يافع.. منحنيات وشعاب البن والورس..أشجار تعتصر الماء من الثدي القاسي والورس أقدم مادة تجميل عرفتها العرب

> «الأيام» عبدالقوي الأشول:

>
يافع
يافع
يافع زهرة حجرية وكوز ذرة من زمرد من أي غرابات جئتن بتيجانكن ياملكات حمير يامن ترقصن حافيات في أبهة العرش والشاعر بين الصفين يميل يمنة ويسرة مترنحاً من القات والوجوه الصبغيةورائحة الأس في الجدائل المستدقة

سعدي يوسف
هناك في منحنيات الشعاب وبطون الأودية تتفتح أزهاره العطرة وتتضوع رائحة البن النفاذة.. أما أشهر مناطق زراعته فهي «ذي ناخب» ووادي يهر.. وبقية المرتفعات الجبلية التي عرفت شتلات البن منذ أقدم الأزمنة.

وهنا على موائدنا الرمضانية يكون البن حاضراً بنكهته المألوفة، فما أن تحل لحظة الإفطار حتى تكون قهوة البن حاضرة إلى جانب حبات التمر التي تعد من أفضل ما يمكن أن تتناوله بعد ضنى الصوم. ولأن البن اليمني الأكثر شهرة والأطيب مذاقاً.. فهو الضيف المفضل على الأقل في جزيرة العرب بعد أن تخطته البلدان المنتجة في سيطرتها على أسواق العالم كالبرازيل وكولمبيا وغانا والسنغال وأثيوبيا، إلا أن هذا المنتج العربي مازال في زحمة تلك الأسواق يعد الأعلى مذاقاً والأكثر نكهة وهو ما حدا بتجار البن إلى مزجه بالأنواع الأخرى في سبيل الحصول على نكهة نفاذة.

والبن في اليمن وإن تراجعت أسواقه التصديرية كان أول مشروب تناولته أوروبا، إذ عرفته إنجلترا في العام 1650م من خلال أول مقاهي البن في أكسفورد.. ربما كان ميناء المخا المرتبط في أوربا باسم مخا كوفي أول الموانئ التصديرية للبن.. كما أن إنتاج البن لم يقتصر على مرتفعات يافع وإن كانت هذه المنطقة قد عرفت بإنتاج أجود أنواعه، إذ توجد مناطق أخرى في اليمن لا يقل إنتاجها عن شهرة البن اليافعي كما هو الحال في البن المطري والحمادي ونحوهما.

ورغم ما أصاب أشجار البن من جراء عوامل الجفاف المتتالية، إلا أن ارتباط الفلاح في بعض المناطق بحب زراعته ربما ساهم في المحافظة على قدر من إنتاجه كما هو الحال عند أهالي يافع في لجوئهم إلى بناء السدود التي تمد حقول البن بالمياه عند الضرورة.

مثل هذه المعالجات تبدو غير كافية إذا لم تبادر الجهات المعنية بتشجيع زراعته خصوصاً في أهم المناطق المعروفة بإنتاجه، وذلك عبر بناء الحواجز المائية وتوفير مستلزمات الري الحديث.. بالإضافة إلى البحث عن أسواق تصديرية للبن اليمني ولو على النطاق العربي.

إحساس ربما تعززه موائدنا الرمضانية التي مازالت نكهة بننا دائمة الحضور بها في هذا الشهر الكريم تحديداً.

أما «الورس» أقدم المواد التجميلية على الإطلاق فقد عرفه سكان جزيرة العرب وهو نبات عرفت به اليمن دون غيرها من البلدان.. أما أماكن زراعته فهي المرتفعات الجبلية في يافع وحالمين والشعيب والمناطق الجبلية في عدد من المحافظات الشمالية.

معروف أن هيئة شجرة الورس فريدة، فهي ذات سيقان متباعدة ارتفاعها يبلغ المترين وأوراقها خضراء شاحبة تميل إلى الاغبرار وأحجام الأوراق متوسطة.

أما ثمرها فموسمي.. ويكون على هيئة عناقيد بالونية خضراء اللون تميل تدريجياً للأحمرار كلما مالت للنضج. الغريب أن ثمر الورس يكون على هيئة مسحوق أحمر طبيعي حول تلك العناقيد البالونية.. وعندما يتم قطف العناقيد تترك في الشمس بعيداً عن الريح ليتم بعد ذلك أخذ المسحوق الأحمر المحيط بالثمرة ويستغنى عن بقية أجزائها.. ويكون المسحوق المستخلص هو الورس .. أما كمية محصوله فتكون ضئيلة للغاية ولا تتعدى الأوقية الواحدة للشجرة في أحسن الحالات، مما يجعل محصول الورس عزيزاً ونادراً وغالي الثمن.

عرفه الأهالي منذ عصر ما قبل الإسلام وكان النساء يستخدمن الورس على نطاق واسع كقناع تجميلي للبشرة ويحميها من ضربات الشمس، بالإضافة إلى عناصره التي تجعل البشرة طرية ناعمة بمظهرها المائل للأصفرار المحبب عند النساء.. فنقل استخدامه من الأرياف إلى المدن وأخذ إنتاجه يباع في المدن لمعرفة النساء بخصائصه.

عرف في العصر الإسلامي كمادة تجميلية وعلاجية، إذ ورد في الطب النبوي كعلاج من ذات «الجنب» وهو ورم يصيب جانب الإنسان.

وهو ما يدل على أن الورس قد تجاوز الحدود اليمنية منذ عصور التاريخ الموغلة في القدم واستخدمه العرب في أنحاء الجزيرة العربية، إلا أن الثابت أن مصدره الأساسي اليمن دون سواها من الأمصار.

ذكره الترمذي في جامعه في حديث زيد بن أرقم رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينعت الزيت والورس من «ذات الجنب»، قال قتادة يلد به ويلد من الجانب الذي يشتكيه. وصح عن أم سلمة رضي الله عنها قولها :«كانت النفساء تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً وكانت إحدانا تطلي الورس على وجهها من الكلف».وقال ابن حنيفة اللغوي: الورس يزرع زرعاً وليس بيري ولست أعرفه بغير أرض العرب ولا من أرض بغير بلاد اليمن. ويقال إن أجوده الأحمر اللين في اليد قليل النخالة.. ينفع من الكلف والحكة والبثور في سطح البدن إذا طلي به وإذا شرب نفع في الوضح وإن لطخ به على البهق أبراه.. وإلى ما هنالك من فوائد عديدة للورس.

حتى في تلك الجبال حيث الماء بحسب قول شاعرنا العربي سعدي يوسف تعتصره من الثدى القاسي شفتا تفاحة.. تبدو عناقيد شجر البن وأزهاره العطرة وزهر الورس كما لو أنها تمنح تلك الصخرة صبغاً وعطراً.. صبغ الورس وشذا قهوة البن الشهيرة التي انتقلت إلى موائدنا الرمضانية بكثافة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى