الحبة السوداء

> د. محمد طه علي الحريري:

>
د. محمد طه علي الحريري
د. محمد طه علي الحريري
إن من دلائل النبوة المحمدية الباقية والمتزايدة مع الوقت ماتضمنته نصوص القرآن والسنة من إشارات وإيماءات متعلقة بايآت الله في الانفس والافاق، بعضها عرف مدلولة ومعناه على وجه الحقيقة مؤخراً وبعضها لم يتوصل اليه العلم حتى الان وقد يعرف فيما بعد. ومن هذا الاعجاز النصوص الواردة في الطب وقد جمعها عدد من العلماء من مصنفات سميت بالطب النبوي ومنها مانحن بصدده وقد جاء في الاحاديث الصحيحة ذكر للحبة السوداء فعن عثمان بن عبدالملك قال: سمعت سالم بن عبدالله يحدث عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام) وفي حديث آخر حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وابن حجر قالوا: حدثنا إسماعيل عن العلاء عن ابيه عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مامن داء إلاّ في الحبة السوداء منه شفاء إلاّ السام) والسام هو الموت وقد قال ابن القيم رحمه الله (الحبة السوداء هي الشونيز في لغة الفرس) وهي الكمون الاسود، وتسمى الكمون الهندي، قال الحربي عن الحسن ] انها الخردل. وحكى الهروي إنها الحبة الخضراء تمرة البطم. وقد ذكر عدد كبير من العلماء الذين صنفوا في الطب النبوي فوائد عديدة للحبة السوداء مكتسبة من تجارب الاطباء والحكماء في تلك العصور وماسبقها وقد جمع ابن القيم رحمه الله في كتابه «الطب النبوي» اكثر هذه المقولات عن أطباء وحكماء تلك العصور لذا فنكتفي بهذا النقل عنه مثلاً لهذه الوصفات القديمة.

والشونيز حار يابس في الثالثة، مذهب للنفخ، مخرج لحب القرع نافع للبرص والربع والبلغمية، مفتح للسدد، محلل للرياح، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها، وإن دق وعجن بالعسل وشرب بالماء الحار اذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة. وبدر البول والحيض واللبن اذا أديم شربه اياماً، وان سخن بالخل، وطلي على البطن قتل حب القرع، فإن عجن بماء الحنظل الرطب او المطبوخ: كان فعله في اخراج الدود اقوى، ويجلو ويقطع ويحلل، ويشفي من الزكام البارد: اذا دق وصر في خرقة او اشتم دائما، أذهبه. ودهنه نافع لداء الحية، ومن التاليل والخيلان وإذا شرب منه مثقال بماء نفع من البهر وضيق النفس والضماء به ينفع من الصداع البارد. وإذا نقع منه سبع حبات عدداً في لبن امرأة، وسعط به صاحب اليرقان، نفعه نفعاً بليغاً.

وإذا طبخ بخل، وتمضمض به نفع من وجع الاسنان عن برد وإذا استعط به مسحوقاً، نفع من إبتداء الماء العارض في العين، وان ضمد به مع الخل: قلع البثور والجرب المتقرح وحلل الاورام البلغمية المزمنة والاورام الصلبة.

وينفع من اللقوه (داء يعرض للوجه): إذا تسعط بدهنه. وإذا شرب منه مقدار نصف مثقال الى مثقال: نفع من لسع الرتيلاء (ضرب من العناكب) وإن قلي ثم دق ناعماً، ثم نقع في زيت وقطر في الانف ثلاث قطرات أو اربعاً، نفع من الزكام العارض معه عطاس كثير.

وإذا احرق وخلط بشمع مداب بدهن السوسن (نبات فصلي له زهور مختلفة الالوان) او دهن الحناء وطلي به القروح الخارجية من الساقين بعد غسلها بالخل نفعها وأزال القروح. وإذا سحق بخل وطلي به البرص والبصق الاسود والحزاز الغليظ نفعها وأبدأها.

وسوف نتحدث في اعداد قادمة بمشيئة الله عن مكونات الحبة السوداء وأنواعها وكذلك عن الابحاث العلمية التي اجريت على الحبة السوداء في الطب الحديث حتى تاريخه.

وتكثر زراعة الحبة السوداء في بلدان حوض الأبيض المتوسط ووسط أوروبا وغرب آسيا، وينتمي هذا النبات إلى فصيلة (RANUNCULACEAE ) وينقسم إلى أقسام يتميز بعضها عن بعض في شكلها الخارجي وهي:

- الحبة السوداء الشائعة Nigella Sativa

- الحبة السوداء الدمشقية Nigella Damascena

- الحبة السوداء الشرقية Nigella Orientalis

أما المكونات الأساسية للحبة السوداء فهي كالآتي:

- الزيت الثابت 32-40%، الزيت الطيار 4.0-45.%، بروتين 16-9.19%، نشأ 9.33%، ألياف 5.4-5.6%، رطوبة 1.5 - 7%، رماد 7.3-7%.

بالإضافة إلى عدد من العناصر مثل الكالسيوم، الفسفور، البوتاسيوم، الحديد والصوديوم. ومن أكثر الرموز إثارة ما توصل إليه الباحثون من اكتشاف (67) عنصراً في الزيت الطيار للحبة السوداء، والذي لايزيد عن 4.0% من وزن الحبة السوداء؛ أي إذا أخذنا مقدار (1) جرام من الحبة السوداء، فان 004.0 من هذا الجرام (أي مايعادل 4 مايكروجرام) يحتوي على هذه العناصر السبعة والستين، فسبحان الخالق العظيم. وقد ظهر العديد من البحوث في الألفية الثالثة تفصل في بعض العناصر السابقة من أهمها اكتشاف مادة فعالة ضد الخلايا السرطانية تسمى (alpha-hederin) لكن هناك سؤال يتردد بين الكثيرين وهو:

هل تختص هذه المكونات بنوع للحبة السوداء دون الآخر؟

من الشائع بين العامة أن الحبة السوداء التي لها تأثير طبي هي من نوع معين وتنبت في بلد معين، بل ولها سعر أعلى من الأنواع الأخرى من الحبة السوداء وليس على هذا التخصيص لنوع معين أو بلد معين أو شكل للحبة السوداء أي مستند علمي. وقد أجرى باحثان في عام 2000م باستراليا بحثاً على ستة أنواع من الحبة السوداء الموجودة في الأسواق، وتم تحليل عناصر هذه الأنواع الستة، ووجد أنها تحتوي على نفس التركيب من الناحية النوعية، وتكمن الفروقات فقط في كميات هذه العناصر الموجودة في هذه الانواع الستة. وكذلك البحوث التي اجريت في قسم علم وظائف الاعضاء بكلية الطب بجامعة الملك فيصل في المملكة العربية السعودية، وهي أكثر من العشرة كانت على الحبة السوداء الموجودة في الأسواق، والتي تباع بالسعر العادي، وأعطت نتائج متساوية في التأثير في العوامل التي تم دراستها. لذا فإن شراء الحبة السوداء الموجودة في السوق ذات السعر العادي يكفي عن شراء الأنواع الغالية، والفروقات في هذه الأسعار ترجع غالباً إلى درجة النقاوة والمذاق، وليس إلى التركيب الكيميائي أو التأثير الطبي، والله أعلم.

لكن هل الأنفع أن تؤخذ الحبة كاملة؟

لقد توصل العلماء إلى فصل المادة التي تعرف حتى الآن بأنها أكثر المكونات للحبة السوداء فعالية وهي (الثيموكونين) والموجودة في الزيت الطيار. وهذه المادة تباع في شركات الأدوية وتم معرفة تركيبها الكيميائي، وقد أجرى عدد من الباحثين تجارب عليها وعلى أجزاء أخرى من الحبة السوداء لمعرفة فعاليتها، ومقارنة قوة مفعولها مع الحبة السوداء كاملة. وبالجملة فإن التجارب تشير إلى أن استخدام الحبة السوداء كاملة أفضل من استخدام أجزائها، إذ أن هذه الأجزاء يكون لها مفعول أقوى عندما ينضم بعضها إلى بعض، كما هو الحال في الحبة السوداء كاملة ولايمنع أن تكون هناك حالات معينة تستدعي استخدام أجزاء منها علاجاً لمرض محدد، عندما يكون المريض عرضة للإصابة بتأثير جانبي غير موغوب فيه، لو استخدمت الحبة السوداء كاملة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الحبة السوداء يجب طحنها بالأسنان قبل بلعها أو تناولها في وقت وجيز خلال أسبوع مثلاً، بعد طحنها، فلا تحفظ وقتاً طويلاً، لأن الزيت الطيار يقل فيها مع الوقت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى