يوم من الأيــام... زمن الإعلان لا زمن الإعلام

> علي محمد يحيى :

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
يبدو أننا اليوم لم نعد نفرق بين مفهومي الإعلان والإعلام .. أو أننا تعمدنا خلط الأوراق، حتى صار الإعلام إعلاناً.. وأصبحت كلمة (الإعلام) شائعة مبتذلة وفي متناول الجميع، كما هي عند البعض الكلمة السحرية لفتح أبواب العصر، مما أدى إلى انحطاط القيم التي أسس عليها مفهوم الإعلام، وذلك من خلال الإفراط في استخدامه (شعبياً)، فجعلوا من النشرات السياحية والترويجية إعلاماً، ومن الدعاية الانتخابية إعلاماً، ومن تلميع وجوه الساسة أمام الرأي العام إعلاماً، وكذلك الحال وسموا كل ما يلصق على الجدران أو أبواب المكاتب الادارية، أو على لسان أي كان.. إعلاماً. وأصبح كل من هب ودب يلعب لعبته الخطرة في إدارة وجذب عقول العامة والنخبة نحوه عن طريق هذا (الإعلام) الذي كان يوماً ما رسالة سامية عند المجتمعات. فصرنا نحن المتلقين بعد أن أدمنّا قبول هذه اللعبة الخطرة نستمتع بها، فننصت ونتفاعل وننسجم مع كل ما نستقبله من هذه الرسالة (الإعلامية)، فنسلم زمام عقولنا لها، ولا نحدد لها مساراً.

فالساسة يبثون عبر (الإعلام) ذكرياتهم وبطولاتهم وكلماتهم المخدرة التي تخرس ألسنتنا، فلا ننطق.. بل تجعلنا منصتين منصاعين لهم ومنقادين. والمجتمعات التي نعيش فيها تبث لنا شتى وسائل القمع، من منطلق الحفاظ على القيم والأعراف والتقاليد. وفي الوقت ذاته يسوقون لنا ويعلنون أن المرأة في بلداننا العربية قد بلغت الشيء الكثير من تحررها، مع أننا لم نر من ذلك التحرر أي أثر له، إلا ما يكشف عن مفاتنها وجسدها الذي لم يعد يستره غير قطع صغيرة من القماش لا تتعدى مساحة الواحدة منها مساحة ورقة التوت. أما حقيقتها فإنها لم تزل مسجونة في قمقم الإغواء والفتنة. كما يسوق لنا آخرون أو (يعلنون) بأن معظم شعوبنا العربية تعيش في ظل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان قولاً وممارسة.. لكن واقعنا يفصح أننا ما زلنا نعيش في أوطان تتقاطعها آلاف الكتل الخرسانية العالية.. حتى إذا ما أراد أحد أن يرفع صوته فإنه يرتد على جسده وأذنيه بسخرية مؤلمة، لأن أصحاب السلطة أخذوا عنا مهمة الصراخ، فلم يعد لنا سوى أن نأكل أو نشرب إذا ما توفرت سبل العيش، أو أن ننام ونمرض، وإن شئنا نسمع أو فلنمُت.

هذا كله إعلان في جلد إعلام، أما الإعلام الحقيقي فهو الذي يشاركنا قنوطنا وانكسارنا، ويبحث لنا عن الضوء في غور الظلام. الإعلام الحق هو ذاك الذي يغني أناشيد الفرح ويهزج بجنون متمرد عندما تحاصرنا الكآبة والأحزان.. الإعلام الذي نبتغيه هو ذلك الذي يدحض مئات، بل آلاف المرات أوهام عقولنا ويمد يده لينتشلنا إلى عالم الحقيقة والواقع، ويخلصنا من براثن متاهاتنا بعد أن طوقتنا العولمة من كل جوانب حياتنا بالروح الانهزامية، فسقطت الأفكار والقيم، كما سقطت الأقنعة من كل أنظمتنا العربية، وظهر جلياً ما كان على الوجه خفياً، في حين كانت شعوبنا العربية تحاول أن تقترب لتضع يدها على أهم قضاياها قاطبة - قضية الإنسان العربي- ولم يعد لنا من وسيلة حقيقية للتعبير عن واقعنا سوى الإعلام، الذي لا يجب أن يتحول بدوره إلى مساحة إعلانية للدعاية يديرها السماسرة، أو أن يكون سلبياً خانعاً.. بل عليه أن يثبت دائماً أنه الحقيقي في هذا الزمن المزيف. وكما قال السيد كوفي عنان الأمين العام للامم المتحدة في رسالته لهذا العام بمناسبة يوم الصحافة العالمي: «إن الإعلام يسعى إلى كشف العقد المتعلقة بالأحداث من خلال وصفها بما يمنحنا معنى حقيقياً لحياتنا».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى