يوم من الأيــام..العرب والعودة إلى المربع الأول

> أحمد القمع :

> ماذا تريد سويسرا؟هل هي الحرية؟ إنها استمتعت بها منذ قرون. هل هي المساواة ؟ لقد حققتها. هل هي الجمهورية ؟ إنها دستورها,ماذا تريد سويسرا إذن؟ إنها تريد التغيير فهذا هو قانون الكائنات الحية. هذا ما قاله الكاتب الفرنسي شاتوبريان منذ أكثر من مائة وثمانين عاماً حين كانت سويسرا تمر بالثورة وتنادي بالإصلاح والتغيير وكان نظام الحكم مزيجا من حكم الجمهوريات والأقليات ويعتمد على فساد النبلاء والمرتزقة.

ومن التجربة السويسرية التي يتشكل مجموع سكانها من الألمان والإيطاليين والفرنسيين وغيرهم من الأقليات والتي أسفرت الثورة فيها عن قيام الدولة الفيدرالية ودستورها الفيدرالي الذي وضع عام 1848م ويقوم على الديمقراطية البرلمانية وكان يتغير بحيث يصبح ملائما للظروف المتغيرة يتجسد المبنى والمعنى للمفهوم الوحدوي أو الاتحادي في ظل التنوع أو التعدد وكيفية القوة في الوحدة أو الاتحاد والضعف في وحدة القوة أو اتحاد القوة.

والأسئلة تتكاثر وتتقاطر حول العرب مجتمعة ومتفرقة، وتجاربها المتعددة والمتنوعة في الوحدات والتجمعات والتكتلات واخفاقاتها في كل تلك التجارب وقابليتها للتفكك والانشطار في حدود الدولة الوطنية أو القطرية، سمها ما شئت، وأيضا في داخل تلك المكونات للدولة إلى أصغر مكون للحدود العشائرية والقبلية كذلك.

والأجوبة لعلنا نستقيها من مجراها العام المتوارث من الحكاية المتداولة بين أيدي الأطفال العرب الآن، وهي للفارس العربي الشجاع المهلب بن أبي صفرة وحكايته مع أبنائه الذين دعاهم إليه ذات يوم وأحضر حزمة من السهام وطلب من كل واحد منهم أن يكسرها مجتمعة .. ثم فرق السهام ووزعها على أولاده فابتسم ثم قال:

- هكذا هي الوحدة يا أبنائي، إنها القوة.

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً

واذا افترقن تكسرت آحادا

والإشكالية أننا من هذه الحكاية كما يقال ندرك حكمة عظيمة هي أن قوة العرب في وحدتهم وضعفهم في تفرقهم. ومن رواية المسعودي لقصة صاحب الحكاية مع الخليفة عبدالملك بن مروان ومع أبنائه وما آلوا إليه من مصير سنكتشف سر مفهوم القوة الذي أعاد العرب إلى المربع الأول، مربع الحدود الوطنية والمواطنة والدولة والاندماج الاجتماعي والتعايش والتوزيع العادل للثروة والمشاركة الشعبية الواسعة في الحكم والكيفية التي تبنى بها الأوطان لتستمد شرعيتها وقوتها بمقدار درجة انفتاحها على ما فيها من تعددات وإيمانها بالوحدة من خلال التنوع.

عودة العرب إلى مربع الإصلاح والتغيير عودة حميدة، باعتبار أن نظم الحكم القديمة والمتهالكة نتاج للمفهوم الخاطئ للقوة ومن ثم التخلص من اجترار سوء الفهم محطة الانطلاق الجديدة لتحديد وتجسد المدلول والمعنى للإصلاح والتغيير المنشود. أما في حالة الاستمرار والإصرار والتمسك بسهام (ابن أبي صفرة) مجتمعة أو متفرقة، فالعودة بالتأكيد غير حميدة فهي سهام طائشة تحدد مسارها الحمية القبلية العصبية الضيقة التي جعلت عند العرب القابلية للتفكك والانشطار والتشظي وجعلت منهم عرضة لمثل هذه السهام التي أصابت يزيد بن الملهب يوم خروجه على الخليفة بمعية من ناصروه من القبائل على الخروج لينفضوا من ساحة القتال لحظة سماعهم بمقتله ولم يبق سوى إخوته الذين انتهوا عن بكرة أبيهم وحينها قال الشاعر:

كل القبائل بايعوك على الذي

تدعو إليه طائعين وساروا

حتى إذا حضر الوغى وجعلتهم

نصب الأسنة أسلموك وطاروا

إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن

عارا عليك وبعض قتل عار

وقال آخر:

فلم يبق منهم راية تعرفونها

ولم يبق من آل المهلب عسكرا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى