سالم علي حجيري وملامح الرومانسية في شعره

> «الأيام» سلمان العقد:

> من يطالع ديوان الشاعر الشهيد سالم علي حجيري «قد نلتقي بكره» متأملاً إياه ملياً يلحظ السجايا الإنسانية النقية ورهافة الحس الشعري عند هذا الرجل.. الذي كان إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعاشقاً للحياة والحب. والملمح الثاني هو أساس للأول - وقد أشار إلى ذلك في مقدمة الديوان في إهدائه - ثم يأتي الشعر مترجماً لما يختلج به صدره ومُعَبِّراً عنه، منتقلاً به إلى فضاءات أرحب وأوسع مستخدماً أشمل الأساليب وأبسط الألفاظ وأقربها إلى الناس فهما، مُحقِّقاً - بذلك - الاندماج الكلي بين أحاسيسه ومشاعره وبين معاناة الغير والاقتراب منهم وعدم التعالي عليهم، معتقداً ومتيقِّناً بأنه منهم يعاني مثلما يعانون ويحب ويفرح كما يحبون ويفرحون:

حبيتكم حب من قلبي

مخلص لكم صادق النية

وبي عليكم شجن زايد

وشوق واجد وحنية

وذكركم ما يفارقني

في كل الأوقات يومية

فالحب في نظره هو أصل السعادة مادام قائماً بين الناس، وأن أي شيء سواه لا قيمة له:

الحب أصل السعادة

مادام في الناس عادة


وما سوى الحب فاني
لذلك عندما يحب الشاعر فهو يحب بإخلاص وتفان، ونراه يعلن عن هذا الحب ويصرح به ولا يخفيه لأنه أساس هذه الحياة:

أهواك .. أهواك خلي من علم يعلم

يا صوت أحلي نغم وعزف فنان ملهم

ويقول في موضع آخر:

أحبك كيف لا ؟ إنت حبيبي

وأمرى ليس مجهولاً وخافي

وقد أفصحت عن هذا مراراً

فعد إن شئت عوداً للقوافي

نعم أحببت من أعماق قلبي

محباً مخلصاً في الحب وافي

لأني لا أرى في الحب إلا

صفاء الماء من ينبوع صافي

لقد أبدع الحجيري ووفق تماماً في التعبير عن الحب بصوره المختلفة وتجلياته منطلقاً من ذاته وتكوينه النفسي المتأصل في الرومانسية.. كيف لا؟ وهو ابن الطبيعة الخلابة الخضراء وبيئة لحج الحسيني التي - دون شك- تأثر بها هو ومن سبقوه من الشعراء وتغنوا بها، وإذا ما تأملنا تجربة الحجيري الشعرية نلحظ ذلك بكل سهولة ويسر في شعره حين يوائم بين الطبيعة وبين الحب في شعره:

حمام بالوادي قد غرد

فهاج قلبي بتغريده وشوقي نحو من أهوى

فصرت مشغول في حيرة

فقلت يا ساجع الوادي

يا من شجتني أغاريده

أرجوك بلغ لمحبوبي

سلام عالي إلى صيره

ويقول في موضع آخر:

«في الجناين انت يا وردي الخدود

إنت فيها حيث حاكيت الورود

في الجداول والسواقي انظرك

كيف أنسى؟ ما قدرت أنساك

يضاف إلى ذلك تعامله الراقي مع المحبوب بكل تلقائية وبساطة، وهو دليل على نبل وإنسانية الشاعر:

مصدق لك وقابل لاعتذارك

ويرضيني إذا هذا قرارك

وأرضى أن تفارقني وتبعد

وأحيا العمر كله في انتظارك

فهو سيسبب له هذا الفراق آلاما ومتاعب ممضة إلا أنه راض عن ذلك ومقتنع به ملتمس العذر لمن أحب ومسامح له لأن السماحة من طباعه:

تعودنا وهذي بعض عادتنا .. تعودنا السماحة

والتسامح من طبيعتنا

تعودنا نعبر بالتسامح عن ارادتنا

ونسعد عندما تسعد حبايبنا

لأنا قد تعودنا

هكذا أراد الحجيري أن يعمم تجربته في الحب على الآخرين، أو كأنه يدعوهم إلى الاقتداء بها وتمثلها في حياتهم الوجدانية. وهو في المقام الأول كان صادقاً مع شعوره ، وهذا يحسب له لا عليه ويعتبر دليلاً على عمق تجربته الشعرية وأصالتها حيث إستطاع أن يستخدم جملة من الأساليب الفنية منها على سبيل المثال إستخدام عنصر الحوار والوصف في شعره ووفق إلى حـد بعيد وهـذا نــموذج لــذلـك:

قلت له قلبي يحبك

سل عن المحبوب قلبك

وانتبه خليك فهمان

ربنا بايصلح الشان

قال هذا طبع من حب

والمحب يسلى ويكرب

وأنت أدري بالذي كمان

ربنا با يصلح الشان

وفي موضوع آخر:

قلت له كفكف دموعك وابتسم

قال: هذا يا حبيبي لا يهم

المهم انته فهل انته معي

بعد ما طال التجافي والغياب

أما في الوصف:

في قامته رمح غساني

والجعد لا فوق لمتاني

ومبسمه حمرته قاني

لو تبحثوا باتلاقونه

وكذلك الاعتماد على اللهجة الشعبية المعروفة وابتداع بعض الأساليب والتراكيب الجديدة غير المألوفة وغيرها أضاف بعداً جمالياً جديداً للنصوص، وأصبحت بعض مقاطعه الشعرية تحاكي الأمثال السائرة لأنها تنبئ عن حكمة وتجربة «عميقة» في الحياة.

وقد أدت هذه الأساليب دورها وجعلت نصوصه الشعرية أكثر أو أوسع انتشاراً وهي تتردد بين الناس إلى اليوم. وهناك أمثلة وشواهد عديدة لهذا الشاعر الذي ارتبط بالحياة والناس، ويظل ألقاً دائماً في وجدان من عايشهم أو تأثروا بأشعاره، ولتـكن هـذه الكلمات بـاقــة ورد فــي مثواه وذكراه الخـالـدة.

الأمـين العام لنادي الجيل الصاعد الرياضي والثقلفي بأبـين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى