بيان صنعاء

> عبدالباري طاهر :

> هل استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ؟ ألم يبلغ الفتى مايو سن المسؤولية والرشد؟ في العام 70م كان التشطير في اليمن قد ارتدى صبغة الشرق والغرب .. وانصدعت السياسة اليمنية بين القطبين العالميين حينها .. وبدا الإنشطار وكأنه كوني عالمي وأبدي، امتشق اليمنيون إرادتهم وتنادوا.. لم يكونوا فقط يستعيدون مجد أسلافهم السبئيين والمعينيين والتبابعة ومجد السيدة أروى، وإنما كانوا ينظرون بعيني زرقاء اليمامة، فكانوا يرون رأي العين الآتي الواعد بوحدة الوطن وتلاشى التشطير.

تنادى نفر من الشعراء والقصاص والكتاب والمؤرخين والفنانين التشكيليين والنقاد .. سلاحهم الكلمة، وزادهم الضمير، وحاديهم أمل وأحلام لها أول وليس لها آخر.

كان حادي المسيرة قوافل من الشهداء وإرثا تنويريا بدأ باكرا يتراءى كوعد أقرب من حبل الوريد، كان الحكام يرونه بعيدا ويراه المحكومون قاب قوسين أو أدنى، جعلوا من الكلمة سلاحا يهدم ويبني بطلقة كلمة واحدة، لم تستطع الحروب الدامية ولا المعتقلات ولا المصادرة والـ..... ثني إرادتهم، او شل عزائمهم.

عندما أعلنوا عن تأسيس اتحادهم الإبداعي «اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين» كان وطنهم مشطورا كأمتهم، وكانت الدولتان الشطريتان مدججتين بالتشريعات والقوانين والأيديولوجيا والسياسات الإنفصالية المحروسة بجيشين وأمنين وعسس ليل يحيل بليل له مذاق الموت.

أصدر الإتحاد «الحكمة» .. كانت الشرارة التي أشعلت نار التوحد في هشيم التشطير، أزهرت الحكمة اليمانية مشاعل نور الوطن الواحد، وأسست لذاكرة وثقافة وإبداع لا يؤمن بجمهورية أو طائفية أو عشائر، كان الاتحاد رافضا لداء التشطير الذي عم الوطن كله، ووصل إلى الأحزاب السياسية التي تأسست في الأربعينيات والخمسينيات على أسس وحدوية.

مضى الإتحاد الأدبي كالبطل التراجيدي يتلقى الطعنات والاتهامات من اليمين واليسار، كان كالأب ياناروس في رواية «الأخوة الأعداء» يدعو ابناءه المتقاتلين للتوحد، ولم يكن الكثيرون حتى من أعضاء الاتحاد أنفسهم يدركون أن الوحدة التي يدعون اليها سوف تتحقق بأقرب مما يتصورون، وانتصرت إرادة التوحد بإرادة كل أبناء الوطن وتضحياتهم وعناء كفاحهم.

وكانت انتصار الإتحاد عظيما لأنه كان الصوت الأول و«معلق الجرس» و«حامل الراية».

بعد خمسة عشر عاما على الإنتصار للوحدة، وسقوط الرهانات الخاسرة على النكوص، يعقد الإتحاديون مؤتمرهم التاسع في أجواء عابقة بزهو الإنتصار ومشحونة بالقلق والتوتر.

لم تكن الوحدة أعطية أو منة، كانت ثمرة عطاء زاهيا لأكثر من نصف قرن في (48) أول ثورة دستورية في الوطن العربي، تصدى الشعب بعلمائه وشعرائه ومفكريه لـ «طاهش الحوبان» بالصدور، وفي الثورة «سبتمبر واكتوبر» كان الخروج موتا (أي من الموتين يغلب من يذود عن التراب).. كبكائية حجازي.

قامت الوحدة على مدماك الحوار وشرط الحرية التي يعني التراجع عنها المستحيل، ولكن شرط الحرية ووعد الديمقراطية الزرع الخارج نباته من جماجم الشهداء والباسق طلعه من دماء الأحرار .. هو المحاصر بالفساد والإستبداد.

إن الوحدة كالثورة.. كالجمهورية.. قد تحققت الى الأبد .. وعلينا الدفاع عن مجد القلم ووعد الحرية.

عن التعددية السياسية والحزبية، وحرية الرأي والتعبير واستقلال الإرادة.

لقد تواعد أبناء سبتمبر وأكتوبر في يوم مشهود يوم الـ (22) على عدم الاحتكام للسلاح، واختاروا طريق التداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان والارتهان للعصر، والبراءة من لغة السلاح ولعنة الاحتراب .. فيا أهلنا.. أدفنوا أمواتكم، فغدكم في العراق وفلسطين واعد بالنصر.

أما أنتم يا أهل سبأ فإن «موعدكم الصبح.. أليس الصبح بقريب».

إن المهام المنتصبة أمام اتحادكم اآتي أبدا هو الإرتقاء بوعد الحرية والذود عن الكرامة.. وبناء مجد الحكمة الجديدة أبدا.. وتحدي غول الفساد والاستبداد بنور الكلمة وعبق الإبداع.

وحش الفساد والاستبداد في الديار العربية هو المكبل للإرادة .. والعائق الحقيقي أمام انتصار فلسطين لما يزيد عن نصف قرن من الزمان، وهو ما سمح لغزاة العصر الجديد تدمير العراق ونهب ثرواته وخلق الفتنة بين أهله الطيبين، وضع الأمة من الماء إلى الماء يتشاكل حد التماثل بين مستبد يغتال الحياة وبين متربص يزكيه وينصره، فهل على أمتنا أن تختار بين الموت والموت إلا برفض الموتين؟ والموت من مدفع حر نقول له موتا كإبداع شاعر اليمن العظيم الزبيري.

الاستبداد والإستمعار وجهان لعملة واحدة والتفريق بينهما عصي وعبث في آن، والمبدع ليس له سلاح غير الكلمة والرأي، فاصدع برأيك واحتكم للحوار .. وقل «إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ظلال مبين».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى