في جمعية تنمية الثقافة والأدب.. الرواية اليمنية بين جيلين

> «الأيام» خاص:

> على الرغم من أن القصة اليمنية والرواية قد عُرفتا منذ نهاية الثلاثينيات ومطلع الأربعينيات في اليمن، إلا أنهما استطاعتا أن تقطعا شوطاً كبيراً، فتوالت القصص والمجموعات والروايات. وتسابقت الصحافة في نشر النتاج القصصي منذ وقت مبكر، وكان من ثمرات المطابع صدور بعض الأعمال القصصية والروائية.

على أن د.عبدالحميد إبراهيم في دراسته حول القصة اليمنية المعاصرة بين عامي 1939م و1976م، قد أشار إلى «أن الرواية لم ترسخ مثل القصة القصيرة، فهي تحتاج إلى فترة استقرار طويلة، إلا أن النتاج الروائي ليس قليلاً، ويحتاج إلى كثير من التقييم والتناول النقدي»، فهو يقول مشيراً إلى هذه الظاهرة التي ترافق نمو هذا الجنس الأدبي «أن حركة القصة تنمو في غيبة تكاد تكون تامة عن النقد».

حول هذا الموضوع عقدت مؤخراً ندوة أدبية شهدتها جمعية تنمية الثقافة والأدب بعدن، بالاشتراك مع مكتب الثقافة بعدن، وقد تناولت المداخلات خصائص فن الكتابة الروائية، وشروط هذا الفن وتطور الرواية على الصعيد العالمي والعربي.

ففي مداخلة الشاعر شوقي شفيق أثار تساؤلاً مفاده، ماذا حققت الرواية من إنجاز؟ وهل توفرت فيها تلك الشروط والملامح والخصائص التي حددها مثلاً جورج لوكاش أو هيغل من بعده أو حتى جرامشي؟ وتناول خصائصها السردية وعلاقتها بالخيال، ومدى ارتباطها بالواقع، وميّز في هذا السياق بينها وبين الرواية التاريخية التي يمكن أن تستند إلى وقائع التاريخ، ولكنها لا تنقله نقلاً تسجيلياً ميكانيكياً. وقال: «إن وجود رواية تاريخية في اليمن حديث سابق لأوانه، لأن ذلك يتطلب العودة إلى كل ما أنجزه أدبنا الحديث والمعاصر منذ الثلاثينيات وحتى الآن»، ثم أشار إلى أن الخيال و(الفانتازيا) عنصران هامان من عناصر الكتابة الروائية، متناولاً رواية (100 عام من العزلة) التي أرخت لمرحلة هامة في حياة أمريكا اللاتينية، ودور الخيال في الكتابات الروائية في فرنسا وبريطانيا وعند كتابنا العرب الكبار، كما مثل على ذلك برواية (الرهينة) لزيد مطيع دماج، التي اشتغلت على الجانب الاجتماعي، ولكنها استندت إلى التاريخ، وتوسلت منه وقائع كثيرة جداً. كما ألمح إلى رواية (عذراء الجبل) لحسين سالم باصديق التي كانت بمثابة «تأرخة» اجتماعية تقترب قليلاً من التاريخ، ولكنها ليست رواية تاريخية.

أما الأستاذ مجيب الرحمن حسين فقد قدم مداخلة ضافية حول التوثيق التاريخي وأهميته من خلال أعمال لقمان الروائية، وتناول محمد علي لقمان كرائد للرواية اليمنية منذ نهاية الثلاثينيات بروايته (سعيد) التي تناولها بالتقييم والتحليل، وكيف أنه من خلالها استطاع تناول الأوضاع القائمة في العقد الثالث من القرن العشرين وظروف الحياة وأحوال الناس في تلك الفترة، كما تناول رواية (كاميلا ديفي) و هي مستوحاة من الأساطير الهندية، ويعتقد أنه ترجمها من الأدب الهندي، ولكن لقمان عندما استوحاها أدخل عليها إسقاطات كثيرة على الواقع اليمني من خلال الوقائع والأحداث، مشيراً إلى واقع الحياة المأساوية في المملكة المتوكلية اليمنية.

وتحدث الأستاذ م. محمد مبارك حيدرة، رئيس جمعية تنمية الثقافة والأدب بعدن، مؤكداً أهمية هذه الندوة حول الرواية ودورها كسفر توثيقي للتاريخ اليمني المعاصر، منوهاً بأن هذه الندوة ليست محاولة أكاديمية ولا تخصصية في موضوع الرواية في بلادنا، ولكنها محاولة للفت الانتباه والاهتمام بها. وقال: «مهما كانت الفترة الزمنية الفاصلة بين البدايات منذ محمد علي لقمان ورواية «سعيد» عام 1939م مروراً بأحمد عبدالله السقاف «فتاة قارون» وإلى الآن، فالرواية تعد جنساً وليداً بحاجة إلى المزيد من الاهتمام. وفي سياق التطور لهذا الفن الأدبي، هناك أعمال روائىة تشكل علامات بارزة في هذا المضمار إلى جانب تلكما الروايتين مثل (كاميلا ديفي) للقمان، و(يوميات مبرشت) للطيب أرسلان، و(حصان العربة) لعلي محمد عبده، و(مأساة واق الواق) لمحمد محمود الزبيري، و(يموتون غرباء) و(صنعاء مدينة مفتوحة) لمحمد عبدالولي، و(عذراء الجبل) لحسين باصديق، و(السمار الثلاثة) لسعيد عولقي. ولقد برز جيلان في الرواية اليمنية، جيل أسس لها وجيل ما زال يواصل مشوار العطاء، ومن تلك الوجوه الجديدة التي أخذت موقعها عن جدارة، أذكر حبيب السروري ووجدي الأهدل ونبيلة الزبير ورمزية عباس وهند هيثم. وأود أن أشير إلى الجانب التقني في الرواية، وهذا الجانب أهمل كثيراً في الأعمال النقدية، وتم التركيز على الجانب الموضوعي والمضموني. ولم يركز النقد على الجوانب التقنية في الفن الروائي، والتقنية في نظري مهمة جداً».

أما الشاعر عبدالرحمن إبراهيم فقد تحدث مشيراً إلى بدايات الرواية منذ الثلاثينات، ولكنها هي ذاتها القصة، لأن الرواية فن - أساساً - يولد في الرأسمالية وظروف واقعها.

واتسمت الكتابات في الثلاثينات بالمباشرة والتقريرية، ولكن اليمن شهدت تطوراً أكبر في هذا المجال منذ السبعينات سواء في مجال القصة أو الرواية أو القصة القصيرة وحتى الكتابة للمسرح، وقد برزت أعمال لأحمد محفوظ عمر كـ(الأجراس الصامتة) و(يا أهل هذا الجبل)، وكذلك عدد من أصوات جيل السبعينات كميفع عبدالرحمن وعلي صالح عبدالله وكمال الدين محمد، وعلى الرغم من انتمائه إلى جيل الرواد في مجاله حاول أحمد محفوظ عمر أن يجدد ويتطور على نحو مذهل، ويجاري التطور الجاري في الوطن العربي عند غادة السمان وزكريا تامر وجمال الغيطاني، كما تأثر في بداية حياته بأعلام كبار كنجيب محفوظ ويوسف إدريس. كذلك شكل أدب القص عند باوزير خروجاً على مألوفه السردي، وأصبح يميل إلى الرمز الشفاف وإلى (أنسنة) الأشياء حوله والأماكن، وإعطائها أو إكسابها مضامين ودلالات جديدة. أما محمد عبدالولي، فقد مات صغيراً وكان يمكن أن يواصل تطوره في التقنية والأسلوب».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى