، ولكنه أظهر عينه العوراء فحكم الملك على الإثنين بالإعدام لتشويههم صورته، أما الرسام الثالث فأخذ للملك صورة من الجانب أو الزاوية التي تخفي عيوبه، أظهره فيها بالعين والرجل السليمتين فوق حصان شاهراً سيفه كبطل من الأبطال وواقعية من الزاوية التي أُخذت منها، فعفا عنه الملك وأطلق سراحه.

ونحن لا نريد للوطن أن ينظر إليه دوماً من زاوية واحدة، بل من كل الزوايا ليتم تشخيص الحالة بصورة صحيحة، وتوضع العلاجات اللازمة لشفائه، أما النظر إلى الأمور بأن كل شيء على ما يرام يعيدنا إلى القول «كذبَ ثم كذب ثم صدق نفسه».

إن قضايا الوطن والمواطنين يجب أن توضع كلها وبشفافية وبروح وطنية على الطاولة للنقاش والحوار الديمقراطي، لأ أن تهمل أو توضع في الأدراج أو تحت الطاولة، فتتراكم وتتفاقم فتصبح في وضع لا يمكن السيطرة عليه بعد فوات الأوان، ولعلنا نأخذ عبراً ودروساً مما يحدث حالياً في العالم، وفي المنطقة وفي بلادنا أيضاً، حيث لم تأت من فراغ، بل نتيجة ممارسات خاطئة ورؤية من زاوية واحدة، وانطلاقاً من مبدأ أن الوطن للجميع وليس حكراً على حزب أو قبيلة أو طائفة، ففي اعتقادنا أن أبرز قضايانا الراهنة والعاجلة التي نستعرضها بإيجاز شديد يجب أن تدرس بمسؤولية وتحظى بالاهتمام الكافي وتتمثل في الآتي:

أولاً: الاستقرار السياسي
من المعروف لدى خبراء الاقتصاد السياسي، أن الاستقرار السياسي يؤدي إلى استقرار اقتصادي، وهذا بدوره يؤدي إلى التنمية والرخاء الاقتصادي والعكس صحيح، ولا يحتاج أن نخوض في تفاصيل لسنا بصددها، ويكفي أن نستشهد بنتائج الحروب اليمنية بوجه عام وبالأحداث الأخيرة منها بوجه خاص وارتباطها بالاستقرار وتبعاته، وكمثال فقط، فلقد جاء على لسان نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي بأن التكاليف المالية للحملة العسكرية الأخيرة ضد الحوثي قد بلغت 55 مليار ريال، ناهيك عن الضحايا والخسائر في الممتلكات وما تركته من جروح عميقة في المجتمع. إننا نقدر بجلاء ما يطرحه حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم من دعوات لفتح حوار مع كافة الأحزاب اليمنية، وهي بادرة إيجابية ولكنها تحتاج الى مزيد من الشفافية وفهم الآخر وإقناعه بالنوايا الحسنة وسعة الصدر ومد الجسور لتصفية النفوس لمصلحة الوحدة الوطنية، كما يجب على كافة الأحزاب حاكمة كانت أم معارضة أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية وأن تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى، لأن الكل على نفس السفينة التي تعصف بها رياح الداخل قبل رياح الخارج التي نأمل أن يعيها الجميع، وإلاّ فإذا غرقت السفينة - لا قدر الله - غرق الكل معها.

ثانياً: المستوى المعيشي
يلاحظ أنه عند وضع خطة اقتصادية لأي بلد، فإن في صدارة أهدافها يأتي «تحسين المستوى المعيشي للمواطن» ولو أخذنا معدل دخل الفرد السنوي من إجمالي الناتج المحلي نجد أنه حتى وقتنا الراهن لم يتجاوز 500 دولار، في حين كان حوالي 650 دولاراً عام الوحدة 1990م، وهو منطق غريب وغير مقبول سياسياً ومن قبل المواطن، إذ كيف نقنعه بصحة السياسات الاقتصادية ونقول له إن معدل دخلك السنوي حالياً قد انخفض 30% مع الإنجازات التي تحققت خلال الـ 15 سنة الماضية.

هذا إلى جانب وضع الأجور المتدني والمتردي عاماً بعد عام، وخاصة بين موظفي قطاع الدولة الذين يمثلون شريحة واسعة من المجتمع اليمني، ناهيك عن أوضاع المتقاعدين الذين تذرف العين دموعاً حزناًً لما يتقاضونه من مرتبات هزيلة وتتناقص تدريجياً ولا تكفي معظمهم حتى لتغطية تكاليف الغذاء وحده، وذلك لبقاء تلك المرتبات شبه ثابتة دون وضع ارتفاع الاسعار المتصاعد سنوياً في الاعتبار، والذي لا يقابله ارتفاع في الأجور بنفس النسبة على الأقل من جهة، وعدم وجود سياسة أجور صائبة من جهة ثانية. والجدير بالإشارة أن الأسعار في متوسطها قد ارتفعت حالياًَ 18 مرة عما كانت عليه عام 1990م، بمعنى ما كان يشترى من سلع وخدمات عام 1990م بـ 100 ريال أصبح الآن بـ 1800 ريال.

وسؤالنا ألا يحتاج هذا الحال الى وقفة جادة وعاجلة؟

ثالثاً: المركزية
أثبتت التجرية أن مبدأ مركزة القضايا بوجه عام والمالية منها بوجه خاص في العاصمة صنعاء، مبدأ فاشل ومعطل للأمور نتج عنه استياء شعبي لدى عامة المواطنين من جهة، ووجود شبكات فاسدة من الموظفين والسماسرة الذين لا يمكن أن تمرر أي قضية إلاّ عبرهم من جهة ثانية. ونستغرب لاستمرار هذا الوضع، في حين أكد الأخ عبدالقادر باجمال، رئيس مجلس الوزراء في أكثر من مناسبة دعوته لتطبيق اللا مركزية. في اعتقادنا أن ذلك يعطي للمحافظات صلاحية التصرف في ميزانياتها السنوية الشاملة لكل فروع الوزارات، مع وضع الرقابة اللازمة عليها في إطار القوانين السارية، الأمر الذي سيزيد من فاعلية العمل ورفع مستوى إنجاز المحافظات وسيزيل من على مواطنيها كاهل عناء ومشقة السفر إلى صنعاء واختصار الروتين وكسب الوقت، وسيخفف من جانب آخر الأعباء والتراكمات لدى الوزارات المعنية بالعاصمة. وسؤالنا إلى متى سيستمر الحال على هذا الشكل؟ ومن هو صاحب القرار بهذا الشأن؟ فالمسألة أصبحت لا تحتمل ولا تطاق في كافة المحافظات .. فهل من مجيب؟

رابعاً: تشجيع الاستثمار
من المعروف أنه كلما زادت الاستثمارات في بلد ما زادت فيه فرص العمل وزاد دخله القومي. وفي موضوع الاستثمار لا يكفي أن نوفر للمستثمرين القوانين والحوافز التشجيعية والأمن والأستقرار، بل الأهم من كل ذلك نزاهة القضاء، فهو الأساس في نظرنا. وما لفت نظري حديث جرى بيني وبين خبير ألماني عندما سألته لماذا لا يستثمر الألمان في اليمن؟ فأجابني بأن عدداً كبيراً من تجاركم ومسؤوليكم يستثمرون أموالاً طائلة في ألمانيا وكان الأحرى بهم أن يستثمروا في بلادهم، فكيف تريد رؤوس الأموال الألمانية أن تأتي إلى اليمن في وقت يهرب الرأسمال اليمني إلى المانيا؟ وبصراحة لقد أحرجني الخبير الألماني. ولكني بيني وبين نفسي تذكرت المثل القائل «أهل مكة أدرى بشعابها» .

خامساً: صب كل موارد الدولة في الخزانة العامة
بغية حصر ومعرفة موارد الدولة وسهولة الرقابة عليها يفترض أن تصب جميعها في الخزانة العامة، وأن يتم الإنفاق الحكومي من خلال الموازنة السنوية التي تقر بطبيعة الحال في مجلس النواب وتصدر بقانون كل سنة ملزم للجميع، فيعرف ما يرد إلى الخزانة وما ينفق منها، ونقترح هنا أن تمنح كل محافظة نسبة من مواردها لاستخدامها في بناء وتحسين بنيتها التحتية وفي اعتقادنا أنها لها الحق في الحصول على تلك النسبة، فمن يعطي ليس كمن يأخذ فقط.

سادساً: البطالة في المحافظات
لسنا هنا بصدد الحديث عن معضلة البطالة وارتباطها بزيادة الاستثمار وتشجيعه بحكم أن أي زيادة في الاستثمار ستعطي زيادة في فرص العمل، ولكننا نريد أن نشير هنا إلى الوظائف المتاحة والشاغرة في محافظة ما، فإننا نرى أن تعطى تلك الوظائف لأبنائها، مع مراعاة شروطها، بدلا من إيفاد موظفين من محافظات بعيدة أخرى وزيادة في التكاليف مقابل علاوات السكن وغيرها للموظفين الوافدين، وينطبق كلامنا هذا على مختلف الوظائف مدنية كانت أم عسكرية أم أمنية، فالمواطنون متساوون والوطنية والحرص عليها ليسا حكراً على حزب أو قبيلة أو طائفة، وهذا حق من حقوق الإنسان.

سابعاً: التعليم والصحة
يعتبر هذان القطاعات من أهم القطاعات المرتبطة بشؤون الناس اليومية، ويلاحظ أن التعليم يفتقر إلى أبسط مقوماته بدءاً من المدرس ومروراً بالكتب والمختبرات وانتهاءً بالصيانة والخدمات الأخرى، ونفس القول ينطبق على الوضع الصحي، فالمستشفيات والمراكز الصحية خالية من الأدوية والمواد الطبية والمتطلبات الأساسية، وكل هذه الآمور معروفة لدى المعنيين. ولكن أين الأذن الصاغية؟ وملاحظتنا عن التعليم تنطلق من حديث الناس حول المنح والبعثات الدراسية لأمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا واحتكارها لأبناء المسؤولين، بينما يحرم الطلاب الأوائل منها، ألا يعتبر هذا ظلماً اجتماعياً فادحاً ونوعاً من التمييز بين المواطنين له آثاره السلبية المتمثلة في خلق الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع أو الوطن الواحد؟ وفي رأينا أن هذا الموضوع يجب أن يخضع لنظام التنافس الشريف القائم على العدل والمساواة بين المواطنين.

ثامناً: المياه والكهرباء
لا تعليق لدينا سوى متى ستتوقف انقطاعات الماء والكهرباء؟ وإلى متى ستطول فترة معاناة الناس؟ فالماء الحياة والكهرباء عمودها الفقري.

الخاتمة
إن القضايا التي أوردناها والمتعلقة بالمواضيع الثمانية التي أشرنا لها نعتبرها كلها من القضايا الملحة التي تحتاج إلى وقفة سريعة وإجراءات عملية لحلها. وأنها اذا ما تركت دون اهتمام أو حل ستكون لها عواقب جسيمة تؤثر على السلم الاجتماعي وربما على الوحدة الوطنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى