أساتذة الجامعات واستراتيجية الأجور

> أبوبكر السقاف:

>
أبوبكر السقاف
أبوبكر السقاف
اعتصم عدد متواضع من أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، ثم ذهبوا إلى مجلس النواب للمطالبة باستثناء أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الحكومية من الاستراتيجية ذائعة الصيت، التي غدت جزءاً من ولع يشبه الموضة (الدُرجة) بالاستراتيجية، حتى أصبح كل شيء في حياتنا من جمع القمامة حتى إصلاح هيئة الأمم المتحدة، جزءاً من عالم الاستراتيجيات، وكل هذه الإبداعات الاستراتيجية التي اجترحت المعجزات، تدفعنا بقوة في السقوط داخل الدائرة التي سماها الأستاذ والروائي حبيب السروري عالم ثالث العالم العربي.

أفاد البرلمانيون المعتصمين أن أحداً لم يأت للدفاع عن المصالح المشروعة لأساتذة الجامعة، لا وزير التعليم العالي ولا رؤساء الجامعاتü . وهذا أمر لا يثير الدهشة، فالأصل في نظر الدولة إلى العلم والتعليم يتلخص في أنهما ليسا مطلباً اجتماعياً، ومن ثم ليسا مطلباً سياسياً، وجزءاً بل وركن الأركان في أي عمل جاد ينشد النهضة، وذلك لأن النهضة عندما تكون مطلباً قومياً أو وطنياً، تكون موجهاً للإدارة السياسية، كما حدث في اليابان، وكوريا، وفي ماليزيا.. تمثيلاً لا حصراً. وهذه الشعوب العظيمة جسدت نمط الإنتاج الرأسمالي مرادفاً للنهضة القومية، كما جعلت الصين النمط الاشتراكي، بما هو هدف، مرادفاً للنهضة القومية، ولم تلغ هذا الهدف التاريخي وهي تمضي قدماً في طريق السوق الاشتراكية، وهو ما يسمى في ألمانيا بالرأسمالية الاجتماعية، وكلها محاولات جادة وصادقة لتلافي أوجه النقص التي تنتج الظلم في الرأسمالية. والعلم فيها جميعا بداية البدايات للسير في طريق الإنتاج العصري والتقدم والعدالة.

إننا في اللامكان، ولسنا حتى في ما يعرف في تاريخ إحدى الفرق الاسلامية، في منزلة بين المنزلتين، وأخطر جوانب هذا التموضع أن العلم لا يتصور إلا بما هو حرفة أو مهنة تسد وجهاً من أوجه القصور في الجهل الشامل في مجتمعنا، لأن العلم الذي يكون مكوناً فاعلاً في الإنتاج غير مطلوب، لأن الإنتاج نفسه ليس له مكان في اقتصادنا الكسيح القعيد، الذي يرتبط بالخارج علاقة تبعية سيئة كاملة تصل إلى لون فاجع من العبودية والفجاجة التي تحدث بها الدعيون صغاراً وكباراً وأقزاماً عن إضراب الجامعات يصور ذهنيتهم نظرتهم إلى العلم والتعليم.

عندما تتغير هذه النظرية، وتحل محلها نظرة عصرية إلى العلم والتعليم ومكاننا في العالم، سنبدأ في فهم دور العلم، وضرورة استقلال الجامعة، وأن يكون لها رئيس منتخب وعمداء منتخبون، ورؤساء أقسام منتخبون.

ولعل أحد أسباب رقدة العدم العربية أننا لم نقترب من ذلك الأفق الواعد الذي وضع فيه طه حسين التعليم العالي في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» (1936م) عندما أراد للاستقلال الوطني أن يكتمل ببناء نهضة علمية، فاستثنى الجامعات من الخطط التفصيلية التي وضعها للتعليم الابتدائي والثانوي. فقد اعتقد جازماً أن الجامعات يجب أن لا تخضع لرقابة الحكومة أو توجهاتها، بل من الضروري لها أن تتمتع بحرية مطلقة: حرية مالية للتصرف كما تشاء، بما تقدمه لها الحكومة من مخصصات، وحرية أكاديمية في كل ما يتعلق بالتعليم والتعلم، كما أن مفهومه للتعليم العالي، لا بل التربية بكاملها، إنما هو مفهوم إنساني، فالجامعة يجب أن تكون قبل كل شيء مجتمعاً فكرياً قائماً على المودة والصداقة والتضامن والتعاون üü. ولاشك أن العلم الذي نشأ ونما وتطور عبر القرون من الشرق القديم، إلى عصر اليونان، ثم عصر العرب، إلى عصر النهضة الأوروبية، ثم العصر الحديث ازدهر داخل هذا الإطار، وأدى أدواره الإنسانية السامية. والعلم في هذا السياق مرتبط بوساطة المجتمع الفكري، بالمجتمع الكبير، لا بالدولة، بلْهَ الحكومة. وهو دائماً مربتط بحاجات وأشواق وطموح الإنسانية.

علمت بعد كتابة هذه السطور أن اجتماعا يضم أعضاء النقابة ورئيس جامعة عدن سيعقد اليوم لدراسة هذه القضية المستعجلة.

يتسق هذا التصور وصورة الدولة الليبرالية المستقلة التي حلم بها الرواد في ثلاثينات القرن الماضي: لطفي السيد، وطه حسين.. وغيرهما ولكن الانقلاب العسكري أطاح هذا الحلم، في مصر وفي البلاد العربية الأخرى .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى