نجوم عدن .. عبدالله فاضل فارع

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
أمسكتُ الخشب خمس مرات قبل أن أمد يدي إلى القلم لأكتب عن أستاذنا ومعلمنا عبدالله فاضل فارع، الذي عرفَته عدة أجيال نجماً سامقاً في سماء عدن، ومازال حتى اللحظة من موقعه في الجامعة يقوم بذلك الدور الاجتماعي والمعرفي الفريد في تنوير وتشكيل ذاكرة الشباب الذين ينطلقون نحو المستقبل كما تنطلق الأقمار في الفضاء الأزرق المديد. امكسوا الخشب.. وكلما تذكرته أردد بيت المتنبي:

يا من يعزّ علينا أن نفارقهم وجداننا كلّ شيء بعدكم عدمُ

لم أتتلمذ على يد الأستاذ مباشرة، ولكنني تتلمذت عليه في مجالسه التي كانت تستقبل كل محبيه، وكان فيها كما كان الأستاذ عباس محمود العقاد في مصر، الرجل الذي تقف مطايا الأسئلة على بابه فتعود محملة بالإجابات والهدايا وما فاض من علم الرجل الموسوعي المحتبي في ذلك الركن الأثير في منزله العامر المضياف.

كثيراً ما كان يحضر بعض المجالس بعضٌ ممن ينفسون على الأستاذ مكانته الراجحة أو يرون أن حميرهم قصيرة الأرجل قادرة على طي المضامير بجانب خيوله الصاهلة طويلة السيقان، ولكنهم كانوا يخرجون محملين بالهدايا، وقد أُخذوا بسحره، ومن ذا يغص بالماء الزلال.

كان معلماً حقيقياً في داخله، وقليل هم المعلمون، لذلك ظل مرابطاً في رباطه، وكانت الطرق أمامه عديدة شاسعة واسعة، منادية أن هلم أيها المرموق فما استجاب، إلا بقدر ما خدم مهنته وطلابه والعلم الذي اعتنقه أمانة وارتضاه وطنا.

في السوق الطويل بكريتر التقيت حامد جامع بعد أن لاح لي من بعيد «كأنه علم في رأسه نار»، وما أدراك ما حامد جامع، فتلك المدينة الدهرية إذا كان لها قلب فلن يكون سواه، وقد ضحك وبراءة الأطفال في عينيه حين طلبت منه أن يأتي معي إلى تعز في رحلة سياحية مجانية فقال لي: إنني أشعر بالغربة في«خورمكسر» لأنني كريتري أشبه السمكة إذا خرجت من الماء تموت، ومع ذلك سأقوم بترتيب لقاء يوم غد مع الأستاذ عبدالله فاضل فارع في جامعة عدن، قلت له : يا كريتري، على كثرة ما أسديت إلي من أياد ؛ فهذه هي اليد الطولي يا من أضعناك صغيراً وحمّلناك دماءنا كبيراً ، ووالله إن ببيت الشعر الشهير ينطبق عليك:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر

كانت في حامد كل تلك الروائح الجميلة من عمر الجاوي الذي مضى، ومن عبدالله فاضل والدكتور جعفر الظفاري اللذين مازالا يملآن حياتنا بالعطاء.

عبدالله فاضل فارع جاء من التحدي اليمني المبكر للجهل حين كانت «الشيخ عثمان» بيئة الفقراء وقد خاض معارك قاسية ضد التحيز وادعاء التفرد العائلي والممالأة غير العادلة، وكان نبوغه وصموده منذ خمسينات القرن الماضي وحتى الآن، وإلى ما شاء الله، علامة على الحيوية العبقرية لشعبنا.

إنني في هذه الكلمات العجلي التائهة عن نفسها كمن «يهدي التمر إلى هجر» فالأستاذ عبدالله قد كرمنا جميعاً بمسيرة حياته الملهمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى