المصالحة الوطنية

> الشيخ طارق عبدالله المحامي:

> هل بالإمكان تحقيق المصالحة على الواقع..كما يبدو من الصعوبة بمكان إنجاز هذا المطلب، ومع ذلك يمكن تحقيقه، ولكن ليس بالأسلوب/ النهج الذي طرح أو نوقش حالياً أو في الماضي منذ عام 3/1992م.

لست سياسياً أو محللاً سياسياً ولا أدعي بأني كذلك أو من تلك الشريحة. وبصورة أساسية فإنني محام ممارس تدربت على غربلة وتحليل المشاكل تقريباً من كل نوع.. وتقديم المشورة دون خوف أو مجاملة وطرح حلول قابلة للتطبيق والعمل بها، لقد كنت أقوم بذلك لأكثر من 40 عاماًً وأجد نفسي مدفوعاً للقيام بذلك. ولأن موضوع المصالحة الوطنية والحوار مع القادة اليمنيين، قادة الماضي والحاضر، يعد موضوع اليوم، جاداً وحاجة ملحة أكثر من ذي قبل، أجد نفسي هنا غارقاً في التفكير والتأمل في هذه المرحلة وأفكاري كلها مقصورة على المصالحة بين قادة الجنوب والحزب الحاكم بقيادة فخامة الرئيس.

ومن ذاكرة تاريخ اليمن، وعلى الأرجح مرة واحدة فحسب، كانت هناك مصالحة وطنية حقيقية أي بالمعنى الصحيح تم إنجازها في وحدة الشطرين (شطري اليمن) في 22 مايو 1990م - ومن قبيل المصادفة يصادف ذلك تاريخ ميلادي - تصدرها علي سالم البيض، (حالياً في المنفى) والرئيس علي عبدالله صالح على كرسي الرئاسة، حيث كانت هناك مصداقية وإخلاص من كلا الجانبين حينذاك، وكان الرئيسان في غاية البهجة والسعادة بشأن الوحدة أسوة بالرجل العادي في الشارع.

وعلى الرغم من الظروف التي واكبت سياسة الوحدة انطلاقاً من الإخلاص والمصداقية، فقد بدأت الوحدة وكأنها محفوفة بالمشاكل والعثرات العويصة، وبعد انقضاء سنتين بدأت تلوح وتظهر فجأة إشارات ترمز إلى الشعور بعدم الرضا والاستياء بين قادة المناطق الجنوبية وكذا أفراد الشعب في الجنوب. ونتساءل ما كان السبب لذلك ومن كان الطرف الملوم؟

لا يقع اللوم في المقام الأول على أي منهما تجاه عدم الإخلاص أو المصداقية، إذ أن السبب يكمن بدرجة أساسية في عدم النضوج السياسي فيما يتعلق بفريق القيادة إلى حد كبير من قبل الجنوبيين، وإلى حد أقل من قبل الشماليين. ثانياً عدم الفهم والإدراك من قبل القيادات فيما يتعلق بالمعرفة والدراية الأساسية الضرورية واللازمة لتسيير وإدارة دفة أمور البلاد على أسس سليمة وحديثة.. ثالثاً نتيجة للافتقار إلى الوعي والجهد الكافي من قبل القياديين إزاء تغيير أنظمة الحكم وخلق أساس أفضل وجديد.

إن المصالحة هي صلح أو تصالح وهي سلم لفض النزاع ووضع حد للخلافات، هي في حد ذاتها تسوية ودية، وربنا يبارك بالجهود الصادقة المبذولة في سبيل تحقيق المصالحة، والصلح خير لقول خاتم النبيين وإمام المرسلين سيدنا محمد [ «إنما الأعمال بالنيات» صدق رسول الله الصادق الواعد الأمين، وبالتالي فإنه يجب أن تكون هناك نوايا حسنة من قبل الطرفين أو الأطراف عموماً.

بكل بساطة أود التحدث عن وجود ثلاثة متطلبات أساسية لإجراء المصالحة، المتطلب الأساسي الأول ينطبق على كلا الطرفين، المتطلب الثاني يتعلق بالرئيس (الطرف الأول) المبادر (الذي أخذ روح وزمام المبادرة على عاتقه) وعلى الأغلب يكمن الحل بيده، والمتطلب الثالث ينطبق على عدد من القادة الجنوبيين المقيمين في الخارج (الطرف الثاني).

المتطلب الأول المشترك
بادي ذي بدء ينبغي أن يكون للأطراف عقول مفتوحة وقلوب نظيفة، وإظهار الاحترام المتبادل قولاً وفعلاً. لا يمكن إطلاقاً تحقيق المصالحة إذا أظهر طرف ما الشكوك مقدماً بالنسبة لنوايا الطرف الآخر ويهاجم الآخر، والطرف أو الفرد الذي يقوم بذلك كأنه يعلن عدم وجود النية للتصالح ومن أنه مستقر وسعيد بالموقع الذي هو فيه، فالعلانية في هذا السياق تعني قل بالتحديد دون تردد م اتعنيه - نعم أم لا، نعم لشروط واضحة، كلا وبمبررات معقولة.

هذا القليل يكفي لبداية طيبة، كما أننا لسنا بمعزل عن الشفافية في كل الظروف التي هي الأخرى ينبغي أن تتوافر في كل المعاملات.

المتطلب الثاني للطرف الأول (الرئيس)
ربما لم تكن الخطوات التي اتخذت حتى الآن من قبل الرئيس تجاه المصالحة مع القيادة الجنوبية هي الخطوات المناسبة لهذا الغرض، فالأمر الأول والأهم يتمثل في اختيار الشخص المناسب الذي هو رسول وسيط ومفاوض ويسمى هنا فيما بعد بصانع السلام. إن فرص النجاح للسياسات اليمنية في أمور معقدة كهذه ليست بالأمر السهل، وتكون فيما إذا كان صانع السلام شخصاً غير سياسي، مقبولاً لدى الجميع ويمكن الوثوق به من قبل الجميع. بكل وضوح يجب عليه أن يكون على معرفة بهم بشكل جيد كما يكون معروفاً لديهم، رجلاً مستقلاً يتمتع بمزايا النزاهة والمكانة والاستقامة وعدم التحيز ويمكن الوثوق به، لأن ليس لديه دوافع شخصية، طموح أو تطلعات أو مصلحة شخصية سوى التوفيق في مهام عمله لصالح البلاد. حقاً أقول إن وجود مثل هؤلاء الرجال وبتلك الصفات تعتبر حالة نادرة، ومع ذلك فإنهم موجودون في اليمن وكل بلاد العالم، كما أنه ومن الضروري أيضاً أن يفسح الرئيس المجال للشعب حتى يكون على علم بماهية الشخص المختار للمهام المسندة إليه ليتحاشى إثارة الإشاعات، الشكوك، الأقاويل والتخمينات الطائشة العشوائية والتأويلات المغرضة، لأن من شأن هذه الخطوات أن تعزز مصداقية الرئيس أمام الشعب وأيضاً أمام العالم الخارجي، ومن جانبي أصدق بمصداقية الرئيس.

متطلب الطرف الثالث
يشمل الطرف الثاني القادة الجنوبيين في الخارج، سوف أتطرق للثلاثة القادة الوطنيين أصحاب المرتبة العليا للأهمية: علي ناصر محمد، علي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس، لكل منهم ثقله الكبير ومطلوب من قبل مواطني المناطق الجنوبية بسبب افتقارنا لقائد يملأ الفراغ الحالي وتلبية احتياجات الجماهير ويعمل الخير لصالح البلاد والكيان النفسي للجماهير، والرئيس بحاجة إلى قادة وطنيين بهذه الصفة لإدارة آلية الحكومة كجزء من الحكم ويحتاجهم الرئيس ليتسنى له صيانة سياسته المتصلة بالتوازن اللازم لاستقرار الوحدة، كما أن الغرب بحاجة إلى قيادة شعبية في اليمن لتشكيل معارضة على نمط حديث لإرساء نظام ديمقراطي سليم نفتقده حالياً.

دعنا نكتشف إمكانية وقابلية المصالحة للحياة والنمو من خلال الدراسة العميقة لتلك الشخصيات الثلاث كأفراد هم أشخاص طيبون، وقد تسببوا في إرباك البلاد أثناء حكمهم وكنت على خلاف مع سياسة حزبهم عندما كانوا في السلطة، ومع ذلك أعتقد بأنهم الآن هم القادرون على وضع الأمور في نصابها. الجدير بالذكر أن فن الحكم والسياسات قد تغيرت والزمن هو الآخر قد تغير وهم ملتزمون بالتغيير، وبالتأكيد فإن البلاد بحاجة إلى عمل الثلاثة أو على الأقل اثنين منهم.

إن قائداً واحداً اشتراكياً عند عودته يمكن إصلاح الحزب الاشتراكي كلية وإعادة تنظيمه كحزب اشتراكي جديد، والثاني كنائب رئيس والآخر رئيس وزراء، حيث ينبغي عليهم أن يفضوا خلافهم فيما بينهم (إن وجد) ويتحدوا.. فإذا أخذ أي منهم أياً من المهام الثلاث سوف يحظى الجميع بالفوز - مع العلم بأن لا يقل أي من المهام الثلاثة درجة عن الأخرى- فإذا قبلوا أياً من هذه المناصب فإن ذلك لا يجعل أياً منهم أقل من الآخر. على أي حال مطلوب من القادة الحقيقيين التضحية من أجل الشعب، وتحسين ظروف البلاد.

المشورة الختامية للطرف الأول - الرئيس
إن قيامكم بهذه الطريقة، انطلاقاً من توجيه الدعوة إلى الثلاثة وترك خيار المهام لهم، حيث ليس ثمة شيء يدعو إلى التردد.. لا يوجد طريق خروج آخر، سوف تساعد هذه المصالحة كثيراً في تخفيف المشاكل الآنية التي طرأت لسوء الحظ في بعض المناطق الشمالية، وسوف يحالفكم النجاح إذا قدم الثلاثة أو اثنان منهم، وقدوم واحد منهم بمفرده لن يخدم الغرض المنشود، وسوف تكسب أيضاً في حالة عدم مجيئهم أو استجابتهم، الأمر الذي يثبت مصداقيتكم أمام الشعب والعالم في كلا الحالتين، كن جاهزاً بصدر رحب إزاء بعض التعديلات الدستورية، لأنها ضرورية.

المشورة الختامية للطرف الثاني (قادة الجنوب)
يتعين عليكم فض الخلافات فيما بينكم، وكذا حساسيتكم تجاه بعضكم البعض (إن وجدت) عليكم الرجوع كفريق ثلاثي، وإذا تعذر ذلك لأي سبب كان، فعلى الأقل يجب على اثنين منكم الحضور معاً. لا تخافوا من أي شيء .. شعبكم بحاجة إليكم وينبغي عدم الاستمرار في خيبة الأمل أو الظن.. لا تضعوا شروطاً كثيرة مسبقة، دعوا الأمور تجري في مجراها، وعليكم وضع الأمور في نصابها عند أداء مهامكم، من خلال القيام بإصلاحات والإسراع فيها بدعم من الشعب.

ماذا لدى الآخرين ليقولوه؟
هناك ساسة كثيرون بارزون وكتاب سياسيون طالبوا بالمصالحة الوطنية، وإن لم أكن خاطئاً قدموا بشكل عام فحسب المبررات السليمة للمصالحة دون الإيحاء أو الاقتراح بالأسلوب العملي الذي ينبغي القيام به. فماذا يقولون بشأن الحلول العملية القابلة للتنفيذ؟ لندعُ الكل الذي يفهم ويدرك التحدث علنا بكل شفافية لمساعدة الطرف الأول والطرف الثاني، لإصدار قرارهما بهذا الصدد أو طرح الاقتراح للحلول البديلة أو التوسع والتعديل فيما يتعلق بما طرحته بكل بساطه.

وأخيراً نسأل المولى عز وجل أن يعين الأطراف في التوصل إلى أفضل الحلول فيما يخص خير البلاد والمواطنين، آمين.. يرجى من أئمة المساجد في كافة أنحاء البلاد إدخال هذا الموضوع في أدعيتهم في الجمعة القادمة بإذن الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى