موجز حول وثيقة منظمة العفو الدولية واحترام حقوق الإنسان في اليمن

> بدر سالمين باسنيد:

> بداية لا بد من القول إن تصدي صحيفة «الأيام» ومبادرتها بنشر تقرير منظمة العفو الدولية.. أو وثيقتها «الولايات المتحدة الأمريكية/ الأردن/اليمن: التعذيب والاعتقال السري - شهادات المختفين في سياق الحرب على الإرهاب» .. كانت مبادرة صحيفة «الأيام» مساهمة رائعة بنشر معلومات مهمة حول «حقوق الإنسان» ومساهمة عظيمة في نشر وتنشيط ذاكرة الناس حول حقوق الإنسان والانتهاكات التي تحدث للإنسان داخل الوطن وخارجه.

لقد كانت المعلومات التي احتوتها الوثيقة بجزئيها جزءاً من حقائق ما يحدث للمعتقلين حول العالم سراً .. من انتهاكات للحقوق الإنسانية المدنية للضحايا الذين سقطوا تحت سياسة «محاربة الإرهاب» التي مازالت عشوائية وغير مفهومة لا في طبيعتها ولا في حدودها ولا في أساليبها، هذه السياسة التي ورطت الكثير من الدول وأوقعتها في مستنقع سياسة الإدارة الأمريكية لتسبح فيه قبل أن تسأل.. ماذا وكيف ولماذا ومتى وإلى أي حد؟ .. أسئلة كثيرة كان لا بد من توضيحها قبل أن تسير هذه الدول في طريق الشيطان.. طريق الظلم وتسبيب المعاناة غير المبررة.. حتى لو كان هذا الظلم والمعاناة يقعان على ضحايا من مواطني هذه الدول ومن أبنائها.

إنه شيء رائع أن يسمح لمنظمة مثل منظمة العفو الدولية أن تزور الضحايا الثلاثة محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم ووليد محمد شاهر القدسي في أماكن احتجازهم.. لقد كان هذا أمراً جيداً فعلاً، سوف يرحب به كل مواطن يمني وسوف يسعد رجال القانون ونشطاء حقوق الإنسان، ونأمل اليوم - هذا اليوم - أن يبقى هذا الأمر ويستمر من قبل السلطات اليمنية على أساس قناعة مبدئية أن يكون مبدؤنا في اليمن هو التعامل بهذه الصورة دائماً، وأن نسمح بمراقبة أوضاع معتقلين أو سجناء أو محتجزين في إطار عمل هذه المنظمات القانونية ونشطاء الحقوق في مواجهة انتهاكات حقوق هؤلاء المعتقلين أو السجناء أو المحتجزين في إطار من الشفافية الخالصة دون خوف أو تردد، فلو أثبتت الحكومة اليمنية هذه القناعة والأخذ بها عملياً من الآن وصاعداً، فإنها سوف تبعد الشكوك حول أية خلفية سياسية محضة للسماح بالكشف عن هذه المعلومات من المحتجزين والضحايا الثلاثة، وهذه الخطوة في كل الأحوال سياسية ولا يمكن أن تكون أمور كهذه، وغيرها لا علاقة لها بسياسة معينة، وما نقوله هو أن تكون هذه هي سياسة اليمن في مجال حقوق الإنسان وبقناعة حقيقية وبعمل مستمر ومثابر وبتعاطٍ وبقلب مفتوح مع منظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان العاملين في هذا المجال.

وهنا لا بد الآن أن نشير إلى ما يلي: لإثبات توجه سليم يسير بنا إلى احترام فعلي لحقوق الإنسان من كل النواحي، فإنه يتوجب أن ينعكس كل هذا في التطبيق الفعلي لكل الأعمال المتعلقة بنشاط أجهزة الأمن والنيابة والقضاء فيما يخص حقوق الأفراد وضمانتهم، وكذلك حقوقهم وضماناتهم داخل السجون، لذلك فإنه لا يكفي أبداً أن نقوم بين الحين والآخر بالتصريح حول احترامنا لحقوق الإنسان، هذا لن يعني بالضرورة أن ذلك هو الحقيقة.. ولا يكفي أبداً الإعلان عن دورات لبعض منتسبي الشرطة والنيابة والقضاء بشأن حقوق الإنسان، هذه الدورات لا تعكس بالضرورة مواقف صحيحة تجاه حقوق الإنسان. نحن في اليمن بحاجة إلى قرار سياسي صريح .. قرار سياسي يؤدي إلى تطبيق حقيقي لقواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأول هذه القواعد المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، لا بد وأن نقبل بشكل صريح وواضح ومعلن أن هذه القواعد الدولية التي قبلنا بها، هي أعلى وأسمى من القانون الوطني والدستور، وأن يرى المواطن تطبيقها على الأرض.. في مراكز الاحتجاز، وفي النيابات والمحاكم بشكل كامل .. وأن ينعكس كل هذا في التشريعات التي هي بحاجة فعلية حقيقية للتعديل والإضافات، حتى نستطيع أن نتحدث بصوت عال عن احترامنا لحقوق الإنسان، فما زال أمام اليمن تحديات كبيرة وكبيرة جداً وأمامها الكثير لتعمله حتى تحدد اختيارها وانحيازها للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

أستغرب تماماً أن يقول مسؤولون يمنيون - كما ورد في الوثيقة - إنه لا توجد أسباب قانونية لاحتجاز باشميلة وصلاح ناصر سليم وإن احتجازهما هو بطلب من السلطات الأمريكية .. الجهة التي تعلن هذا ربما لا تعلم بأن الدستور في مادته (48) (أ) جعل الدولة «تكفل - وأشدد هنا على كلمة «تكفل» - للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم» ولذلك فإن ذلك القول للمسؤولين اليمنيين «الوثيقة عدد 4552 - 6 أغسطس 2005م»، يلغي هذا النص الدستوري أو يجعل منه ومن غيره «نصوص زينة»، هذا التصريح ألغى استقلالية القضاء، واعتبار النيابة العامة هيئة من هيئاته (المادة 149 من الدستور).. وجعل كل حرية المواطنين وحبسهم في أيد أخرى أمنية غير القضاء والنيابة.

كما ألغى التصريح أحكام احتجاز المواطنين وقواعد هذا الاحتجاز في الفقرة «ب» من نفس المادة (48) من الدستور.

أجهزة الأمن أياً كانت لا تملك أن تتفق مع أي دولة، وكذا الحكومة اليمنية أيضاً لا تملك أن تتفاوض أو تتفق مع الولايات المتحدة على احتجاز مواطنين يمنيين بناء على طلب تقدمه، ولا تملك أجهزة الأمن التحقيق مع هؤلاء بناء على طلب أمريكي أو الإفراج عنهم بعد إشعار الولايات المتحدة، هذا الكلام الذي أوردته الوثيقة لو صح فإن «كفالة الدولة» المشار إليها في المادة (48) «أ» من الدستور تعني فعلاً أنها نصوص للزينة، وأن محتوياتها ليست حقيقية، ولذلك فإنه يتوجب على الدولة اليمنية الآن أن تجيب عن ما ورد في الوثيقة على لسان «مسؤولين يمنيين»، لأن تصريحهم يعني أن المجتمع في وضع خطير، وأن كل ضمانات القانون والدستور لا تعني شيئاً .. اليمنيون كما أعتقد يريدون اليوم إجابة صريحة من الدولة حول هذه الأمور المصرح بها من قبل «مسؤولين في الدولة» .

في التطبيق العملي الذي نلحظه ونعايشه - على الأقل في تجاربنا كمحامين - نلاحظ بوضوح انتهاكات صريحة ومتكررة لحقوق وضمانات محتجزين أحياناً، وتجاوزاً للصلاحيات أحياناً أخرى كمثل إخفاء متهمين كان من واجبهم حماية أمن المجتمع وارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون، وإرسالهم إلى محافظات أخرى لحمايتهم من المساءلة القضائية، وبالمقابل لا مساءلة ولا إعادة الوضع الصحيح للأطراف أمام المحاكم .. نلاحظ تجاوزات لضمانات محتجزين/متهمين .. ويتم تمريرها وتبريرها في النيابة والمحاكم مع الأسف.

كل هذا لا بد وأن يجعل وضع حقوق الإنسان غير مستقر، بل وسيئاً في سجل اليمن، ولذلك نحن جميعاً في مركب واحد، وكل هذه الانتهاكات وعدم استقرار التوجه وعدم ثباته وعدم مصداقية ما يكتب في التشريعات الأساسية والقوانين، وقصورها واستمرار التجاوزات وفقدان الاطمئنان إلى عدد من المحاكمات بأنها محاكمة عادلة مستجيبة لقواعد القانون الدولي، وغير ذلك الشيء الكثير.. كل هذا سوف يجعلنا في وضع سيئ للغاية داخل مركب واحد.. الصمت تجاه احترام حقوق الإنسان في اليمن، الصمت دائماً قاتل.

والآن هل ستقدم اليمن - كدولة ذات سيادة - على الإفراج الفوري عن الضحايا الثلاثة؟. السيادة تستمدها الدولة من شعبها ولا يحق للسلطة التنفيذية تقرير أمور السيادة أو التنازل عنها أو الاتفاق بما يضر بها أو يقيد حقوق الشعب .. لا يحق للسلطة أن تتخذ مثل هذه القرارات لوحدها، ومن حصيلة قناعاتها، وإلاّ كانت باطلة يتوجب إلغاؤها .. فهل ستقوم الدولة اليمنية بواجبها تجاه هؤلاء وغيرهم من القادمين من جوانتنامو؟!.. سنرى.

أما دور «النخبة» من المحامين في نقابتهم وفروعها، فقد أدينا صلاة الجنازة منذ فترة .. بعد أن لعبت السياسة والحزب الحاكم والأمن في حقوق المواطنة في تشكيل المواطنين منظمات ونقابات لهم.

اللهم أعن هذه الأمة على البلاء المستمر الذي أصابها، وارزقنا الصبر أبناء الجنوب على البلاوي المضاعفة حتى ينقشع الضرّ عن هذه الأمة .. اللهم آمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى