الشعر والحداثية بين مدرستي الديوان وأبوللو

> «الأيام» علي محمد يحيى:

> تقديم..منذ أن ظهر التجديد في الشعر العربي في العصر الأموي مع بروز الشعر السياسي، فقد كان ذلك نمطاً جديداً لم تعرفه العصور السابقة، سواء في عهد الجاهلية أو في صدر الإسلام، حتى ظهر بعده شعر (النقائض) بين فحول شعراء العصر الأموي، مثل النقائض بين جرير والفرزدق، وجرير والأخطل، وجرير والراعي النميري، وزيادة الأعجم وكعب الأشقري، وغيرهم من الشعراء في ذلك الزمن المملوء بالأحزاب والمذاهب والتيارات والاتجاهات .

وفي إثر ذلك، بدأ فقهاء اللغة وعلماؤها يدرسون هذا الشعر الجديد دراسة علمية، حتى حصروا من خلاله العروض، ورتبوا قواعد الشعر، وما يمكن الاستشهاد به، وما لا يمكن اعتباره دليلاً على متانة اللغة وصدقها، إلى غير ذلك .. وهكذا بقوا في حالة تواصل يتفننون في دراسة الشعر، إلى أن استكمل الشعر عدته الأدبية واللغوية والعروضية والبلاغية. وفي القرن الثالث الهجري، بدأ فقهاء اللغة هؤلاء اتجاههم نحو دراسة الشعر دراسة نقدية، مختلفين مع من سبقهم، ليبقى هذا النقد واضحاً صلباً، فظهرت دراسة (الموازنات الشعرية) مثل موازنات الجرجاني بين أبي تمام والبحتري، ثم الوساطة بين المتنبي وخصومه، كما ظهرت بعدها دراسات ابن قتيبة وابن طباطبا والآمدي. واستمر هؤلاء يدرسون الشعر ويقيمونه ويحللون نصوصه ويوضحون ما يتفوق الشاعر به، وما يشذ في شعره، فاستمر هذا النمط من النقد في تطوره حتى نهاية القرن الرابع الهجري. جاءت بعده فترة ركود للأدب بعد انفراط قوة الخلافة وازدياد الفتن والمنازعات على السلطة، وعدم الاستقرار في الحياة العامة، فاضمحل الشعر وضعف الأدب بصورة عامة، واستمر هذا الضعف حتى شحت عند العرب قرائحهم ونضبت مداركهم، فكسدت بضاعة الشعر، وتراجع النقد بتراجع الأدب، فانعدم المشجعون للشعراء، ولم يعد هناك من يجزل لهم العطاء، مما جعلهم يتجهون إلى امتهان أعمال أخرى يضمنون بها لقمة العيش، فلم يحدث بعد ذلك أي تجديد أو استمرارية في النقد، بل تبعهم شعراء القرون الوسطى يقلدونهم مقتنعين برص الكلمات ووزن الأبيات، دون الاكتراث بالإبداع والتجربة، وظلت الحالة كما هي عليه، حتى ظهر عصر النهضة الحديثة، عصر الانفتاح العلمي والرقي الحضاري، عصر المدرسة ودار العلم والجامعة والمطبعة، فظهر الرواد من شعراء النهضة الذين كان في مقدمتهم رائد عصره محمود سامي البارودي، ومن تبع نهجه من التقليديين مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وإسماعيل صبري وآخرين. حين حمل كل هؤلاء راية المعارضة لفحول الشعراء المتقدمين، ليبرهنوا بذلك على قوة ملكاتهم وجمال معانيهم، حتى يحكم النقاد بين شعرهم وبين شعر المتقدمين، فنتج عن ذلك لأولئك وهؤلاء مشجعون ومناصرون، فعادت للشعر العربي روحه ومكانته، خاصة مع انتشار المدارس والجامعات ومع من عاد من المبتعثين للدراسة في أوروبا، وقد تلقحت أفكارهم بشتى المعارف وأنواع الآداب التي درسوها، ودرسوا معها الشعر اللاتيني وترجموه إلى لغتهم العربية، مما أتاح الفرصة لدخول أنواع وأغراض ومذاهب جديدة إلى الشعر العربي لم يكن له عهد بها. وبدأ الشعراء ممن اكتسبوا هذه الثقافة الغربية يأخذون على شعراء الكلاسيكية مواقفهم التقليدية وجمودهم الفكري، واقتناعهم بتمكنهم من معارضة المتقدمين من الشعراء، ولكنهم في الوقت ذاته لم يحاولوا مسايرة العصر والتجديد في الشعر والاتجاه نحو المدارس الأدبية التي طرقها شعراء أوروبا، الذين يعالج شعرهم نواحي الحياة بكل معانيها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، فأخذت الساحة الأدبية تزخر بشتى أنواع وأغراض الشعر والأدب من ملتزم إلى متطرف في شعره، وكذلك إلى وسط بين الفريقين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى