من وحي عيد العشق والجمال

> «الأيام» عيدروس حسين البار:

> سعدت كثيراً عندما قرر الأخ الرئيس علي عبدالله صالح أن يحتفل بالذكري الخامسة عشرة لقيام الجمهورية اليمنية في المكلا، وهو قرار يدل دلالة واضحة على الإحساس الفني الذي يمتلكه الأخ الرئيس، كما سعدت بتلك الأعراس التي قدمت ابتهاجاً بهذه المناسبة، رغم أنها لم تقدم كل قدرات حضرموت الفنية أو لم تحط بأكثرها، وقد يقول قائل: إن هذا نفاق فج ومزايدة رخيصة أو أي قول يصف به مدح السلطة ومادحها، ولكنني (عاشق لمعنى الجمال، مفتون بالحسن، مغرم بالغصون الطوال) ، ولا أريد أن أكون بومة تصيح في الخرائب، بل أحب أن أكون عصفوراً يغني في ظل دوحة جميلة، والمقام مقام غناء وسعادة.

ومن ألوان تلك السعادة التي حققتها لنا هذه المناسبة الاستماع إلى ثلاثة فرسان من فرسان الطرب، يتميز كل واحد منهم بأسلوبه وطريقته في الأداء الغنائي، وأعني الفنان أبوبكر سالم بلفقيه ود. الفنان عبدالرب إدريس والفنان الكويتي اليمني عبدالله الرويشد الذي أثبت أنه قادر على اجتياز الامتحان الصعب الذي وضع فيه، فقد كان أمام فنانين كبيرين بكل المقاييس، واستطاع أن يطربنا ويتميز بألوانه الخاصة والقريبة من ألواننا الغنائية.

اما الفنان أبوبكر سالم بلفقيه فيكفي أن أقول أنه لو سعل وتثاءب فقط لقال الجمهور: الله ما أجملك وما أروعك، لما يمتلكه من صوت جميل فما بالك إذا غنى وهو أبوبكر الذي يدثر صوته بتقنيات أدائية تنتمي للطرب العربي الأصيل، إلى جانب تقنيات أدائية خاصة لا يتصف بها إلا أبوبكر فيحملنا إلى قلب الفرح أو الحزن أو الإضحاك في أحايين، وقد فعل كل ذلك في تلك الأمسية الجميلة. كما أصبح لأغنيتي د. الفنان عبدالرب إدريس (مرت الأيام والمقصود تم) و(ليلة لو باقي ليلة)مدلول آخر وأثر يحمل الكثير من الشجن، لأنه يقولها في حضرة (المكلا) التي يراها بعد غياب دام طويلاً، غير أن الملفت للنظر حقاً هو ذلك اللحن الجميل المتماسك من اللون الصنعاني لأغنية (قلبي مع الغيد) الذي قدمه د. عبدالرب إدريس في حياء الفنان وبساطته وثقة العالم ومعرفته.

إن نظر المبدع المستمر والمتكرر للعمل الفني يجعله يرى ويعرف ويكتشف الأسرار الفنية الكامنة في العمل الفني، ولقد نظر عبدالرب إدريس إلي الغناء اليمني فأحسن النظر وأبدع فأجاد الإبداع وارتقى من خلال هذا اللحن إلى مراق ودرجات عليا، وأشعرنا وألمسنا لحن أغنية (يا بروحي من الغيد) حين وصل في أغنيته تلك إلى قوله (أنا عاشق لمعنى الجمال) و كأنه يحيلنا إلى مرجعية لحنه، ثم أعادنا إلى أسلوبه وشخصيته في التأليف الموسيقي ليؤكد منهجه في التأليف الموسيقي حين وصل إلى قوله (مفتون في الحسن مغرم بالغصون الطوال) وهذه تقنية أسلوبية تظهر في كثير من الأعمال الفنية، سواء كانت لغوية أو موسيقية أو غيرها، تسمى (التناص) والمقصود بها ظهور نص في ثنايا نص آخر، أو لحن في ثنايا لحن آخر، كما فعل د. الفنان عبدالرب إدريس وفيها يظهر أثرالتكوين الثقاقي للمبدع.

لقد تجلت عبقرية د. عبدالرب إدريس ليس في اللحن فقط، بل حتى في اختيار الزمان والمكان لتقديم ذلك العمل، إذ لم يقدمه في أي مشاركة فنية سابقة، فأرجاه حتى يعود إلى شعبة في اليمن وإلى أهله في حضرموت ليقول لهم: إني لم (أعد هارباً)، بل عدت عالماً مبدعاً ودليلي هو هذا اللجن الصنعاني الذي افتتح به هذه الليلة.

وبعد .. لقد ملأت هذه الأمسية الجميلة النفس بالواردات الإبداعية، فاستحالت كلمات سارت إلى القلم فسالت على الورق رغم أنفي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى