برافو يا فخامة الرئيس

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
هي ضربة معلم بكل المقاييس.. وكما ينبغي أن يكون الختام مسكاً، كان الإعلان الذي فاجأ الكل، في الداخل اليمني أو الخارج العربي أو الدولي: «لن أرشح نفسي في الانتخابات القادمة.. نريد أن نؤسس نموذجاً للتداول السلمي للسلطة»، وكأن سلوك طريق الحكم في اليمن الذي ابتدأه الرئيس علي عبدالله صالح قبل سبعة وعشرين عاماً، بما هو أصعب من الجلوس على رؤوس الثعابين، قد أفضى في دورات الزمان المعقد الى ما يشبه اجتراح المعجزة في الأساطير القديمة، تضميد جراح الاحتراب الداخلي في الشطر الشمالي، وتسوية نزاع الشطرين بالاعتماد على الحوار من حيث انتهت لجان الوحدة وصولاً الى وضع دستور دولة الوحدة بجهد الرجال المخلصين ورعاية قادة الشطرين، وحتى تلك اللحظة التاريخية التي أعلنت فيها الوحدة المباركة بمقومات الديمقراطية التي لا يجوز تكامل إحداهما إلا بالأخرى. ورغم كل مصاعب الداخل اليمني السياسية على خلفية اجتماعية معقدة، فإن أحداً لا يستطيع أن يكابر، ناهيك أن يجاهر بأن ما تحقق كان هيناً على الصعيد الديمقراطي بتجليات حرية الصحافة والتعددية الحزبية وظهور منظمات المجتمع المدني، وحتى عندما يكون الشوك الذي يوخز ظهر الديمقراطية أكثر من الشوك المزروع خلقاً في ظهر القنفذ، فإن أحداً من داخل الحكم أو خارجه لا يستطيع إقناع أحد ناهيك عن نفسه بالارتداد عن الخيار الديمقراطي وتكفين وقراءة الفاتحة على ما كان قد تحقق منه، بل تمضي الإرادة الوطنية نحو المزيد من التعاطي الديمقراطي، ويصبح منطقياً بل فعلاً إرادياً وحتى لا إرادياً تناقص الزيت في خابية الموروث الشمولي المناقض لصيرورة هذا العصر.

إن أولئك الذين وقفوا طوابير طويلة بأعداد مليونية، ومن مختلف شرائح وطبقات وفئات المجتمع اليمني، من الرجال والنساء والشباب، في طول البلاد وعرضها وعلى تفاوت مستوياتهم العلمية والثقافية ليرشحوا ممثليهم الى مجالس النواب والحكم المحلي وحتى اختيار رئيس الجمهورية قد شبوا عن الطوق، ولديهم الوعي الكافي بالتمسك إن لم يكن العض بالنواجذ على خيار الديمقراطية، التي لا يجوز حتى التفكير في إلغائها، لأن في ذلك إلغاء لخيارات وطنية في مقدمها الوحدة اليمنية، ولذلك كان فخامة الأخ الرئيس محقاً كل الحق في كلمته التاريخية يوم 17 يوليو عندما أكد على الخيار الديمقراطي والتدوير السلمي للسلطة كإرادة يمنية نافذة سبقت كثيراً من الأقطار والشعوب، ولم تكن أيضاً نابعة من إملاءات افترضتها عوامل ضغط خارجية كالتي نراها تتمخض في غير قطر من أقطار العروبة، وعندما يضاف إلى ذلك إرادة جديدة، تعزيزية لما كان قد تحقق في اليمن ديمقراطياً، بالرغبة الرئاسية التي عبر عنها فخامة الأخ الرئيس والمتمثلة في عدم ترشيح فخامته في دورة الانتخابات الرئاسية القادمة، تكون اليمن قد أحرزت قصب السبق بملء إرادتها أيضاً، على مستوى الزعامات العربية، ويكون الرئيس علي عبدالله صالح قد رعى التجربة الديمقراطية لتثمر أنضج ثمارها.. التداول السلمي للسلطة.. بالاحتكام الى صناديق الاقتراع ليختار الشعب من يمثله من أبنائه، ويحتل فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح مكاناً مرموقاً في أنصع صفحات التاريخ اليمني والعربي المعاصر.

لقد سجل البعض في غمرة اندهاشهم بعض التحفظات والتخوفات من إعلان الرئيس، ناتج عن عنصر المفاجأة، ولأن كثيراً من القوى السياسية والأحزاب عاجزة عن أخذ زمام المبادرة والتعاطي معها بالطريقة والنفس الذي تعاطاه الأخ الرئيس، بل إن البعض قد وقعوا في حرج شديد داخل تكويناتهم السياسية وإزاء الشارع السياسي اليمني، وقد جاءت التخوفات عبارة عن تكهنات أن يجيش حزب المؤتمر الشعبي العام الشارع اليمني للخروج في مسيرات وتظاهرات تطالب الأخ الرئيس بالعدول عن قراره عدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. وحتى بعض الفضائيات قد طرحت مثل هذا التصور مستندة إلى تجارب عربية كررت مثل هذا السيناريو.

لكن الذين تابعوا فخامة الأخ الرئيس وهو يتحدث في ذلك اللقاء المشهود الذي أعلن فيه قراره التاريخي المشار إليه، سوف لن يصابوا بحيرة أبداً، ويخلصون إلى حقيقة أن الرجل قد اتخذ قراره التاريخي بشجاعته المعهودة ولن يتراجع عنه.

أما القراءة الثانية التي يخلص إليها المتابع اللبيب لخطاب فخامة الرئيس، فهي تأكيده على حاجة الوطن للدماء الشابة، وفي ذلك إشارة ذات معنى للجميع، في مختلف المفاصل الوطنية.. الحكم والمعارضة وسواهما. ولذلك لا يجوز أن تمضي إرادة رئاسية جريئة في بلد لازال مكبلاً بكوابح اجتماعية تجره في كثير من الاحيان إلى الخلف، بينما تستعيض كثير من الفعاليات السياسية والحزبية على وجه التحديد بخطاب سياسي قديم، لا يقدم معالجات وحلولاً لمشكلات قائمة، ويفرغ مضامينه في الكيد والمناكفة والترصد، ثم تقف هذه القوى عاجزة عن ترجمة أقوالها بالأفعال في المحطات الحقيقية.

عندما تجيء الساعة لممارسات ديمقراطية حقة داخل قوالبها التنظيمية لاختيار الأكفأ والأقدر من جيل الشباب بدلاً من القيادات التي تحنطت على مر السنين، فإن قائمة الدنيا تقوم ولا تقعد.

لقد رأينا خطاب العقل يتلاشى من على صفحات كثير من الصحف الحزبية المعارضة أو التي في الحكم، وتسيدت لغة أخرى أقل ما يمكن وصفها بأنها قد خرجت عن أصول النقد الهادف والبناء، وأصبحت بمثابة رسائل شخصية للإساءة، وفي كثير من الأحيان تجاوزت حدود اللياقة والأدب لأسباب لا يجهلها القارئ الحصيف. وكثير من الطرح الذي يراد به التعبير عن حالة المواطن والشارع اليمني لم يحمله المعنيون بطرحة على صفحات جرائدهم من قادة الأحزاب أثناء لقاء الاخ الرئيس بهم في جمعة مضت من هذا الشهر.

لقد كان الاحتقان السياسي بادياً للعيان حتى جاء الإعلان الرئاسي الشهير، كما أن حالة المواطنين ليست على أحسن حالاتها، وقد بلغ نصف السكان خط الفقر في وطننا حسب ما أوردته قناة عربية استناداً إلى مصادر رسمية، وكثير من القطاعات الوطنية كالأطباء في حالة إضراب عن العمل، بينما يوشك المعلمون على ذلك وقد تشظت نقابتهم إلى ثلاث، والجميع يرون قانون الأجور والمرتبات بكثير من الحذر والقلق وقليل من الفرح.

وهناك حقائق لا تدحض عن فساد يستنزف خيرات البلد، بينما لا يرى المواطن مفسداً واحداً يقف خلف القضبان وتحت ميزان العدالة، وكأن هؤلاء القضاة وجدوا ليكونوا العسر الثاني الذي لا يكون إلا على من غضب عليهم ربهم .. وكثيرة هي المواجع التي يئن من هولها الوطن، الذي سيجد في إعلان فخامة الاخ الرئيس عدم الترشح لدورة رئاسية قادمة بادرة خيّرة من رجل خيّر، عليه أن يقرع نواقيس الخطر في كل أرجاء الوطن، لتتحرك كل منابت الخير والصلاح فينا، في كل نفس غيورة على الوطن، لينفض من على ظهورنا وخز وشوك المفسدين والمرابين والمهربين وسماسرة الأراضي والمرتشين والذين يضعون ملايين الدولارات من الهبات والمنح والمساعدات في جيوبهم، بينما هي من أمم وفية متسامحة متحضرة في أوروبا وأميركا وآسيا وغيرها تقدمها للشعب اليمني.

إن إصلاح الوطن ليس مستحيلاً، وعام ونيف يكفي يا فخامة الأخ الرئيس لأن ترعى الثورة الثالثة.. ثورة الإصلاح المالي والإداري والاقتصادي، وسوف تجد إلى جانبك عشرين مليوناً إلا قليلاً. هذا القليل الذي لا يتجاوز بضعة مئات هم الطاعون الذي يستشري في جسد الوطن بينما علاجه بأيدينا جميعاً.. وفقكم الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى