دية المرأة بين التنصيف والتمام

> المحامي/ جلال عمر البطيلي:

> كعادتها أبت صحيفة «الأيام» إلا أن تكون السباقة في نقل كل جديد وهام من الموضوعات والنقاشات ذات الدلالات التي تهم الرأي العام بمختلف مستوياته ودرجاته وألوانه، وقد كان آخر ما تناولته هذه الصحيفة الغراء في عددها (4573) الصادر يوم الثلاثاء الموافق 30/8/2005م هو حلقة النقاش الخاصة بدية المرأة بين التنصيف والتمام والتي نظمتها (wprt وnofi ) في محافظة تعز.

وبداية وقبل الخوض في التفاصيل أود أن أذكر بأن حلقة النقاش المشار لها أعلاه كانت قد خصصت لمناقشة موضوع الدية وعلى وجه الخصوص دية المرأة فيما إذا كانت دية كاملة أسوة بالرجل، أم أنها النصف قياسا على ميراثها وشهادتها وباعتبارها ليس عليها تكاليف مالية قياسا بالرجل حسب وجه نظر أصحاب هذا الرأي.

ولأهمية هذا الموضوع رغبنا أن يكون لنا رأي فيه ومشاركة نوجزها في الآتي:

أولاً، وقبل الخوض في تحديد مقدار دية المرأة ما إذا كانت دية كاملة أو نصف الدية، نود أن نبين أن حالات وجوب الدية:

- أن الدية كعقوبة في جرائم القتل فإنها تكون في حالتين هما:

1- الحالة الأولى: وهي أن تكون الدية عقوبة أصلية كما في القتل حسب تقسيم القتل إلى عمد وخطأ كما هو حال مذهب المالكية، وتكون ايضا في شبة العمد كما هو رأي المذهب الشافعي، الذي يقسم القتل إلى ثلاثة أقسام عمد وخطأ وشبه عمد، وهنا في هذه الحالة تكون الدية بشكل عام أكانت للمرأة أم للرجل عقوبة أصلية في الخطأ وشبة العمد.

2-الحالة الثانية: أن تكون الدية عقوبة بديلة للقصاص في حالة تنازل أولياء الدم عنه واستبداله بالدية. فتكون هنا الدية هي عقوبة بديلة وليست أصلية كما في الخطأ.

ومنه يتضح أن الحديث عن الدية يعني الحديث عن القتل الخطأ بشكل أساسي، حيث تكون الدية عقوبة أصلية فيه واستثناء في القتل العمد حيث تكون الدية عقوبة بديلة فيه وليست أساسية.

ثانيا: من خلال اطلاعنا على حلقة النقاش لاحظنا خروج النقاش عن موضوع الحلقة (دية المرأة) وحدوث بعض التداخل بين جرائم القتل العمد المعاقب عليها بالقصاص، والقتل الخطأ المعاقب عليه بالدية، مع أن حلقة النقاش خصصت لدية المرأة، ونقول الدية بشكل عام، وقد أسلفنا وكما هو متعارف عليه أن الديه عقوبة أصلية لا تكون إلا في القتل الخطأ وليس في القتل العمد، مما يعني أن الحديث عن الدية يلزم أن لا يخرج عن القتل الخطأ. وإن ما حدث من مطالبة بزيادة الدية للحد من جرائم القتل كما جاء في آراء بعض المشاركين في حلقة النقاش فإنه يحدث تداخلا وعدم تمييز فيما بين جرائم القتل الخطأ والقتل العمد، وهو ما يضع جرائم العمد في قائمة الخطأ المعاقب عليه بالدية وهو أمر غير مسلم به، حيث إن القتل العمد هو ما عوقب عليه بالقصاص لا بالدية، وإن المطالب التي حملت على ضرورة زيادة الدية للحد من جرائم القتل إنما كان يقصد بها القتل العمد، وهو ليس موضوع حلقة النقاش المكرسة للقتل الخطأ المعاقب عليه بالدية، ولذلك وجب التنبيه الى ضرورة التفرقة بين القتل المطالب بالحد منه، وهو القتل العمد الذي لا يدخل في قائمة ما عوقب عليه بالدية حتى نطالب بزيادة الدية للحد منه، وبين القتل الخطأ المعاقب عليه بالدية موضوع حلقة النقاش.

ثالثا: كما لاحظنا أيضا أن أكثر الآراء قد اتجهت إلى ضرورة زيادة الدية للحد من جريمة القتل، غير إن ذلك الرأي تشوبه بعض الملاحظات أهمها:

1- ضرورة التمييز بين القتل العمد والمعاقب عليه بالقصاص والقتل الخطأ المعاقب عليه بالدية كعقوبات أصلية لكل منهما.

2- إن الدية - إن زادت أو نقصت - كعقوبة أصلية لا تكون إلا في الخطأ ولا تكون في القتل العمد، وأن القتل الخطأ هو ما لم تتوافر فيه النية ويخرج عن إرادة صاحبه، وبالتالي فإن زيادة الدية لن يؤدي إلى النتيجة المرجوة وهي الحد من جريمة القتل باعتبار أن الدية لا تكون إلا في القتل الخطأ، وأن الخطأ هو ما لم تتوافر فيه النية ويخرج عن إرادة صاحبه (أي عدم توافر النية الإجرامية فيه)، وبالتالي فلن تحقق زيادة الدية الغاية المرجوة منها حسب أصحاب هذا الرأي، مع اتفاقنا مع الرأي القائل بأن الدية المقررة وفقا للقانون اليمني فيها شيء من الخروج عن أحكام الشريعة، غير أن عمر ابن الخطاب ] اجتهد في حد السرقة.

3- أن ما ذهب إليه أصحاب الرأي المطالب بزيادة الدية للحد من جريمة القتل، وهو طرح يتفق وجرائم القتل العمد التي تتوافر فيها النية وتتجه إرادة صاحبها إلى إحداث النتيجة (أي توافر النية الإجرامية) وهو ما لا يمكن أن يتحقق من خلال ما ذهب إليه أصحاب هذا الرأي مع جرائم القتل الخطأ موضوع حلقة النقاش، مما لا تتوافر فيه النية الإجرامية، ونرى أنه يمكن تحقيق هدف أصحاب هذا الرأي ولكن ليس من خلال زيادة الدية المتعلقة بجريمة القتل الخطأ وإنما من خلال تطبيق وإرساء سيادة القانون وعدم التساهل في إجراءات قضايا القتل العمد وسرعة تنفيذ أحكامها لا زيادة الدية.

4- أن جرائم القتل الخطأ وكما أوضحنا هي تلك التي تخرج عن إرادة صاحبها ولا تتجه فيها نيته نحو إحداث النتيجة. أي هي ما تفتقد النية الإجرامية، ويدخل في جرائم القتل الخطأ الحوادث المرورية المؤدية إلى الموت، ويدخل فيها أيضا سقوط شيء من على منزل شخص ليقع على شخص مار بجانب المنزل فيؤدي إلى وفاته، وغيرها من الأفعال التي لا تتوافر فيها النية الإجرامية أو القصد الجنائي من تلك الحالات التي تكون زيادة الدية فيها ليست إلا ضربا من العبث وإثقالا لكاهل المتسبب والتي يكون التنازل فيها خيراً، رداً للأمور إلى القضاء والقدر، ونأخذ لذلك مثالا: الشخص الذي يعمل على سيارة أجرة مملوكة للغير مقابل أجر يومي، أو شخص يمتلك سيارة تفي بالغرض ويعمل عليها بالأجرة لتوفير قوته وقوت أطفاله، ويشاء القدر أن يتعرض هذا الشخص ويتسبب في حادث مروري يؤدي إلى وفاة شخص أو أكثر، فمن لهذا الشخص الذي يعمل على سيارة أجرة مقابل أجر يومي أن يأتي بدية الشخص المتوفى أو الأشخاص بسبب هذا الحادث المروري، والتي قد تبلغ إذا ما أخذنا بمطالب الزيادة عشرة ملايين؟ فمن أين لهذا الشخص أن يأتي بهذا المبلغ وهو يعمل على سيارة أجرة ولا حول له ولا قوة فيما صنعه القدر؟.. ألن تكون زيادة الدية في هذه الحالة عبثاً وإثقالاً لكاهل الكثير، علما بأننا نتفق مع أصحاب الرأي في زيادة الدية في جزء من مبرراتهم لهذه الزيادة ولكن ليس دون تصنيف. والسؤال الذي نود أن نتركه هنا هو: هل زيادة الدية سيؤدي فعلا إلى الحد والتخفيف من جرائم القتل الخطأ التي لا يد للإنسان فيها ولا إرادة غير القضاء والقدر من تلك الجرائم التي تكون الدية عقوبة أصلية فيها؟

رابعا: وهو ما يتعلق بموضوع حلقة النقاش (دية المرأة بين التنصيف والتمام) وفيه رأيان:


الرأي الأول: التنصيف
وأصحاب هذا الرأي يرون أن دية المرأة هي نصف دية الرجل، ولعل هناك شبه اتفاق بين الفقهاء في هذه المسألة وهي أن دية المرأة هي نصف الرجل أخذاً بما نسب إلى الرسول [ أنه كتب لعمر بن حزام «دية المرأة على النصف من دية الرجل»، كما يروى عن عمر وعلي وعثمان رضوان الله عليهم أنهم قالوا: «إن دية المرأة على النصف من دية الرجل» وأنه لم ينقل أن أحدا أنكر عليهم فكان إجماعا، إضافة إلى ذلك فهم - أي أصحاب هذا الرأي - يردون دية المرأة إلى النصف من دية الرجل قياسا لأن المرأة في ميراثها وشهادتها على النصف من الرجل فكذلك في ديتها، وهكذا سار أصحاب هذا الرأي في تنصيف دية المرأة.


الرأي الثاني: دية كاملة
أصحاب هذا الرأي يرون إن للمرأة دية كاملة أسوة بالرجل، ويستندون في ذلك إلى الآتي:

1- قوله تبارك وتعالى {ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله}. وسند أصحاب هذا الرأي جاء وفقا للقاعدة اللغوية (مخاطبة الجمع يكون دائماً بلغة المذكر وإن كان فيهم نسوة)، أي يخاطب الجمع من الرجال والنساء بلغة الذكر، كما أن هذه الآية القرآنية قد جاءت بلغة التعميم وليس التخصيص، فكانت دية كاملة لكل من الرجل والمرأة دون تخصيص.

2- عدم وجود نص صريح لتنصيف دية المرأة وتخصيص عموم الآية القرآنية الواردة بشأن الدية.

3- ضعف التحقق من صحة الحديث النبوي المنصف لدية المرأة وسنده وكذلك الإجماع، وعدم ارتقائهما - أي الحديث والاجماع - إلى قوة النص القرآني .

ومنه نخرج إلى أن اصحاب هذا الرأي قد اعطوا للمرأة دية كاملة تأسيسا على النص القرآني بخصوص الدية والوارد بلغة التعميم.

وما نود التأكيد عليه هنا أن ما ذهب اليه أصحاب التنصيف لدية المرأة قياسا على ميراثها وشهادتها وعدم تحملها تكاليف مالية أسوة بالرجل هو قياس غير موفق، وذلك لانعدام علة الاشتراك في القياس بين الأمرين، حيث إن تنصيف ميراث المرأة وشهادتها هو أمر ثابت بنصوص قرآنية ويكون في حالة أن تكون المرأة هي المستفيدة والمتصرفة بهذا الميراث والشهادة بذاتها وشخصها وأن يقرر لها نص ميراث الرجل باعتبارها لا تتحمل تكاليف مالية أسوة بالرجل، وهو أمر مقبول، أما الحالة الثانية المقاسة عليه وهي في ديتها فهنا لا تكون المرأة هي بذاتها وشخصها المستفيدة والمتصرفة بهذه الدية حتى نقيسها على الرجل، حيث تكون قد توفيت ويكون ورثتها هم المستفيدون والمتصرفون في ديتها من بعدها، وإن وارثها قد يكون رجلاً أو مجموعة رجال وهنا يختل القياس فيما بين دية المرأة وميراثها وشهادتها، حيث إنه في حالة الميراث تكون هي المتصرفة والمستفيدة، أما في حالة الدية فإن ورثتها هم المستفيدون والمتصرفون وقد يكونون من الرجال وبالتالي انعدام علة القياس والاشتراك في الحالتين دية المرأة وميراثها، وبالتالي ضعف سند اصحاب تنصيف دية المرأة بالقياس على ميراثها لانعدام علة القياس والاشتراك بين ميراثها وديتها من حيث التصرف به كما بينا اعلاه، وهنا يبقى امر الترجيح بين أصحاب رأي التنصيف لدية المرأة وتمامها موقوفاً ترجيحه على قوة السند لكل منهما وهما الحديث النبوي والإجماع بالنسبة لأصحاب التنصيف الذي إذا ما ثبتت صحتهما وقوة إسنادهما فهما ملزمان ويكون الحديث النبوي هنا مخصصا لعموم الآية القرآنية التي يستند عليها أصحاب الرأي الآخر المعتمدون دية كاملة للمرأة باعتبار أن النص القرآني بلغة التعميم وأنه لم يخصص، ويكون هو الرأي الأرجح في حالة عدم ثبوت تخصيص هذه الآية بحديث واضح السند والقوة، أو أن تكون هذه الآية قد نسخت بآية أخرى، والله أعلم.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى