المعايير للترشّح لجائزة نوبل..وراقية

> المحامي الشيخ طارق عبدالله:

> ولد الفريد بارنارد نوبل، العالم الكيميائي من أصل سويدي، في عام 1833م وتوفي في عام 1896م . اخترع الديناميت في عام 1867م وأوصى بثروته التي تقدر بـ805 مليون دولار أمريكي تقريباً على سبيل الائتمان كمؤسسة وقفية باسمه لتكريم الإنجازات المختارة التي تعود بالنفع للجنس البشري، وذلك بجوائز تمنح سنوياً لمن ساهم بالمنفعة الكبرى تجاه البشرية.. وتمنح الجوائز منذ عام 1901م. وقد تمنح جائزة لإثنين أو ثلاثة فائزين وهناك من الأشخاص الذين كرموا مرتين.

إن معايير اختيار المرشح لجائزة نوبل كثيرة جداً وفي منتهى التعقيد، وهي برمتها ما تطرق إليها العديد من الكتاب وخلصوا إلى وجودها في راقية، وذلك أنه على الأرجح لا يوجد أي شخص في اليمن يفهم ويعرف راقية كما أعرفها باستثناء أقربائها والعاملين معها.

كما أن الجائزة مفتوحة تقريباً لأعضاء كل مهنة، وكذا الأشخاص من مختلف المهن والبيئات، ويتطلب من ذلك الشخص أن يكون قد وصل إلى درجة عالية في التفوق في مجال مهنته، ليس هذا فحسب بل ينبغي أن يكون إنساناً خيراً متسماً بصفات الاستقامة، الأمانة والنهج القويم، وأنه قد وهب وكرس حياته من أجل قضية إصلاح مجتمعه والعالم من غير أنانية وذلك على طريق مهنته.. إن أول يوم باشرت فيه عملها في المكتب استمعت فيه راقية لمحاضرتي بصبر، وهي المحاضرة التقليدية التي تعودت أن ألقيها على كل من ينضم إلى هذه المهنة.. واستوعبتْ كل ما قلت وكانت جاهزة لكل ذلك، وكانت راقية تفي بكل هذه الصفات على الوجه الأكمل، وهي تمثل بذلك نموذجا أمام السلطات لكي تدرك أن هناك امرأة لوحدها خدمت بلدها أفضل بكثير من الكثير.. لعلم القراء الكرام هناك فارق ملحوظ في العمر بيننا فهي في الخمسينات وأنا في السبعينات.

وبعد استكمالها مؤهلاتها القانونية الأكاديمية العالية، عادت من لندن إلى عدن، وعملت بعد ذلك في الخدمة المدنية كمستشارة قانونية متعددة لمدة 7 سنوات، وبعدها قررت راقية الدخول في العمل الخاص لمزاولة مهنة المحاماة، وقد انضمت والتحقت بمكتبي لهذا الغرض لتكريس حياتها العملية في تعاطي ممارسة هذه المهنة.. وقد كانت تربطنا الزمالة المهنية بعد فترة أولية كشريك ومن ثم كزميلة في مبنى واحد لفترة 25 سنة تقريباً.

إن مهنة المحاماة في بلدان العالم الثالث هي الأكثر طلباً من المهن الأخرى، ومن كان ينتمي إليها مطلوب منه أن يكون لديه مهارات خاصة من خلال العمل الدؤوب، ليس هذا فحسب بل يتعين عليه أيضاً أن يتميز بوعي وإدراك عميق بما يتلاءم مع مبادئ وأصول المهنة، التي تفرض عليه الالتزام بأعلى مبادئ السلوك القويم والانضباط.. وقد التزمت راقية بكل ذلك طوال تلك الفترة.

لسوء الحظ لم تقم حكوماتنا المتعاقبة ولا الحزب الحاكم بدعم نقابة المحامين بشكل صحيح وكما يجب، أو أنها هي كما يبدو لا تدرك حتى الأسس التي بنيت عليها هذه المهنة، والتي تحظى بأهمية قصوى في بناء المجتمع.. وإلا لما وصلت إلى المستوى القريب من الدرك الأسفل .. وللأسف، جهازنا القضائي يرتع أدناها، مع خالص الاعتذار لهذين الجهازين وبوجه خاص لأعضائهما الأفاضل بالنسبة لطرح الأمور بهذا الأسلوب.

آسف على الاستطراد والخروج عن موضوعي الرئيسي.. بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يستطيع أي من كان أن يفي بمعايير الترشح لجائزة نوبل إذا كان أو كانت لا تملك الإحساس بالمشاعر الطيبة وما يلهمه الضمير الحي تجاه مجتمعها والبشرية عامة..لا يكفي أن تضحك عندما يضحك الآخرون، ولكن ينبغي عليك أيضاً أن تذرف الدمع عندما يرد ذلك من قبل الآخرين.. وبقدر ما تشاطرهم فرحهم وسعادتهم ينبغي عليك أن تشاطرهم آلامهم وأحزانهم وتناضل من أجل تقليل ذلك، وراقية هي من هذه الشريحة.

لسوء الحظ في هذا الجزء من العالم الذي نعيش فيه، وبوجه خاص في اليمن، إذا كان الشخص محامياً ذا ضمير حي فإنه يجد نفسه يبكي على الدوام حتى تجف العيون ومع ذلك يظل الفؤاد على نحو ذلك. بالإمكان الاستشهاد بأحداث مؤثرة لا تحصى من حياة عملها اليومي الأمر الذي قد يحرك مشاعر قساة القلوب من القراء.. وأقل شيء أقوله عنها قيامها بالدفاع عن المظلوم الضعيف بسكون وقيامها بزيارات خاصة لعدد من سكان المساكن الشعبية لمساعدة المرضى والفقراء والمعوزين .. وهلم جراً. كما لا يمكن لأي شخص الإيفاء بالمعايير إذا كان محامياً لا يملك الشجاعة الكافية حيال معتقداته، انطلاقاً من القناعة والإيمان الراسخ، ولا يتعاطى قضايا حساسة جدلية (محور نزاع) بجرأة وبسألة، الجدير بالذكر أن هذا النوع من القضايا يخل بقاعدة القانون ويتضمن خروقات لحقوق الإنسان من قبل الجهازين التنفيذي والقضائي اللذين يتصرفان كأداة تعمل لمصلحة ورغبات السلطات المتنفذة وخاصة بطريقة متذللة أو سرية.. راقية دافعت عن تلك القضايا دون خوف وكان لنا دور مشترك ودعم لبعضنا البعض تجاه تلك الأمور طوال الفترة برمتها.

وللأسف نعيش في بلد يتكرر فيها ارتكاب المخالفات والخروقات باعتبار أن تلك هي الحالة الغالبة أو السائدة في بلد، يكون فيها وجود المحاكم أمراً ضرورياً مع استقلالية القضاء، ومع ذلك فهناك إساءة لاستخدام القانون لقصد لا يقره قانون، وتعاطي الرشوة وفساد في وضح النهار، والرضوخ لعبودية الجشع والتوق إلى المادة، الجاه والسلطة.. أقول عارٌ على تلك الفئة في الطليعة التي تعتبر السبب الرئيسي لخراب اليمن .. يوما بعد يوم أعود من المحاكم مكسور الفؤاد وفي حالة إحباط، وراقية أكثر مني معاناة، مواقف تظل محفورة في الذهن بمرارة.. بكل تواضع أسلم بتفوق قلب المرأة على قلب الرجل في تلك الأمور .. وإذا كانت هناك امرأة يمنية تمتلك مثل هذا القلب عندئذ تتفوق على قلوب العالم كافة.

بإمكاني الاسترسال والاستمرار، ومع ذلك يتعين علي أن أقف هنا وأمسك قلمي بقولي إني لاحظت من خلال ما كتبه الكثير من الكتاب الذين عبروا عن خيبة أملهم إزاء صمت المسؤولين والصحافة الرسمية حيال الأمر.. ولكن لن أقول ذلك.. ذلك أن حاستي السادسة تقول أن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح سوف يكرم راقية بمنحها الوسام الذي سبق وأن منحه للسفيرة الأميركية بربارا بودين، وبالتالي تكون هذه ضربة معلم سياسية ذكية سوف تعود بمنافع كثيرة متعددة الأشكال داخلياً وخارجياً.

هناك أيضاً تنبؤ منطلقٌ من حاستي السادسة.. بعد أن قرر الرئيس عدم ترشيحه لولاية جديدة طبعاً بملء اختياره وإرادته الشخصية، فإنه سوف يكون مرشحاً لجائزة نوبل وأكثر من ذلك فائزا بجائزة نوبل بالتأكيد.. ذلك لأنه يكون قد أحدث سابقة ديمقراطية في غاية الأهمية في الشرق الأوسط.. ولن يقف الأمر إلى هذا الحد، وإنما سوف يصبح الأداة الموصلة إلى طرح العملية الديمقراطية في الشرق الأوسط موضع تحريك من القمة .. وما فشل العالم العربي في تحقيقه في الربع الأخير من القرن سوف يجعله الرئيس علي عبدالله صالح ممكناً ليظهره على قادة الشرق الأوسط، باعتبار ما أقدم عليه يمكن القيام به ببساطة وسهولة. وفي سباق الديمقراطية سوف يظل جوادنا الفائز، وأضع رهاني على جواد يمني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى