وما الذي يغضب في تصريح كراجسكي؟

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
لا أدري ما الذي أغضب (المصدر الإعلامي المسؤول) في بلادنا تجاه كلام السفير الأمريكي توماس كراجسكي، الذي قال فيه لصحيفة «الأيام» إن التقدم في مجال الديمقراطية في اليمن قد توقف، حتى وصف مثل هذا القول بأنه نوع من أنواع التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي للبلاد!.. وذهب المصدر في تصريحه إلى حد بعيد من الحدة والغلظة في ردة الفعل.

ولو قدر لمستمع يجهل خلفية وطبيعة التعامل اليمني مع (العامل الخارجي) لظن للوهلة الأولى أن مصدر التصريح هو (بيونغ يانغ) وليس (صنعاء)، ولكنه سيصاب بالدهشة والحيرة الكاملة، حينما يعلم أن هذا السفير بشحمه ولحمه، يبلغ التعاون معه مداه، حينما يتعلق الأمر بالشؤون الأمنية وضبطها في البلاد، (طالما وهناك مساعدات وقوارب تقدم لخفر السواحل) فيما يسمى بمجال مكافحة الإرهاب، الذي يكون فيه أي فعل أمريكي مقبولاً ومعقولاً وليس تدخلاً في الشأن الداخلي الأمني للبلاد.

وحينها لن يجد أي مصدر إعلامي مسؤول نفسه مضطراً لأن يصف مثل هذا التعاون بأنه يشابه التعاون الأمريكي مع الحكومة العراقية في مجال مكافحة الإرهاب، غير أننا نجهل لماذا نجد الموقف يختلف تماماً حينما يتعلق الأمر بالديمقراطية، المجال البالغ الأهمية الذي يتعلق بحياة المواطن اليمني وحقوقه الدستورية والقانونية، فهنا لا يجوز لا للسفير الأمريكي ولا لغيره أن يتحدث عن إخافقاتنا ولا عن توقفنا في التقدم تجاه الديمقراطية والحريات.

هذا صنف واحد من صنوف التناقضات التي نوقع أنفسنا فيها دون أن نشعر، أما الصنف الثاني فهو أشد وقعاً على العقل والمنطق السليم، وهو لا يبدو نادراً في حدوثه، إذ غالباً ما تتحفنا جهات رسمية بتقديم نماذج له بين الحين والآخر، لتضع نفسها في موضع الاستغراب والسخرية من قبل الداخل (الوطني) قبل (الخارج) (المتآمر) وكمثال على ذلك، ها هو نائب رئيس مجلس الوزراء يوقع مع سعادة السفير الفرنسي ألان مور اتفاقية لتعزيز الحكم الديمقراطي والأمن الداخلي، التي تتضمن دعما فرنسيا فنيا لبلادنا بمبلغ (2) مليون و(700) ألف يورو (فقط) تستفيد منها وزارتا العدل والإدارة المحلية، بالإضافة إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.. حدث ذلك في الوقت الذي كانت فيه تصريحات المصدر الإعلامي الرسمي تتناقلها وسائل الإعلام العربية والعالمية بمختلف أنواعها.

إن ما بين توقيع هذه الاتفاقية بكل الرضا والامتنان من جهة، والغضب الشديد من سماع كلمة الحق- حتى ولو قيل لنا إنه يراد بها باطل - من جهة أخرى، تكمن عناصر المشكلة في العقلية السياسية اليمنية، التي ترد بالنار على من يهديها عيوبها، وتتهمه بالتدخل السافر في شؤون البلاد الداخلية وانتهاك السيادة الوطنية، في حين تسمح لنفسها بقبول ذات النوعية من (الفعل الخارجي) طالما وأنه يترافق مع تقديم المال حتى ولو كان زهيداً وشحيحاً، وحتى لو تطلب قبضه اتفاقية رسمية كتلك التي أشرت إليها.

أما من الناحية السياسية الصرفة للموضوع برمته، فإننا نتفهم معاني تصريح السفير الأمريكي قبيل زيارة الأخ رئيس الجمهورية إلى واشنطن، الذي على أساسه جاء الرد كرسالة رسمية لمن يريد أن يتحدث عن هذا الأمر في واشنطن، ولكننا على الجانب الآخر، علينا أن نفرق بنزاهة ووطنية مطلوبة، فيما إذا كان كلام السفير يحمل في جانبه (حقاً) أو (باطلاً) وعلى هذا الأساس يكون التصرف والكلام (في الداخل)، على اعتبار أن توقف أو تباطؤ العملية الديمقراطية عن التقدم في بلادنا يعتبر عاملا سلبيا كبيرا يفرز من النتائج الوخيمة على مختلف الأصعدة التنموية في الوطن، ولا أعتقد أن منصفاً يمنياً يعشق الحرية والديمقراطية ويتوق إلى رؤيتها تتألق في يوم من الأيام في اليمن، يمكنه أن ينكر أن ديمقراطيتنا التي نتحدث عنها قد توقفت فعلياً عن السير إلى الأمام، وأنها قد استدارت إلى الخلف بشكل واضح وملحوظ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى